أملٌ ويَقِين

منذ 2015-11-18

المعجزات مازالت تَحدُث.. والحَيُّ قد يولد من الميت.. والحياة قد تنبت من الرَّماد.. وكِسرة بمذاق الحنظل.. قد تستحيل يَوما شهدا مُذابا..!

رأيتُ.. فيما يَرى الهائم.. رَجُلا قوي البنية مشدود القامَة.. كَسيرَ العَين.. في خَفاء.. لا يَتَجَلّى إلا لَعَيَني من وَرَدَ على نَفس المَعين.. وذاق من قَطَراته.. رأيته في لَيلة خَريفية.. وقد استَبَدَّ بيَ اللا شَيء.. فَلُذتُ بالزِّحام وأعمدة الإنارة وسَريع الخطوِ.. وادّعاء الانشغال..!

فتلك المسرحية.. أهوَنُ كثيرا.. من مُنازلة خَصمي العتيد.. اللاشيء..! عَرَفتَه وكأنّا تقاسَمنا كِسرة مُرّة المَذاق منذُ عَهدٍ لا أذكُره ولا يَذكُرُه.. ولكن بعض الوَشائج بين إخوة في وَجَعٍ.. تَذكُرُه..! نَظَرتُ إلى وجهه مَلِيّا.. وأبطأتُ خُطُواتي.. فَنَظَرَ إلَيّ بعينٍ جامدة.. قالت لي في لحظة كَعُمر.. حَنانَيك.. يوشِكُ السّدَ أن يَتَشَقَّق..!

أطرَقتُ.. وأكمَلَت ساقاي المَسير.. وبَعض روحي مُعَلّقٌ.. كَمُعَلَّقة جاهلية.. على أجفان صاحب ذاك السَّد.. الذي أوشَك أن يتشقق..! تجاوَزته بِخطوات ثلاث.. حين شممت عطر تلك الزّهرة..  سمعت صوتها وهي تناديه.. "أبي"..!

نَظَرتُ.. فإذا بطفلة تُجاهد لتصل إلى رُكبَتيه.. تحتضن ساقه بِقُوّة.. وهي تناديه " أبي".. ليس بأسلوب نداء.. وإنما بأسلوبٍ تَقريري.. وكأن ذاك هو المُبتدأ والخبر وما بينهما..من حكايات وأخبار..!
تَأمّلتُ وجهه.. الذي ذاب حُبّاً وشَوقاً.. لحكايات الزّهرة.. وأخبارها.. وعطرها.. الذي صار في الحقيقة.. زَمناً مُعَطّراً.. مأسوراً بَين دَفَّتَي كتاب..!

في رَهبَةٍ.. طالَعتُ انهيار السَّد.. وصاحبه يرفع الصغيرة.. ويَضُمّها إلى صَدره بقوة.. هامساً بين النشيج.. "افتقدتك كثيرا يا قُرّة عيني" مَسَحَت الصغيرة دموعه.. وقَبَّلته على جبينه قبلة صغيرة بلون الربيع..!

ابتسم الفَتى.. وأغمَضَ عينيه وتشمم شعر الصغيرة.. وهي تُرَبِّتُ على رأسه في حنان وسكون.. وكأنما تستقيهما من أول أنثى وأم.. قبل أن تُقسم رحمتها على نساء الكون جميعا..!

أخرجني من تلك اللحظة الأبدية.. صوت أقدام تركض.. وصوت رجل ينادي بلهفة.. "حبيبتي لماذا تركتِ يَدي.. خِفتُ عليك كثيرا.. أعتذر لك سيدي إذا ضايقتك ابنتي".. وأخذ ابنته وانصرف..!

في ذهول نظرت.. للزهرة الصغيرة.. والشجرة الذابلة.. التي بَكَت على صدر النبتة.. فارتوت.. وتنفست.. وعادت لبقاياها جذوة الحياة..! فانظر آثار رحمة ربّك..!

حينها.. كان دَوري أن أبكي.. أن أضحك.. أن أُمطِر.. أن أُزهِر.. فالمعجزات مازالت تَحدُث.. والحَيُّ قد يولد من الميت.. والحياة قد تنبت من الرَّماد.. وكِسرة بمذاق الحنظل.. قد تستحيل يَوما شهدا مُذابا..!

صافحت صاحبي بِعَيني.. ومضيت مُطمئنا.. أنه سيكون.. وسأكون.. بخير.. فهناك رَبٌّ أرحم بنا من رحم الأُم.. ثم.. حياة في كَنَفه.. وأملٌ ويقين..!

بسمة موسى

مهتمة بالقراءة في مجالات مختلفة والمجال الأدبي خاصة بفروعه المختلفة

  • 1
  • 0
  • 3,205

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً