الغرب والطفل الفلسطيني الأسير

منذ 2015-12-01

إن قضية الطفل الفلسطيني ومنهجية اعتقاله وأسره من قبل العدو الصهيوني بحاجة لوقفة إسلامية جادة؛ ولتكن هناك حملة يطلقها العلماء والدعاة وذوي التأثير في عالمنا الإسلامي عمادها إخراج الطفل الفلسطيني من دائرة ومنهجية الأسر والاعتقال الصهيوني، والعمل على إثارة الرأي العام العربي والعالمي ضد الممارسات الصهيونية بحق الطفولة الفلسطينية؛ عسى أن يشعر الطفل الفلسطيني الأسير بأن هناك من يحمل همه من بني أمته الإسلامية، ويشعر والديه بأن هناك من يشاطرهم مشاعر الأب والأم عندما يخطف أحد أبنائهما.

على مدار العقود المنصرمة صدعنا الغرب عبر حكوماته ومنظماته الدولية وبخاصة أممه المتحدة ومجالسها ولجانها المتفرعة بحقوق الطفل الضائعة بظنهم في العالم الإسلامي؛ وأخذوا جميعًا عبر منسوبيهم ووكلائهم من مرتزقة التمويل الغربي في عالمنا العربي والإسلامي في تشويه صورة المسلمين والأسرة المسلمة من خلال إثارة قضايا تغريبية أو هامشية أخذت مساحات ممتدة من الضغط السياسي والإعلامي والمجتمعي، من قبيل محاربة الزواج المبكر، وختان الإناث، ونشر تعليم الجنس في  المؤسسات التعليمية قبل الجامعية، والدعوة للاختلاط وحرية المراهقين والمراهقات في تكوين الصداقات وما يتبعها من علاقات انحلالية؛ وتوفير ما أسموه أجواء "الجنس الآمن" قافزة بذلك فوق أية اعتبارات شرعية تصون الأعراض وتحفظ الأنساب.

وعلى أثر ذلك ارتفعت المطالب التغريبية بتنقيح المناهج الدراسية من كل ما يتعارض مع الرؤية الغربية للواقع المجتمعي؛ وتزويدها بالرؤى الغربية المتحررة من أية قيود على المستويين العقدي والأخلاقي، بل وامتد الأمر للمطالبة بمراجعة العلوم الشرعية فيما يتعلق بقضايا الجهاد، والولاء والبراء وضبط العلاقات مع غير المسلمين وإعادة قراءتها وتفسيرها حسب الهوى الغربي.

في هذه الأثناء نجد واقع أطفال فلسطين الأسرى لدى الكيان الصهيوني المحتل، والذي يكشف بجلاء زيف الادعاءات الغربية في رغبتها الحقيقية في تهيئة حياة كريمة للطفل مهما كانت ديانته أو جنسيته. فالكيان الصهيوني يضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالطفل؛ ويأخذ من قضية اعتقال أطفال فلسطين والتنكيل بهم منهجًا عسكريًا يظن أن فيه شئ من الردع لباقي الفلسطينيين.

فهذا الكيان يعتبر  الوحيد في العالم الذي يحاكم الأطفال الفلسطينيون في المحاكم العسكرية، حيث يتم محاكمة ما بين 500-700 طفل فلسطيني سنويًا في هذه المحاكم، وتكشف هيئة الأسرى عن أنه منذ عام 2000، وحتى الربع الأخير من العام 2015  اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 8500 طفل فلسطيني، وحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية، ووجهت لغالبيتهم تهمة إلقاء الحجارة؛ وصدرت بحقهم أحكام تراوحت بين المؤبد والغرامات المغلظة، وبينهما أحكام بسنوات متفاوتة. هذا فضلًا عن المعاملة القاسية التي يلاقيها هؤلاء الأطفال داخل السجون الصهيونية من ضرب وتعذيب وإهانات وحرمان من التعليم والعلاج والترويح؛ وتنشئتهم في مناخ السجن الموحش وغير الآدمي بما فيه من مخالطة للمجرمين والجنائيين اليهود؛ وعزلهم عن البيئة الخارجية ومكوناتها التربوية والأسرية السوية والملازمة لهذه الحقبة العمرية.

فأين الغرب وأممه المتحدة من هؤلاء الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني؟؛ وهل يرضيهم هذا الواقع الأليم للأطفال الفلسطينيين في السجون الصهيونية؟ ولماذا لا يفعلون الاتفاقيات الأممية والدولية المتعلقة بالطفل؟؛ ولماذا هذه الازدواجية في التعامل مع الكيان الصهيوني وباقي الدول المسلمة في ملف الطفولة وأولوياتها؟

ولماذا لا تقوم الحكومات الغربية ومنسوبي المؤسسات الدولية الأمم المتحدة بزيارات مفاجئة للسجون الصهيونية، والكشف عن الأعداد الحقيقية للأطفال المعتقلين داخل السجون الصهيونية، والضغط باتجاه الإفراج الفوري عن كل طفل فلسطيني أسير في السجون الصهيونية؟

ولماذا لا يدفع الغرب وأممه المتحدة سفراء نواياهم الحسنة من الممثلين والممثلات واللاعبين واللاعبات والسياسيين والسياسيات العرب منهم قبل العجم باتجاه تسليط الضوء على تلك المأساة الطفولية العالقة في السجون الصهيونية؟ أم أن هذه المأساة ليست على أجندة التمويل الغربي والوجاهة الدبلوماسية؟

ولماذا لا تقوم الدول الغربية وأممها المتحدة بطرح قضية الأطفال الأسرى في السجون الصهيونية داخل قاعاتها ولجانها المعنية؛ كي تصدر قرارتها التي تدعي أنها إلزامية ضد الانتهاكات الصهيونية بحق الطفولة الفلسطينية؟

فهل يستطيع الغرب وحكوماته ومؤسساته وأممه المتحدة القيام بهذا الدور، أم أنهم أعجز من أن يوجهون أي نقد للكيان الصهيوني المحتل والقاهر للطفل الفلسطيني الأسير، فضلًا عن إحراجه دوليًا ومطالبته بعدم التعرض للطفل الفلسطيني بأي شكل من الأشكال؟

إن أبطال الانتفاضة الفلسطينية عندما يهمون بعملية نوعية صوب العدو الصهيوني ويصادف في مسرح العملية وجود أطفال يهود  فإنهم يتجنبون بقدر الإمكان إصابة الأطفال اليهود بالأذى؛ والعالم كله يشهد لهم بهذا السلوك الأخلاقي الرفيع.

ولكن يبقى السؤال الذي يفرض نفسه بقوة؛ ماذا لو حمي وطيس الغيرة لدى الفلسطينيين وتربص البعض منهم بأطفال المدارس الصهيونية الذين يخرجون بصحبة الحاخامات كي يحرقوا الزرع الفلسطيني ويعتدون على الحرمات الفلسطينية الآمنة، وقام الفلسطينيون بخطف مجموعة من هؤلاء الأطفال اليهود أثناء اعتدائهم وفرضوا على الواقع الصهيوني منهجية جديدة في المدافعة وهي المعاملة بالمثل "طفل بطفل"؛ هل حينها سيكون رد الفعل الغربي والأممي مماثل كما في صمتهم الراهن قبالة حالة الطفل الفلسطيني الأسير لدى الكيان الصهيوني؟

وإذا تعاظمت إمكانيات الشباب الفلسطيني في أعماق الكيان الصهيوني وقاموا بأسر أطفال بأعينهم من أبناء الحاخامات والساسة الكبار وذوي النفوذ في الكيان الصهيوني، ووضعهم على طاولة التفاوض في عمليات تبادل الأسرى الأطفال؛ كيف سيكون حينها رد الفعل الغربي قبل الصهيوني؟

وماذا لو قام الشباب الفلسطيني بإرسال رسائل تهديد مباشرة للأسر اليهودية في الكيان الصهيوني عبر كافة وسائل الاتصال المتاحة وكانت الرسالة ثابتة ومحددة "أطلقوا سراح أطفالنا وإلا أسرنا أطفالكم"، محدثين بذلك حالة من الهلع والخوف والفزع والرعب، ومن ثم التعبئة اليهودية الداخلية المضادة قبالة قادة الكيان الصهيوني وساسته، والتي ستدفعهم حينها لتغيير منهجهم في أسر الأطفال الفلسطينيين؛ فكيف سيتعامل الغرب ومنظماته الأممية حينها مع هذا التصعيد الفلسطيني اليسير؟ هل سيندد به أم سيغلق الفيس بوك وتويتر داخل الكيان الصهيوني؟

لقد حاولنا عبر السطور السابقة إثبات ازدواجية الغرب في التعامل الدولي مع قضية الطفولة بصفة عامة؛ وأنها لا تخرج عن كونها قنطرة لتحقيق أهداف تغريبية لا يمكن تسكينها بعيدًا عن معركة الهوية وحروب القيم بين الغرب والإسلام، وتكشف بما لا يدع مجالًا للشك عن ذلك الانحياز الأممي الفج للكيان الصهيوني، حتى لو على حساب حلة الغرب الذي  يحاول أن يتزين بها والمسماة بالإنسانية، والتي اتضح أنه يخفي من خلالها جانب دموي يلازمه على مدار التاريخ؛ وإلا فعلى الغرب وحكوماته ومؤسساته وأممه المتحدة إثبات العكس في قضية أطفال فلسطين الأسرى في سجون الكيان الصهيوني.

إن قضية الطفل الفلسطيني ومنهجية اعتقاله وأسره من قبل العدو الصهيوني بحاجة لوقفة إسلامية جادة؛ ولتكن هناك حملة يطلقها العلماء والدعاة وذوي التأثير في عالمنا الإسلامي عمادها إخراج الطفل الفلسطيني من دائرة ومنهجية الأسر والاعتقال الصهيوني، والعمل على إثارة الرأي العام العربي والعالمي ضد الممارسات الصهيونية بحق الطفولة الفلسطينية؛ عسى أن يشعر الطفل الفلسطيني الأسير بأن هناك من يحمل همه من بني أمته الإسلامية، ويشعر والديه بأن هناك من يشاطرهم مشاعر الأب والأم عندما يخطف أحد أبنائهما.

فك الله أسر أطفالنا في السجون الصهيونية؛ وعجل بانهيار ذلك الكيان الصهيوني الذي أراه في أضعف حالاته القتالية، وعسى أن يكون انهياره قريبًا بإذن الله. 

الهيثم زعفان

كاتب وباحث متخصص في القضايا الاجتماعية والاستراتيجية؛ رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية، جمهورية مصر العربية.

  • 1
  • 0
  • 1,992

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً