النقاب فضيلة.. يا فضيلة الشيخ!!!

منذ 2009-11-26

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "هل تعرف ما يهدم الإسلام؟!"، قال: قلت: "لا"، قال: "يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين" [صححه الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح]..


ليس بمستغرب أن يحارب الفضيلة حاكم طاغي أو فاجر لاهي، أو يشمئز كافر من منظر امرأة متسترة، أو يتضجر فاسق من مشهد فتاة منقَّبة، فقد تكرر ذلك سابقاً ولاحقاً فمما مضى نشرت جريدة (الجمهورية) 20/4/1978م في الذكرى السبعين لموت قاسم أمين ما نصه: "ولما تولى سعد زغلول زعامة الشعب في عام 1919، اشترط على السيدات اللواتي يحضرن لسماع خطبه أن يزحن النقاب عمّا سمح الله به من وجوههن، وكانت هذه أول مرحلة عملية للسفور!!".

وتقول فاطمة عصمت زكريا: "وبعد تعيينه وزيراً (أي زغلول) أراد مجموعة من النساء المصريات في القاهرة أن يجتمعن به لأمر من الأمور، فدخل عليهن، وبُهت إذ فوجئ بأنهن يسدلن الحجاب على وجوههن، فرفض الدخول والاجتماع بهنَّ إلاّ أن يكشفنْ وجوههن!!، فأبين ذلك، ولم يحصل الاجتماع".

وبالأمس القريب قال (الرئيس الفرنسي ساركوزي) وسط تصفيق قوي من نوابه: "النقاب ليس علامة دينية وإنما علامة إخضاع وخضوع المرأة. أريد أن أقول بجدية انه لن يكون موضع ترحيب على أراضينا".

لكن مما يؤسف له أن يصدر الإنكار على المنقبات العفيفات - اللاتي هنّ أولى وأحق بمزيد احتفاء وإكرام من كل عاقل -ولو لم يكن مؤمنا - لكونهنّ اخترنْ أعلى درجة الستر، وأكمل حالات العفة - من عالم له وزنه في المؤسسة الدينية الرسمية، ومكانته المعتبرة في العلم،يرجى منه حماية أعراض المسلمات والذب عن حياض الشريعة، والحفاظ على شعائر الدين، حين يصف -شيخ الأزهر- النقاب بأنه مجرد عادة لا علاقة لها بالدين وأعلن عزمه على منعه بالمعاهد الأزهرية، ويصدر مجلس إدارته قرارً بذلك..!!

وليس المقصد التعرض لشيخ الأزهر (بذاته)، أو الحديث عن (شخصه)، أو تتبع (عثراته)، فهو وإن زل في عبارة أو أخطأ في تصرف يعتبر من علماء المسلمين الذين يجب أن تحفظ لهم مكانتهم، وتراعى لهم حرمتهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ليس من أمتي من لم يجلّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه» [حسنه الألباني]..

إنما مرادي التحذير من هذه الزلة خشية أن يحدث بها تضليل لعامة المسلمين وأشباههم من غير الدارسين للفقه الإسلامي الذين يتبعون أهل العلم ويأخذون بأقوالهم دون تمحيص، قال بن عباس رضي الله عنهما: "ويل للأتباع من عثرات العالم"..

وحتى لا ينتهزها أعداء الفضيلة والإسلام، والأنظمة الجائرة لمحاربة الحجاب، وفتنة المؤمنات، ورمي المسلمين بالتهم الباطلة، ففي إيطاليا -مثلاً- هناك مطالبة بمشروع لاعتقال المنقبات في الأماكن العامة..!!

ولأن دعاة السفور سيجدون فيها فرصة لتمرير أفكارهم وأطروحاتهم،ويحتجون بها في دعوتهم إلى التبرج والاختلاط، لجعل ذم النقاب إحدى مراحل مشروعهم التغريبي وخطوة لمحاربة الحجاب، والتضييق على المحجبات للوصول إلى تمييع الدين،ونشر الرذيلة، وهدم معالم الفضيلة، ونبذ تعاليم الشريعة، ووصفها بعدم مناسبتها للأوضاع المعاصرة بدعوى عدم مواكبة العصر {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [سورة النساء: 27]، فسارع عدد من نشطاء حقوق الإنسان الأقباط في مصر إلى تأييد إصدار قرار بمنع ارتداء النقاب، وإحداهنَّ تقول: "النقاب مجرد عادة موروثة وليست مطلبا دينيا وإنما ظاهرة دخيلة علينا، وجاءت إلينا من اليهودية"!!، وفي وقت سابق سئلت إحدى دعاة التغريب في مقابلة مع إحدى الفضائيات: "هل تحبين أن ترين المرأة السعودية وقد ارتدت الجينز وحلَّت شعرها كما تفعل غيرها في دول العالم؟"، فأجابت: "المهم أن تكشف الوجه والباقي نتحدث عنه لاحقاً"..!!

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "هل تعرف ما يهدم الإسلام؟!"، قال: قلت: "لا"، قال: "يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين" [صححه الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح]..

وقد دلت جميع الشرائع السماوية، والفطر السوية على تفضيل التستر على العري، وتقديم الاحتشام على التبرج، وجاءت الشريعة الإسلامية الغراء بتكريم المرأة وحثها على دواعي العفة والحشمة، وإبعادها عن أسباب الاختلاط والسفور، وحفظها من أسباب الفتنة، وجعل الحياء شعبة من شعب الإيمان، قال تعالى: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ}، قال د.سيد طنطاوي في تفسيره (الوسيط): "أي: طلباً للعفة، للإشعار بأن الاحتشام والتستر، خير للمرأة حتى ولو كانت من القواعد" أ.هـ.

ولا خلاف عند أهل العلم أن ستر المرأة المسلمة لوجهها بسدل الخمار عليه أو لبس النقاب الشرعي عبادة وقربة لله تعالى أجمع على مشروعيتها علماء المسلمين سلفاً وخلفاً، قال الحافظ بن عبد البر رحمه الله: "وأجمعوا أن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال إليها" (التمهيد: 15 / 108) .

حتى إن العلماء الذين يرون جواز كشف الوجه يفتون بأن ستره أفضل وبخاصة عند خشية الفتنة، بل أنَّ د.طنطاوي- نفسه - نص في تفسيره الوسيط على أن القول بتغطية الوجه (بالنقاب أو غيره) واجبٌ شرعيٌّ من صميم الدين والعبادة هو من كلام العلماء وليس من عادات الناس المحدثة فقال في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ما نصه: "وقال بعض علماؤنا: "إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك "أ.هـ وأي فتنة وتردي إلى الشهوات أشد مما تعيشه المجتمعات في هذه الأزمنة..؟!

وليس المقصد تقرير وجوب ستر الوجه مع أنَّ النصوص دلت -كما قال علماؤنا- على أن القول الصحيح هو وجوب ستر وجه المرأة،بل أن ظاهر كلام الشيخ طنطاوي -نفسه- يدل على ذلك فقد قال في تفسير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ..} ما نصه: "والجلابيب جمع جلباب ، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة فوق ثيابها... والمعنى: ...فعليهن أن يَسدلن الجلاليب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترًا تامًّا من رؤوسهن إلى أقدامهن" أ.هـ من تفسيره (الوسيط).

إنما أقصد التأكيد على أنّ ستر الوجه كاملاً قول معتبرٌ في الشريعة وإن اختلفوا في استحبابه أو وجوبه، فهو إن لم يكن واجباً شرعاً فإنه -قطعاً- من أزكى الفضائل عقلاً وعرفاً، ولم ينقل عن أحد من علماء المسلمين أنه قال بكراهية ستر الوجه والنقاب فضلاً عن تحريمه أو تجريم من فعله فكيف بمن اعتبره بدعة أو عادة يجب محاربتها والقضاء عليها؟!

فكيف يتأتى لعالم يرأس صرحاً من صروح العلم، ويعتبر من علماء الإسلام المعتبرين إنكار أمراً شرعياً متفق علي مشروعيته وإن أُختلف في حكمه، أم كيف يحظر كتاب يدعوا إلى ارتداء النقاب ويقرر وجوب ستر الوجه مع أنه أمر شرعي!!!

بل أن تفسير الوسيط لشيخ الأزهر -الذي يقرر فيه مشروعية ستر الوجه - يدرَّس للطالبات في المعاهد الأزهرية!!

ومما لايدع مجالاً للشك في مشروعية تغطية الوجه ولبس النقاب الشرعي التزام الصحابيات رضي الله عنهنّ به، ولبسهنّ له في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنه في حادثة الإفك قالت: "فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي"..

ولذلك نهين عن تغطية الوجه بالنقاب حال الإحرام والاكتفاء بسدل الغطاء على الوجه عند وجود الرجال كما أخرج بن أبي شيبة في المصنف "أن علياً-رضي الله عنه-كان ينهى النساء عن النقاب وهنَّ حُرُم ولكن يسدلنْ الثوب عن وجوههن سدلا".

وفي البخاري عن بنِ عُمَرَ قَالَ قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: «...وَلاَ تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلاَ تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ»، وهذا يدل على أن غير المحرمة يشرع لها أن تنتقب ،وليس معناه النهي عن تغطية الوجه بل هي مأمورة بذلك حتى حال الإحرام في مجامع الرجال ولكن بدون نقاب لكونه من محظورات الإحرام ، وهذا مافهمه نساء الصحابة رضي الله عنهنّ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : "كنا نغطي وجوهنا من الرجال،وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام" [أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وابن خزيمة وقال الأعظمي: إسناده صحيح].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاورونا كشفناه" [أخرجه أحمد و أبو داود وضعفه الألباني].

بل إنَّ كشف الوجه أولى بأن يوصف بأنه عادة من عادات العرب كما قال بن جزي الكلبي المالكي رحمه الله (ت741هـ) في تفسير قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: 59]: " كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعياً إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليستر بذلك وجوههن".

فضلاً عما يترتب على كشف الوجه من مفاسد - في زمن تفشى فيه الانحلال الخلقي، وتلاشى كثير من مظاهر الحياء، وأصبح التبرج عادة كاد ألا ينكرها أحد!!- لا تقارن بما يُدَّعى من مفاسد النقاب..

ووقوع بعض المنقبات في أخطاء، أو تستر بعض المفسدين وراء النقاب - مع ندرة ذلك - لا يجوز أن يحملنا على محاربته أو الدعوة إلى إلغائه والتحذير منه، فلو كان الأمر كذلك لوجب التحذير من الصلاة لوقوع بعض المصلين في الكبائر، وتظاهر البعض بإقامتها لتحقيق مآربه..!!

ومع ذلك كله فأعداد المنقبات في ازدياد -ثبتهنَّ الله- مما يبشر بإقبال على الستر والفضلة وإعراض عن التبرج والسفور حتى أنه خرجت دراسة تكشف أن عدد المنتقبات في مصر -مثلاً- بلغ 17 % من تعداد نساء مصر أي أن عدد المنقبات يصل الى 9 ملايين منقبة تقريباً..

فماذا ينقم - شيخ الأزهر - من فتاة منقبة إلا أنها رغبت في مرضاة ربها، وحرصت أن تكون نموذج للعفة والحشمة والصلاح، وسترت وجهها عن أعين الناظرين حفاظاً على حيائها عند دخول شيخ أعرق جامعة إسلامية ووفده المرافق، وهل تصرفه مع الفتاة - ولو افترضنا أنها أخطأت - صواب؟!!

وبأي حق يتهكم بها ويتنقص من خلقتها، وهل هذا أسلوب دعوي أو أبوي أو حتى إنساني؟!

وهل من الأدب تقريعها علانية والإغلاظ عليها مع صغر سنها ورقة مشاعرها؟!

وما الذي أباح له شرعاً أن يسخر من شكلها ويقلل من جمالها ويحرجها أمام الملأ؟!

ومتى كان تلفظه نحو معلمة متخصصة في العلم الشرعي وردَّه عليها أسلوباً علمياً للبيان؟!

ولو فرضنا - جدلاً - أنه عادة فما الذي يمنع منها وأي ضرر في تقيدها بعادة اختارتها لنفسها؟!!

وأين هذه الغضبة المضرية عن العاريات والمجاهرات بمخالفة أمر الله في الأسواق والطرقات؟؟!

وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء» [رواه مسلم]..

نسأل الله الثبات على الحق وحسن الخاتمة..

والله ما خوفي الذنوب فـإنها *** لعلى طريق العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن
ورضا بآراء الرجال وخرصها *** لا كان ذاك بمنة الرحمن



بقلم: المشرف العام على شبكة مفكرة الدعاة وجوال نداء:
حميدان بن عجيل الجهني.
المدرس بالمعهد العلمي بمكة المكرمة.
المصدر: مفكرة الدعاة
  • 119
  • 0
  • 13,846

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً