خطب مختارة - [13] أسماء الله الحسنى 2-2

منذ 2016-01-19

إنّ مِفتاحَ دَعوةِ الرّسلِ معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعالِه، وذلك لتوحيده في العبادة، وإنّ معرفةَ أسماء الله الحسنى وصفاتِه العلى يستلزِم إجلالَه وإعظامَه وخَشيتَه ومهابَتَه ومحبَّته والتوكّلَ عليه والرضا بقضائِه والصبرَ على بلائه، وعلى قَدرِ المعرفة يكون تعظيم الربِّ في القلبِ.

الخطبة الأولى

ربنا اللّطيف، يَلطُف بعباده، يسوق النعمَ والأرزاقَ إليهم وهم لا يشعرون. وهو سبحانه لطيف في علمه لا تخفى عليه خافية، وهو سبحانه لطيف في أقداره؛ رحيم بعباده.

ربنا الخبير بأمورِ العِباد، لا يخفَى عليه شيءٌ؛ يستوي عنده السر والعلانية؛ مطَّلِع على حقيقةِ كلِّ أمر، {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59].

ربنا الحليم، لا يعجِّل العقوبةَ على عبادِه بِذنوبهم، ولا يحبِس إنعامَه وأفضاله عنهم بخطيئاتهم، يَعصونه وهو يرزُقهم، يذنِبون وهو يمهلهم، يجاهِرون وهو يستر عليهم، فلا تغترَّ بحلمِ الله وكَرَمه عليك، فقد يبغَتُك العذاب، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6]. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» [البخاري:4686].

ربنا العظيم، في صفاته وأفعاله وملكه وتدبيره، إذا تكلَّم بالوحي أخذَتِ السموات منه رجفةٌ شديدة خوفًا من الله عزّ وجلّ، فإذا سمِع ذلك أهلُ السموات صُعِقوا وخرّوا لله سجَّدًا.

ربنا الشّكور، يعطي الجزيلَ على اليسيرِ منَ العمل، ويَغفِر الكثيرَ مِنَ الزَّلَل، فلا تحتقِر أيَّ عملٍ صالح وإن قلَّ، فالحسنة يضاعفها الله أضعافا كثيرة، قال سبحانه: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى:23].

ربنا الحفيظ، يحفَظ أعمالَ العباد ويحصِي أقوالَهم، {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52]، وهو سبحانه يحفَظ عبادَه من المهالِكِ والمعاطِبِ، حفِظ يونسَ وهو في بطن الحوت في لُجَجِ البِحار، وحفِظ موسى وهو رضيعٌ في اليمّ، فتوكَّل على الله في حِفظ نفسك وأولادك، فلا تعاويذَ شركيّة، ولا تمائم ولا سَحَرَة ولا كُهّان، وإنما توكلٌ على العليم الحفيظ.

ربنا القويّ، لا يعجِزه شيء، قوِيّ في بطشِه، إذا بطَش بشيءٍ أهلَكَه، ولله جنود السماوات والأرض، أمرَ جبريلَ بقلبِ قريةٍ عاتِيَةٍ بالفواحش وهم قوم لوطٍ، فَعَلا بها بطَرَف جناحه ثم قلَبَها بمن فيها، وجعلها آيةً للاعتبار عبرَ القرون، ومن تأمَّل عظمة قوّة الله خاف منه؛ وابتعد عن معصيته؛ وعمل بطاعته؛ وأدى فرائضه.

ربنا سبحانه الشافي، يشفي ويُعافي من الأمراضِ والأسقام، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين} [الشعراء:80]، والأدوية أسبابٌ يجب أن لا يتعلَّقَ القلب بها، وإنما يكون التعلق بمسببها.

ربنا المنَّان، ذو الجود والكرم، يبدأ بالعطاءِ قبلَ السؤال.

ربنا المحسِن، غمَر الخلقَ بإحسانه وفضلِه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.

ربنا الكريم، يعطي ويجزل في العَطاء، ليس بينه وبين خلقِه حِجاب، فاسأل وربُّك الأكرَم، وإذا فتَح اللهُ الرزقَ على عبدِه لم يمنَعه أحدٌ، قال سبحانه: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2].

ربنا الحيِيّ ، «إذا سأَلَه عبدُه عطاءً ورفع إليه يدَيه يستحِي أن يردَّهما صِفرًا» [صحيح الترمذي:3556]

ربنا الرقيب، لا يغفل عن خَلقِه ولا يضيِّعهم، {وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} [المؤمنون:17]، مطَّلِع على ما أكَّنَته ضمائِرُهم، قال الحسن البصري رحمه الله:  "رحِم الله عبدًا وقَف عند همِّه، فإن كان للهِ مضَى، وإن كان لغيرِه تأخَّر". فقِف وقفةً عند كلِّ عمَل، فإن كان لله فتقدَّم، وإن كان لا يرضي الله فتأخَّر . وقد جعل الله سبحانه ملائكةً تكتبُ أعمالَ العباد {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].

وهو الودود، يتودَّد إلى عبادِه بالنّعَم والعفو والعافية، ومن ترَك شيئًا لأجلِه أعطاه المزيدَ. وهو سبحانه ذو محبَّةٍ لعبادِه الصالحين، وهو يحِبُّ التوابين؛ ويحب المتوكِّلين؛ ويحب الصابِرين ويحب المتطهرين.

ربنا المجيد، ذو مَجدٍ ومَدح وثَناء كريمٍ، لا مجدَ أعظم من مجده، وكلُّ مجدٍ لغيره إنما هو عطاءٌ وتفضُّل منه سبحانه.

ربنا الحميدُ، مستَحِقٌّ للحمد والثناءِ بفعالِه، يُحمَد في السراء والضراءِ، وحمدُه من أجلّ الأعمال، قال عليه الصلاة والسلام: «والحمدُ لله تملأ الميزانَ، وسبحان الله والحمد للهِ تملآن أو تملأ ما بين السمواتِ والأرض» [رواه مسلم:223]

ربنا سبحانه الحيُّ القيّوم، قائِم بأمرِ جميع الخلائق، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}  [الرحمن:29].

ربنا الأحدٌ، الذي لم يزل وحدَه، ولم يكن معه غيرُه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وهو سبحانه المتوحَّد بجميع الكَمَالاتِ؛ لا يشاركه فيها مشارِك.

ربنا الصّمَد، الذي تصمُد إليه الخلائق في حاجاتِها، وتبُثّ إليه شكواها، وتضع بين يدَيه ملِمّاتِها، لعلم الخلق بفقرهم إلى الله، ومسيس حاجتهم إلى عونه ورزقه ونجدته.

ربنا القدير، تامّ القدرةِ والنّفوذ على كلِّ شيء، قال لنارٍ محرِقة: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69]، فكانت كما أمَر، وأمر بحرًا زاخرًا بالأمواجِ أن يكون طريقًا يبَسًا لموسى، فكان كذلك ثم عادَ بحرًا على أكملِ حالٍ.

ربنا البَرّ، يحسِن إلى عبادِه ويجيب دعاءهم ويصلح أحوالَهم، بَرٌّ بالمطيع في مضاعَفَة الثواب، وبَرٌّ بالمسِيء في الصّفحِ والتجاوُز والإمهال، {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28].

ربنا التّوَّاب، لا يردُّ تائبًا، مَن جاء إليه في ليلٍ أو نهار قَبِلَه بل وأحبَّه، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة:222].

ربنا العفُوّ، يحب العفو ، مهما أسرَفَ العبد على نفسِه بالعِصيان ثمّ تاب عفَا عنه .

ربنا الرّؤوف بجميع خلقِه، يُغدِق عليهم النعمَ وإن عصَوه ؛ رأفَةً منه بهم ، {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج:65].

ربنا الغنيّ، لا حاجةَ له إلى خلقِه، يدُه ملأَى لا تَغيضها نفقَةٌ، سَحَّاء الليلَ والنهارَ، يقول عليه الصلاة والسّلام فيما يروِيه عن ربِّه: «يا عبادِي، لو أنّ أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجنَّكم قاموا على صعيد واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسان مسألتَه ما نقص ذلك ممّا عندي إلاّ كما يُنقِص المخيطُ إذا أدخِل البحر» [رواه مسلم:2577] نسأل الله أن يغنيَنا من واسع فضله وجوده وعطائه.

أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله .....

الخطبة الثانية

عباد الله، إنّ مِفتاحَ دَعوةِ الرّسلِ معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعالِه، وذلك لتوحيده في العبادة، وإنّ معرفةَ أسماء الله الحسنى وصفاتِه العلى يستلزِم إجلالَه وإعظامَه وخَشيتَه ومهابَتَه ومحبَّته والتوكّلَ عليه والرضا بقضائِه والصبرَ على بلائه، وعلى قَدرِ المعرفة يكون تعظيم الربِّ في القلبِ، وأعرفُ الناس بالله أشدُّهم له تعظيمًا وإجلالًا، ومن عرَف أسماءَ الله وصفاتِه عَلِمَ يقينًا أنَّ المكروهاتِ التي تصيبُه والمحنَ التي تنـزل به فيها مِن ضروبِ المصالح التي لا يحصِيها علمُ العباد .

والله يحِبُّ موجِبَ أسمائه وصفاتِه، إلا ما اختص بها من الصفات التي تكون في حق الخالق كمال وفي حق المخلوق نقص، فهو كريمٌ يحبّ الكريم من عبادِه، حليم يحبّ أهلَ الحِلم، عليمٌ يحبّ العلَماء، شكور يحبّ الشاكرين.

إخوة الإيمان، بأسماء الله تعالى الحسنَى يُدعى، وبها وبصفاتِهِ العُلى يثنَى، والله يحبّ مَن يدعوه ويحمده، وأكمَلُ النّاس عبوديّةً المتعبِّد بجميع الأسماء والصفاتِ. وأسماؤُه تعالى لا حصرَ لها، منها تسعةٌ وتسعون اسمًا من أحصاها بالعلم بما مما ثبت في الكتاب والسنة؛ وبمعانيها؛ والعمَلِ بمقتضاها؛ دخلَ الجنّة كما.

{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180].

اللّهمّ إنا نسألك بكل اسم هو لك ......

  • 20
  • 11
  • 18,901
المقال السابق
[12] أسماء الله الحسنى 1-2
المقال التالي
[14] أصحاب الأخدود

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً