لبئست الهدية ولبئس المُهدِي
لعل أكثر وسيلة لنقض فكرة الدعوة إلى الله والنصيحة والأمر بالمعروف؛ يفضلها مناهضو التدين وكارهو الدعوة والدعاة , إيهام الناس أن هذا نوع من ادعاء الفضل وسبيل ينتهجه الداعي أو الناصح ليعلو على الخلق ويتسلط عليهم!
إنهم لا ينفكون أبدا عن ترسيخ ذلك الوهم بشتى السبل وتنضح به كلماتهم المتشنجة ومقالاتهم الموتورة
لستم أكثر منا تدينا لتعظونا
خليكم في أنفسكم
وفروا نصائحكم
احنا فاهمين ديننا أحسن منكم
وهكذا تتوالى الردود النافرة الرافضة لأصل الفكرة والتي تربطها دوما بذلك الوهم والتلازم القابع فقط في خيالهم المريض
والحقيقة أنها ليست دعوى جديدة
لقد قالها قوم نوح من قبل : { مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} [سورة هود 27]
إنها نفس الفكرة بتمامها
كفاك تفضيلا لنفسك و أتباعك علينا ، فلسنا نرى لكم علينا من فضل وما أنت إلا بشرا مثلنا
بل نقولها لك و اعقلها جيدا : إنا لنظنكم كاذبين .
هكذا توالت الاتهامات ، و انهمر سيل الكلمات ، على مسامع نوح عليه السلام
تقولون ما هو إلا بشر مثلكم و ليس له فضل عليكم ؟!
فوالله ما جاوز ذلك يوما ولا ادعى غيره
و ها هوذا يؤكد مرة أخرى على هذا المعنى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَك} [سورة هود 31]
لم يدع يوما أن معه خزائن ملأى بالمال يغنيكم بها و يزيد مالكم ،
و لم يقل يوما إنه يعلم الغيب و لم ينسب صفة من صفات خالقه لنفسى
إنما لسان حاله ومقاله كسائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام : "إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىّ"
لكن كما أنه بشر ، فأنتم كذلك
والحقيقة أنكم أنتم من زعمتم لأنفسكم فضلا على غيركم فرفضتم النصح ممن هو مثلكم أو ترونه أقل منكم
و هكذا حال المستكبرين فى كل زمان ،
يرمون من يدعونهم إلى الخير بتهمة التكبر و الرغبة فى الرياسة عليهم ، والحق أن ذلك داؤهم و تلك آفتهم و كما قال الأولون: رمتنى بدائها وانسلَّت..
المشكلة إذا ليست في ذلك الوهم والادعاء فهو كما قلت قديم متكرر
المشكلة فيمن يصر بقصد أو بدون قصد على أن يعطي أصحاب ذلك الوهم والادعاء المغلوط حجة وبينة تؤكد دعواهم وتعضد مسعاهم
أولئك الذين يجعلون من دعوتهم وعلمهم مطية للعلو على الناس وكسب المزيد من الأتباع والمريدين ويرفضون بلسان الحال والمقال أن يعاملوا معاملة البشر وأن ينزلوا منازل البشر..
ويعينهم على ذلك أولئك الأتباع المغالين الذين لا ينفكون عن تقديسهم وتعظيمهم وإضفاء هالات الجلال على شخوصهم ويرفضون أي نقد أو اختلاف أو رفض لآراء ساداتهم وكبرائهم!
ولا يدري الصنفان تابعين ومتبوعين أنهم إنما يعينان بقوة أولئك الذين صدرت المقال بذكرهم ويؤكدون مزاعمهم ويعطونهم أعظم هدية ينتظرونها بشغف
هدية القداسة المزعومة المغلفة بالغلو والمزينة بالتعصب ومعرفة الحق بالرجال
فلبئست الهدية ولبئس المُهدِي والمُهدَى لهم
- التصنيف: