ملاحظة وسؤالات في الاحتفاء بالسنة الميلادية
وسواء كان أصل الاحتفال في ذلك التأريخ وثني أم ابتداع نصراني فهو أصل ديني باطل في ديننا، والسؤالات هنا! على أي شيء يحتفل المسلم وبماذا يهنئ المحتفلين؟!
الحمد لله وبعد، فالحديث عن الاحتفال بنهاية سنة ميلادية، أو بداية سنة جديدة، حديث ذو شجون، إذ المناسبة كلها بنيت على ظنون، فموعد ميلاد المسيح عليه السلام غير متعين، يعسر إثبات فصله دع شهره ويومه! والخلاف فيه بين النصارى أنفسهم مشهور، ينقلون عن كلمنت الإسكندري (ت: 211-215م)، خلاف مؤرخيهم فيه: فمن قائل باليوم التاسع عشر من إبريل، وآخر بالعاشر من مايو، وثالث في الاعتدال الربيعي، واقترح كلمنت تحديده بالسابع عشر من نوفمبر من العام الثالث قبل الميلاد وفقًا للتقويم الحالي!
وقد جاء في بعض أناجيلهم المعتمدة ما يفيد ولادته عليه الصلاة والسلام في موسم رعي حيث يكثر الكلأ، لا أيام شتاء وبرد يُصوِّحُ فيها النبات وتقشعر البلاد، وفي القرآن إشارة إلى ذلك تنازع في دلالتها علماء المسلمين وذلك في قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم:25]، فمن قائل بأن ذلك جرى خرقًا للعادة، ومن قائل بأن ظاهره يدل على ولادته عليه السلام في الصيف، وأيما كان وقت مولده عليه السلام، فلم يشرع المسيح للنصارى أن يؤرخوا بوقت مولده، ولا هم يدَّعون ذلك، ولا أمرهم بالاحتفال به، ولاهم يأثرون عنه كلمة في ذلك! بل التقويم كله أمر أحدثوه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام بقرون كثيرة!
غير أن في إحداث النصارى للتقويم الميلادي أمرًا لا تشاركهم فيه كافة التقاويم التي أرخ بها دينيون أو لا دينيون عبر التاريخ! فالتقويم الميلادي هو التقويم الوحيد الذي بني على ميلاد نبي كريم هو المسيح عليه السلام، بل هو التقويم الوحيد الذي بني على ميلاد عظيم! ولأجل التنويه بهذه المناسبة وجعل الاحتفاء بها مفتتح العام تيمنًا وُضع وأُرخ به، وإن كان واضعه قد أخطأ التأريخ عند كثير من النصارى وغيرهم، وقد كانت بدعة الاحتفال بذلك التأريخ محدثة من قبل النصارى بعد قرون من رفعه عليه الصلاة والسلام، وقبل وضع التقويم الميلادي، فكان الاحتفال سابقًا التقويم وكلاهما محدث بعد عيسى عليه السلام بقرون! ولم يخل إحداث الاحتفال نفسه من جدل بين النصارى حول مشاركة مشركي اليونان في احتفالهم بآلهة الشمس، فقد وافقوهم في اليوم لكنهم اخترعوا له تقويمًا جديدًا.
وسواء كان أصل الاحتفال في ذلك التأريخ وثني أم ابتداع نصراني فهو أصل ديني باطل في ديننا، والسؤالات هنا! على أي شيء يحتفل المسلم وبماذا يهنئ المحتفلين؟! إن قيل بمولد نبي من أنبياء الله عظيم، فيقال: لو فُرض أن مولده عليه السلام كان في ذلك الوقت فمن الذي شرع الاحتفال به؟ أهو شيء جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أو أحد من الخلفاء الراشدين؟ أو حتى عيسى عليه السلام؟ أو هو سنّة المحرفين المبتدعين من الضالين!
ولماذا لا يحتفل المسلمون بميلاد موسى عليه السلام وهو أجل وأولى إن كان ذلك خيرًا، ولا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم وهو أولى وأولى! وماذا لو دعا داع لإحداث عيد يهنئ المسلمون فيه اليهود بميلاد موسى صلى الله عليه وسلم! ويحتفلون به معهم!
ثم ما مزية الاحتفال أو التهنئة بمولده في ذلك اليوم كل عام! لماذا لا تهنئني بمولودي مثلًا كل عام؟ تصور لو اتصل عليك أحدهم بعد عشر سنين فقال: مبارك ما جاك! ما الفرق بينها وبين مبارك ميلاد المسيح! وأيضًا هل يسوغ أن تهنئني بمولود لي بعد وفاته ولو بسنة! وتحتفل أيضًا بولادته!
أما إذا قيل إنما هي تهنئة بمرور عام، فذلك أمر اصطلاحي مجرد اتفاق بين قوم على جعل الوقت الفلاني هو بداية العام، وإلاّ فكثير من الناس ولد آخر السنة الميلادية فما مرت على مولده إلاّ أيام! فكيف تنهئه بمرور عام جديد! ثم ماذا يعني أن تهنئني أو تحتفل كل سنة بدنو أجلي!
ولماذا يهنأ النصارى الذين نعلم أنهم خالفوا المسيح ولم يتبعوا بشارته!
أليس الأولى -إن كانت التهنئة تُشرع أو تُحمد- تهنئة المسلمين به فهم أولى بعيسى صلى الله عليه وسلم من أهل الصليب والتثليث!
والأهم من ذلك كله بماذا يحتفل النصارى الذين وضعوا ذلك التقويم لتلك المناسبة؟ فمن الحمق أن تهنئ قومًا على غير ما به يحتفلون!
والنصارى إنما وضعوا ذلك التأريخ ليحتفلوا بميلاد ابن الله –تعالى الله عن قولهم! وخروجه للبشرية مخلصًا.
فليبصر المحتفل معهم بماذا يحتفل! وليبصر المهنئ لهم بماذا يهنئ! ولا يقولنَّ قائل: أنا أغرد خارج السرب! وأسبح عكس التيار! إنما أحتفل وأهنئ بشيء آخر لا يعتقدونه ولا يحتفلون لأجله! فهذا كقائلٍ: أرقص معهم ترويحًا عن نفسي! وإن كانوا إنما يحتفلون طربًا بموت أبي!
- التصنيف:
- المصدر: