مصيبة سيول جدة {لَمَّا طَغَى الْمَاءُ}

منذ 2009-12-06

قال تعالى في سورة البقرة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}



الحمد لله العليم الحكيم، وصلى الله على نبيه الصابر الرحيم، وبعد:

فإن من ابتلاء الله تعالى لخلقه ما حدث من سيول عارمة في مدينة جدة نتج عنها غرقٌ وهلع، ونقص في الأموال والأنفس والثمرات.

سبحان الله الواحد القهار، القوي العزيز الملك الجبار... أتى أمره فداهم السيل الناس، وفي سويعات تحول جنوب شرقي المدينة التي تشكو شح الأمطار وقلة المياه إلى طوفان جارف، إلى سيل جرار يكتسح ما أمامه ويبتلع في جوفه ما يأتي عليه، حتى أضحى كارثة مؤلمة، ومأساة حقيقية، ستبقى ماثلة في ذاكرة كثير من الناس.

إنها فاجعة أربعاء جدة... التي أصابت أكثر من ثلث المدينة، وأنتجت أضرارا بالمليارات، ولا تزال المخاوف مما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من أمر السيول وفيضان مياه الصرف تقلق النفوس وتقض المضاجع، نسأل الله السلامة واللطف والعافية.


إن مثل هذه الآيات الكونية العظيمة لابد أن يكون للمؤمن معها وقفات وتفكر واعتبار وهذا من سمات أولي الألباب والمتقين الأخيار.

والمؤمن البصير يقف عند مواقع العبر، وأحكام القدر، ينظر ويتدبر.

كل شيء بقدر الله.

فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وليس ثمة شيءٌ يحول دون نفوذ قدر الله في خلقه سبحانه وتعالى، وبذا يطمئن قلب المؤمن الموحِّد؛ لأن أمر الله سبق، ومشيئته نفذت.

قال الله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [سورة التوبة: 51].

وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [سورة الحديد: 22].


لله الحكمة البالغة:


فتقديره سبحانه مبني على حكمته، وعدله، ذلك تقدير العزيز العليم، ولا يخرج شيء في الكون عن مقتضى هذه الحكمة، {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} ]سورة الأنعام: 42].


كل شيء مسخر بأمره:


فإذا قال لها أمطري أمطرت وإذا أمر الماء اجتمع وسال فالتقى الماء على أمر قد قدر، والضر والنفع بيده سبحانه، وما يجري من سيول وزلازل وبراكين وسائر جنوده إنما هو بأمره وقدره لحكمة يريدها.

والناس ينظرون إلى الظاهر فيصابون بالدهشة وهم يرون السيل العرمرم بدواماته الرهيبة فربما غاب عنهم ما وراء ذلك من الحكم وقديما قال أهل البادية: "نعوذ بالله من شر الأعميين والأيهمين" أي: السيل والبعير الهائج.

ووصفا بالعمى لأنهما لا يتقيان موضعاً ولا يتجنبان شيئاً، كالأعمى الذي لا يدري أين يسير.

وسميا أيْهَمَين لعدم القدرة على دفعهما فلا هما ممن ينطق فيُكَلَّمُ ولا ممن يعقل فيُسْتَعْتَبُ.

السيل يقطع ما يلقاه من شجر *** بين الجبال ومنه الأرض تنفطر
حتى يوافي عباب البحر تنظره *** قد اضمحل فلا يبقى له أثر


وكان هذا مشاهدا في سيول جدة.. مياه تتدفق من كل مكان، لا حواجز توقفها، ولا جدران تصدها، تدمر كل شيء أتت عليه من أخضر ويابس، وصغير وكبير، ورجل وامرأة... فابتلع السيل سيارات بركابها وبيوتا بسكانها.. حتى صارت الجثث تطفو فوق سطح الماء قال أحد من شهود العيان: "قمت بِعدِّ الجثث التي تطفو على الماء من حولي ويجرفها السيل، فبلغت (38) جثة رأيتها بعيني"!!!.


وخُلق الإنسان ضعيفاً:


ما حدث يدل دلالة قاطعة على ضعف الإنسان، وافتقاره الذاتي إلى ربه، وأنه لا حول له ولا قوة إلا به، ومن رأى ضعف الناس أثناء الكارثة وبعدها أمام هذا السيل الداهم ومخلفاته علم قبح الكبر والغرور؛ فلا بد أن يعرف الإنسان قدر نفسه وقوة ربه سبحانه وتعالى فيفتقر إليه في أحواله كلها، وينطرح بين يديه طالبا المعونة والتسديد والتوفيق، ولا يستكبر عن عبادته ولا يتولى عن العمل بأمره {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة المجادلة: 21]، {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} [سورة النساء: 28].


ما تدري نفس بأي أرض تموت:

أناس قدموا إلى جدة من مدن ودول أخرى قبل الكارثة بيوم أو يومين ليكون موعدهم مع السيل، ومدفنهم في أرضه ووحله {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة لقمان: 34].

وآخرون خرجوا من بيوتهم بأسباب متعددة فأنجاهم الله ومنهم الذين ذهبوا إلى حج بيته فأنقذهم تعالى من السيل..


المصاب عظيم:


فعائلات فقدت بكاملها رجالا ونساء وأطفالاً... وجثث ملقاة على الأرصفة وعالقة بالأعمدة والأشجار وأخرى تستخرج من الحفر والمستنقعات ومن تحت الركام وحطام السيارات، وميتان: طفل في حضن أبيه. ورجل يسير مع أربع نسوة، فيأتي السيل فيخطف إحداهن أمام بصره، فيمسك بالثلاث وهو يراها تغرق أمام عينه لا يقدر على شيء، ثم يخطف السيل الثانية ومن بعدها الثالثة والرابعة وهو ينظر حتى اجتاحه السيل هو أيضاً!!!

وآخر وجد أمه على مسافة بعيدة بعد أن حبسها عمود.

وهذا زوج مكلوم ظل يبحث طوال الأيام الماضية عن زوجته المفقودة في السيل، ولم يترك مكاناً إلا أتاه مستمسكاً بالأمل ولو أن يجد جثة زوجته...، وعلى بعد 12 كيلو مترا من مقر منزله عثرت فرق الإنقاذ على جثة زوجته، ولما حملت الجموع الجثة، علا صوت الزوج بالبكاء في مشهد أبكى معه العشرات، وامرأة تقول: "رأيت جارتي وأطفالها الخمسة يموتون أمام عيني". ورب أسرة يقول: "أنا وأولادي من اليوم الثامن حتى ثاني يوم العيد لا مأوى لنا إلا سيارتنا التي نتحرك بها".

والكثير من الناس ذهبت أصول مكاسبهم أو تضررت تضرراً بالغاً (من ورشة، ومصنع، ومخزن ومحل...).

لا ماء.. ولا كهرباء.. انهيار وبكاء.. وبيوت تصدعت على وشك الانهيار، وأرامل وأطفال يقيمون في العراء، والقمامة أرتال كالجبال، ومستنقعات في وسط الأحياء، تحوم حولها الحشرات... ومساجد كاملة مقفلة: لا سجاد، لا مصاحف، لا كهرباء، و80 %من سكان المناطق المنكوبة غير موجودين الآن في بيوتهم... واستخراج الجثث لازال قائما حتى الساعة

لِكُلِّ شَيءٍ إذا ما تمَّ نُقصَانُ *** فلا يغرُّ بطِيب العَيشِ إنسانُ
فجائع الدنيا أنواعٌ منوعـةٌ *** وللزمـان مسراتٌ وأحـزانُ
وَهَذِهِ الدَّارُ لا تبقِي على أحدٍ *** ولا يدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شانُ



الإيمان بالقدر شفاء لما في الصدور:


وقد بين تعالى الحكمة من كتابة الأقدار فقال: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [سورة الحديد: 23]، فلا عجب أن تجد بعض المصابين ممن ربط الله على قلوبهم كانت نفوسهم طيبة في تلقي البلاء وبعضهم يواسي بعضا.


الماء بعضه رحمة وبعضه عذاب:


فيغيث الله به البلاد والعباد ويحيي به الأرض بعد موتها ويثبت به المؤمنين في أرض المعركة كما قال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [سورة الأنفال: 11].

ويبعثه على قوم آخرين ليكون عذاباً: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً} [سورة الفرقان: 37]. وقال: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [سورة الحاقة: 11]. وقال: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [سورة القمر: 11-12].

وقص علينا نبأ فرعون وقومه: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} [سورة الأنفال: 54].


الموت يأتي بغتةً:


في غمرة التجهز للعيد وفرحته، وبينما الناس منهمكون بالاستعدادات والأضاحي والملابس، يدهمهم فجأة ومن غير سابق إنذار سيل يحصد الأرواح، وفي هذا تذكير عظيم بيوم القيامة {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} [سورة الأنبياء: 40].

ما أصعب لحظات الوداع خصوصا حين يرى المرء الموت وهو يحاصره: فهذا شاب منطلق بسيارته وفجأةً دهمته السيول، فأيقن أنه غارق لا محالة، فصعد على سطح سيارته واتصل بأهله وأقربائه وأصدقائه وودعهم ثم جعل يتصل بأصحابه ومعارفه ليطلب منهم السماح، حتى انقطع الاتصال، ليعتلي صوت أهله بالبكاء.

أسر وعوائل ذهبت بأكملها وأخرى ذهب بعضها أو لم يبق منها إلا واحد أو طفل صغير علق بشجرة.


لكل أجلٍ كتاب:


رجل ودع زوجته وأطفاله وذهب إلى عمله... ليعود بعد ساعتين فيجد كل شيء أثراً بعد عين، فأصبح وحيدا بلا زوجة ولا أطفال.. ففي لحظات قليلة جرفتهم السيول الداهمة.


لا يغني حذر من قدر:


فالموت مدرك جميع البشر لا محالة ، ومهما هرب منه الإنسان فلا بد أن يأتيه ، وقد رأينا أناسا امتنعوا عن الذهاب للحج خوفاً من الأنفلونزا ، فإذا بالموت يأتيهم في بيوتهم {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة الجمعة: 8].

وآخرون توكلوا على الله وذهبوا للحج، فكان سببا في سلامتهم.

وبنت أصرت قبلها بليلة على البقاء عند عمها في زيارة عائلية لتبقى نظرات الحزن ساهمة وهي تفكر في أسرتها التي ماتت كلها.

وهنا تذهب بعض أذهان الناس مذاهب عجيبة غريبة في طرائق التفكير واتخاذ القرار، فهذا رب أسرة ربط أفراد أسرته بحبل واحد معا وقال: "إما أن ننجو جميعا أو نهلك جميعا"!!


الشهادة فضل من الله يؤتيه من يشاء:


فالشهادة من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء يختارهم الله من بين عباده، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها.

وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ» ، وفي لفظ: «وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ» [رواه مسلم (2829)].


إذا وقع القدر عمي البصر:


فمع أن لهذه الكوارث الكونية أسباباً طبيعية، وأحيانا يكون بمقدور البشر التنبؤ بها قبل وقوعها عن طريق الحسابات الدقيقة... إلا أن هذه الكارثة أثبتت قصور البشر سواء في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات أو في التصدي لها ومحاولات النجاة.


إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ:


بهذه الكلمات يقابل المؤمن المصائب والكوارث والسيول, فإنها من أبلغ العلاج وأنفعه للعبد في عاجله وآجله, وذلك لتحقق الإنسان من أن نفسه وأهله وماله وولده ملك لله عز وجل، وقد جعلها الله عنده عارية, فإذا أخذها منه فلا اعتراض كما أن المعير لا يلام إذا أخذ عاريّته من المستعير.

وليعلم العبد أن مصيره ومرجعه إلى الله مولاه الحق, ولابد أن يُخلِّف الدنيا وراء ظهره, ويأتي ربه يوم القيامة فردا, بلا مال ولا أهل ولا عشيرة.


ثواب الله خير لك منهم, ورحمة الله خير لهم منك:


قال شبيب بن شيبة رحمه الله للخليفة العباسي المهدي يوم وفاة ابنته ياقوتة، قال له: "يا أمير المؤمنين أعطاك الله على ما رُزئت أجراً، وأعقبك خيراً، ولا أجهد بلاءك بنقمة، ولا نزع منك نعمة, ثواب الله خير لك منها, ورحمة الله خير لها منك, أسأل الله ألا يحزنك ولا يفتنك"، فخف عن الخليفة مصابه.


لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ:


المصيبة تزيد في إيمان المؤمن ويقينه بأن الأمور بيد الله وحده لا شريك له, وأن الناجي منها إنما أنجاه الله تعالى بفضله ورحمته.


تذكر الآخرة: نفسي نفسي


مئات السيارات يجرفها السيل تتقلب فيه كقطع الفلين وركابها يرفعون أيديهم ويصيحون طالبين الغوث والنجدة ولكن كل شخص مشغول بنفسه.


لمن الملك اليوم:


قل الله مالك الملك: خرج بعض الناس من السيل لا يملكون شيئا لا بيت ولا سيارة ولا أثاث ولا ملابس ولا بطاقة صراف ولا حتى إثباتات شخصية، وبهذا يتذكر الإنسان كيف يأتي ربه يوم القيامة لا يملك شيئا: حفاة عراة بهما ليس معهم شيء...


إحياء عبودية الخوف من آيات الله:


وقد كان هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا من الآيات الكونية، قال أنس: «كَانَتْ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [رواه البخاري (1034)].

فيقع منه هذا الخوف بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وهو من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكيف بحالنا نحن المذنبين المقصرين!!

وقال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [سورة الإسراء: 59]، ولا شك أن هذا السيل من آيات الله التي يخوف بها عباده.


التأمل في كثرة نعم الله علينا:


من الدروس المستفادة لمن رزقه الله تأملا وفهما إذا نظر إلى ما أصاب الناس أن ينطق بقلبه قبل لسانه : الحمد لله الذي عافاني ويستحضر تفضيل الله له.

فإذا نظر فيمن ذهبت أسرته استحضر نعمة الله عليه بحفظ أهله له.

وإذا شاهد صور تلف الأموال والممتلكات انتقل من هذه الصورة إلى معاينة نعمة الله عليه بحفظها له.

وإذا نظر إلى مصائب الآخرين الكثيرة هانت عليه مصائبه الصغيرة، فامتلأ قلبه بحمد الله، ولهج لسانه بشكره سبحانه، واستحيت جوارحه من أن تعصي هذا المنعم الكريم، أو أن تقصر في شيء من حقوقه سبحانه.


المؤمن يتألم لألم إخوانه:


ينبغي لمن نظر في هذه المشاهد على أرض الواقع أو في الصور ومقاطع الفيديو أن يتحرك قلبه تجاه المصابين والمنكوبين، وتدمع عينه، ويلهج لسانه بالدعاء بالرحمة لمن مات، والتثبيت والعوض لمن ابتلي، ويسعى لإعانة من يحتاج إلى العون، ويسأل الله تعالى له ولإخوانه السلامة والعافية.


ابتلاءٌ للمؤمن وعقوبة للعاصي وتخويف للناس وتمحيص للناظرين والمتكلمين:


إن الابتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون دارًا للامتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].

فما حدث ابتلاء ابتلى الله به عباده المؤمنين ليرفع درجاتهم ويقوي إيمانهم {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: 155].

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [سورة البقرة: 214].

وفيما حدث تذكير لأهل المعاصي والذنوب بالتوبة والإنابة إلى الله {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [سورة الشورى: 30].


قال بعض السلف:
"لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة".

فالواجب في مثل هذه الحال التوبة وكثرة الاستغفار وأخذ العظة والعبرة.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وإن من علامات قسوة القلوب وطمسها والعياذ بالله، أن يسمع الناس قوارع الأحداث، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال الله لهم، عاكفين على اتباع شهواتهم، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد" (فتاوى ابن باز، 9/160) .

فالواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا العظة والعبرة مما حصل، وأن يتوبوا إلى الله وينيبوا إليه ويحذروا من أسباب غضبه ونقمته، والله جل وعلا يقول: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [سورة الأنعام: 65].

فالمصائب منها تكفير، ومنها تذكير، ومنها عقوبة.

وقد تجتمع هذه الثلاث في مصيبة واحدة فتكون لبعض الناس تكفيرا لذنوبهم ورفعة لدرجاتهم وتكون لآخرين غافلين تنبيها وتذكيرا، ولنوع ثالث عقوبة على معصية مستعلنة أو خفية وقعوا فيها وتكون تمحيصا وكشفا لحال من يتكلم في هذه الأحداث.


سؤال الله حسن الخاتمة:


فقد نقلت الأخبار قصصا لأناس قبض الله أرواحهم في مساجد أو بعد خروجهم منها وقد جاء السيل وقت صلاة الظهر وبعضهم صائمون لله تعالى، يتقربون إليه في أيام العشر الفاضلة، فجمع الله لهم من المبشرات: الغرق الذي هو شهادة، والموت على عبادة، وبعد أداء فريضة، فما أعظم ما حصّلوه، اللهم فارزقنا حسن الخاتمة.


الناس معادن:


إن من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام قوله: «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ...» [رواه البخاري (3494) ومسلم (2638) واللفظ له].

فالمعادن تشتمل على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس، وكذلك الناس مختلفون في الشرف وكرم النفس والسلوك.

فمن الناس من معدنه نفيس كالذهب، ومن الناس من معدنه خسيس كالحديد.

وقد كشفت هذه المحنة حقائقَ كثيرٍ من الناس ومعادنِهم وأخلاقهم؛ فمن الناس من لا يُعرف معدنه إلا في المِحَن.

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم" (شعب الإيمان، 7 /219) .

فظهر المؤمنون الذين يهبون لنجدة إخوانهم ومساعدتهم متمثلين قوله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»..


وقد سمعنا وقرأنا الكثير من قصص الشجاعة والبطولة والتضحية.

فهذا شاب لا يعرف السباحة ولكنه أمام مشهد غرق رجل وزوجته وطفله لم يتوان عن نجدتهم، فقفز إلى الوادي وأنقذ الطفل ثم المرأة والرجل.. فقَبَّلَ الغريقُ قدمَه قائلاً: "أنا مدين لك طوال العمر".

وشكّل بعض الشباب والرجال فرقاً لإنقاذ العالقين داخل سيارتهم وسط السيول خصوصا الأطفال والنساء. وظهرت آثار الشباب الصالحين وشهامة أهل النجدات بجلاء.

قال أحدهم: "تلقيت اتصالا أن والدي وبعض المسنين وعددهم (40) شخصا يصلون في المسجد وغمرته المياه، فتوجهنا سباحة إلى المسجد ومعنا حوالي (10) من شباب الحي منهم إمام المسجد وأنقذنا المسنين المحتجزين في المسجد".

واستجمع عشرات المتطوعين كل قواهم، ليلا ونهارا، للإسهام في واجب البحث عن المفقودين بلا كلل أو تعب وسط الحطام والمياه الراكدة.

وهب الكرماء وأصحاب العطاء لاستقبال إخوانهم المنكوبين ففتحوا بيوتهم وبسطوا موائدهم وقدموا معوناتهم.

وأما المنافقون فقاموا ينسبون الحدث إلى الطبيعة ولا يذكرون الله إلا قليلا وينكرون القاعدة الشرعية {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [سورة النساء: 79]، ويلمزون أهل الإيمان.


الاستغلال البشع:


وفي مقابل أهل النجدة والشهامة ظهر أصحاب النفوس المريضة والجشعة الذين استغلوا الحدث ورأوه فرصة للكسب السريع، ومن صور ذلك:

- الاستيلاء على الممتلكات، وسرقة ونهب ما تمكنوا من نهبه داخل المركبات المجروفة مستغلين انشغال أصحاب تلك الممتلكات بأنفسهم وغيابهم عنها، بل بلغت البشاعة أن تسرق أموال الموتى داخل سياراتهم وسرقة بيوت المصابين والجرحى وهم لا يستطيعون دفع هؤلاء المعتدين، ثم تباع هذه المسروقات بثمن بخس.

- رفع أسعار السلع والخدمات: مغاسل السيارات.. سيارات شفط المياه.. الرافعات وسيارات السحب.. الشقق المفروشة!!، وبعض شركات النظافة رفعت أسعارها أضعافا.

ذكرت إحدى الناجيات أنها استنجدت هي وأهلها بصاحب سيارة كبيرة فاشترط عليهم دفع مبلغ 500 ريال مقابل إنقاذهم إلى موقع آخر لا تتعدى مسافته عشرات الأمتار!!!

- وبعض الناس مشغول بتصوير المنكوبين بكاميرا جواله وهم يستغيثون، ومن المتفرجين من ترك الإنقاذ وهو يقدر عليه وأما من لا يقدر فغفر الله له.

كانت طفلة تبكي بأعلى صوتها، وتنادي أمها وأباها، وأمواج السيل تلاطمها يمنة ويسرة، وفي كل مرة تحاول الإمساك بجثة تمر بجانبها لعلها تتشبث بأمل ينقذ حياتها.. والناس ينظرون إليها لا يحركون ساكنا!!، ولا زال صراخها في آذانهم إلى أن اختفى صوتها فجأة، يا رب أم وطفل حيل بينهما ... كما تفرق أرواح وأبدان.


بين قدر الله والإهمال البشري:


لاشك أن الكارثة الكبرى التي حصلت إنما هي بقضاء الله وقدره، ولكن هذا لا ينفي أن إهمال بعض البشر وتفريطهم وجشعهم وإساءتهم سبب من أسباب الكارثة يلام فيه من أساء ويعاقب فيه من ظلم ، ومن ذلك ترخيص المخططات السكنية في مجاري السيول والسكن في بطون الأودية واستخراج أذونات لبيع الأراضي في تلك المناطق بالرشوة والواسطة وسوء التخطيط والتأخر في إنجاز مشاريع تصريف المياه، والغش في بناء المساكن وعدم تأمينها بما يحصنها من السيول ونحو ذلك .

فالتسليم لقضاء الله لا ينافي معاقبة المسيئين والمتسببين في هذه الكارثة.


ينزل الله المعونة على قدر المؤونة:


أحدهم لما حاصر السيل منزله شمر ثوبه فكان يدخل إلى بيته ويحمل اثنين من أولاده على ظهره ويصعد بهم السطح ثم ينزل ليحمل آخرين حتى صعد بهم سطح منزله.

ويقول: كان بداخلي رجل قوي لم أكن اعرف من هو، ولم يظهر إلا بعد أن لامست خط الخوف من فقد أولادي وزوجتي المسكينة.

وفي الحديث: «إنَّ الْمَعُونَةَ تَأْتِي مِنْ اللَّهِ لِلْعَبدِ عَلَى قَدْرِ الْمَؤونَةِ، وَإِنَّ الصَّبْرَ يَأْتِي مِنْ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ الْبَلَاءِ» [رواه البيهقي في شعب الإيمان (7 / 191) وحسنه الألباني في الصحيحة (4/225)].


تمحيص وتذكير:


في المحن والكوارث تمحيص للقلوب وتنبيهٌ لها من غفلتها؛ فلولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا؛ فمن رحمة أرحم الراحمين أن يبتليه بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظا لصحة عبوديته، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه.

وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله، خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله".

وقال الحسن البصري رحمه الله: "لا تكرهوا البلايا الواقعة، والنقمات الحادثة، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك". أي: هلاكك.

وقال الفضل بن سهل: "إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها، فهي تمحيص للذنوب، وتعرّض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة، وتذكير بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة، وحضّ على الصدقة".

التوبة والاستغفار والبعد عن المعاصي، فقد تجر المعصية من الشخص الواحد مصائب عامة لا تختص به وحده.

الحرص على عدم إيذاء المصابين: فلا يتسبب الإنسان بجمع مصيبتين على هؤلاء، كمن يلوم المصابين ويوبخهم بأنهم أخطأوا فسكنوا في هذا المكان، أو يجزم بأن هذه المصيبة أصابتهم بسبب ذنوبهم وقد يكون فيهم من الصالحين وغير المكلفين. إن نفوس الناس تحتاج إلى مراعاة، وليت شعري ما ذا يجول في نفوس أولئك الأقارب الذين يجتمعون يوميا عند الحفر الكبيرة والمستنقعات العميقة يرقبون جثة تخرج لعزيز يبحثون عنه.


تخيل نفسك داخل الحدث:


العاقل من يأخذ العظة والعبرة مما يقع على غيره فينظر في المصائب ويتخيل نفسه فيها فيحمد ربه على السلامة ويحصل له ما يعينه على حسن الاستعداد والتهيؤ النفسي والمادي، فإذا وقعت عليه مصيبة مشابهة أمكنه الاستفادة مما تهيأ وكان له خبرة في التعامل معها.


ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا:


ولا شك أن أجر إنقاذ المسلم من الغرق عظيم، فهو إحياء للنفس البشرية من الهلاك كما قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [سورة المائدة: 32].

{وَمَنْ أَحْيَاهَا} أي اهتم باستنقاذها والذب عنها من الهلاك فكأنما أحيى الناس جميعا.


إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ:


رجل من باكستان يبلغ من العمر 27 عاما أنقذ 14 نفسا واحدا تلو الآخر حتى أصيب بعمود في ساقه، فأدركه الغرق جراء هذه الإصابة.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ» .

قِيلَ: "وَمَا عَسَلُهُ؟".

قَالَ: «يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ» [أحمد (17330) صححه الألباني].

فشبه ما رزقه الله من العمل الصالح قبل الموت بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء.

وبعض العمال الذين كانوا مصدرا للسخرية والاحتقار والتندر عند بعض الناس -هداهم الله- كانوا سببا في إنقاذ عدد من النفوس، لاسيما بعض العمال الذين تكثر في بلادهم السيول والفيضانات


الكارثة تكشف:


- الكارثة كشفت قلة أمانة بعض المقاولين، وضعف خبرة بعض المهندسين.

- والرخص المزيفة لسلامة المباني وسلامة تجهيزاتها المستخرجة بالمعارف والواسطة السيئة....

- وعورات الأنظمة البشرية، وضعف الإمكانات المادية وأن قوة البشر مهما بلغت فلا تقف أمام قوة الله


تقديم ما يمكن من صور المواساة والتعزية والتصبير:


وهذا أمر متيسر عبر وسائل الاتصال والتقنية الحديثة من هواتف وشبكة معلوماتية، ومن هذه الإعانات عن بعد:

- فتح منتديات مخصصة للمشاركة بالأفكار والمقترحات والتجارب لتجاوز هذه الأزمة.

- مشاركة أصحاب الخبرة لاسيما أصحاب التخصصات العلمية ذات الصلة فيما هو موجود من منتديات أو مجموعات على المواقع الشعبية كالفيس بوك وغيره.

- نقل بعض التجارب الناجحة في كيفية التعامل مع أخطار السيول، وترجمة بعض ما هو موجود بلغات أجنبية من هذه التوجيهات.

- إعداد برامج تأهيل نفسية للمصابين تجمع بين التوجيهات الشرعية والتجارب الإنسانية في هذا المجال، وابتكار أفكار للمواساة، وتتميم بعض الأفكار وتسديدها.


وعلى طلبة العلم مساهمات وأدوار،


فمن ذلك :

- جمع أدلة الوحي التي فيها التثبيت والعزاء لأهل المصائب ونشرها بينهم عبر الشبكة المعلوماتية.

- تحرير بعض المقالات والرسائل البليغة التي يكون فيها تخفيف من المصيبة.

- نشر الأحكام الشرعية المتعلقة بالكوارث كأحكام اللقطة والضمان والعقود بين المحتاجين لمعرفتها.

- جمع الاستفتاءات عن نوازل الكوارث المعاصرة وعرضها على المشايخ وطلبة العلم لبيان حكمها ثم السعي لنشرها.

- فتح مواضيع وتكوين ورش علمية في المنتديات الشرعية المتميزة من أجل طرح وتباحث المسائل الفقهية المتعلقة بالكوارث.

- استثمار الأزمة بتذكير الناس بالله وتوجيههم للاستغفار والدعاء والتضرع، والبعد عما يسخط الله.


- بحث ما يتعلق بالكارثة من المسائل:


أحكام شرعية متعلقة بالكارثة:

1- إنقاذ الغريق من الواجبات: فإغاثة الغريق والعمل على إنجائه من الغرق واجب على كل مسلم متى استطاع ذلك، بل يجب قطع الصلاة ولو كانت فريضة لإغاثة الغريق إذا قدر على ذلك.

2- تسقط في مثل هذه الكوارث عدد من المحرمات، كلمس المرأة الأجنبية للضرورة وإنقاذ حياتها مع مراعاة الحرمات وستر العورات، في الأحياء والأموات من النساء وغيرهم.

3- الغريق يغسل إن أمكن تغسيله، ويكفن، ويصلى عليه، كأي ميت آخر.

4- المفقود: هو من انقطع خبره، ولم تُعلم حياته من مماته، يُتربص به مدة بحيث يغلب على الظن رجوعه لو كان حياً ثم يحكم بموته بعد انتهائها إذا لم يظهر له أثر، وإذا تمت مدة التربص تبتدئ الأحكام المترتبة على الوفاة من ابتداء عدة الوفاة وأحكام الميراث.

5- كل ما فقد من جراء هذه السيول من الممتلكات فإنه يجري عليه شرعا حكم اللقطة سواء كان من الممتلكات التي ضاعت عن أصحابها: جوالات، ساعات...أو أشياء تركوها عمدا لعدم قدرتهم على الجمع بين حملها والنجاة بأنفسهم، أو سيارات ومعدات ثقيلة جرفها السيل أو حيوانات وبهائم..


فهذه تأخذ حكم اللقطة، فالشيء اليسير الذي لا تتبعه همة أوساط الناس، كالقلم الرخيص، والمبلغ اليسير، فهذا يملكه من وجده ولا يحتاج إلى تعريف.

وما عدا ذلك من الأموال مما تتبعه همة أوساط الناس فيجب على من وجدها أن يحفظها ويقوم بتعريفها في الأسواق ومجامع الناس والجرائد سنة كاملة، فإن لم يأت صاحبها فهي ملك له بشرط أن يضمنها لصاحبها متى جاء.

ويمكن مع كثرة هذه المفقودات أن تنشأ عنها فكرة إنشاء مستودعات عامة تستقبل هذه المفقودات لتقوم بإعادتها إلى أصحابها وفق الرؤية الشرعية.


6- طين الشوارع إذا لم يظهر به أثر النجاسة فهو طاهر وإن تيقن أن النجاسة فيه فهذا يعفى عن يسيره.

7-الوحل مع وجود المشقة عذر يبيح الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

8- باقي مبلغ الأجرة السنوية المدفوعة مقدما للبيوت التي هدمها السيل، اتفق الفقهاء على أنه إن تلفت العين المستأجرة انفسخت الإجارة، وعلى المستأجر أجرة ما سبق من المدة فقط، ويعاد له ما زاد عن ذلك.

9- الكذب والخداع لأخذ التعويضات من أكل المال بالباطل، فمن لم يصبه ضرر من هذه الأمطار، فلا حق له في الإعانة، ودعواه الضرر مع عدم حصوله كذب محرم، وعلامة من علامات النفاق، وأكل للمال بالباطل.

10- يجوز تعجيل زكاة العام القادم وحسابها بالتقدير والاجتهاد من أجل حاجة الناس في هذه الكارثة.


من المهام والواجبات في كارثة السيول:


- الإعانة في البحث عن المفقودين.

- استخراج الجثث لتغسيلها وتكفينها والصلاة عليها ودفنها.

- إطعام المحتاجين.

- المواساة والتعزية والتصبير.

- حماية الممتلكات.

- نقل المصابين.


- كسوة المحتاجين

- تهنئة الناجين.

- تعريف الملتقطات وحفظها.

- معالجة القلق وتسكين الفزع.

- التوبة والاستغفار.

- الأذكار والأدعية المناسبة كدعاء المصيبة، ودعاء الاستصحاء وهو: "اللهم حوالينا ولا علينا".

- رعاية الأولاد الذين فقدوا أهاليهم.


- جمع الإثباتات والأوراق الرسمية وتسليمها للجهات المختصة.

- تقديم الأهم فالمهم عند الإنقاذ فلا ينقذ المال قبل العيال.

- من حقوق الجيران حفظ ممتلكات الناس بعضهم لبعض.

- اتخذ الاحتياطات من غير مبالغة.

- مراجعة الحسابات الشرعية والدنيوية.

- تعلم الإسعافات الأولية ومعرفة كيفية الحماية والإنقاذ.

- لجان من الأقارب لتفقد أحوال من أصابتهم الكارثة من الأسرة.

- لجان في الحي لتفقد أحوال الجيران وإحياء دور مراكز الأحياء.

- غرس معاني الإعانة في نفوس الشباب.

- الاستفادة من الحدث بالتخطيط المستقبلي والتنظيم وحسن الإدارة.


- تحديد ما هي الاحتياجات، مع تسليمها للجهات التي تحسن توزيعها: بطانيات، أطعمة، ملابس، لحف، سجاد، ثلاجات، مخدات، فرش، حليب أطفال، حفائظ أطفال، ثياب رجالية ونسائية، أدوية ...

- حصر الأوبئة التي يمكن أن تنتج وحسن الاستعداد لها: إذ إن ما خلفته مياه الأمطار من برك راكدة حول التجمعات السكانية بدون تصريف ستصبح موطناً خصباً لتكاثر البعوض، وانتشار الأوبئة والأمراض الوبائية، كالملاريا، والإسهالات، وحمى الضنك ، والعياذ بالله.


من أعمال المحسنين وهي كثيرة تدل على أن الأمة فيها خير كثير:


- تقديم شقق مفروشة مجانا..

- تقديم سيارات دفع رباعي للوصول إلى المناطق المنكوبة...

- ذبائح للإطعام ومطابخ لتقديم الوجبات..

- تجار قدموا أدوية وملابس مجانا.

- أحدهم يُسخِّر نفسه لجمع المصاحف والكتب الدينية من أنقاض المساجد والبيوت.


دور للمجتمع:


- على كل مسلم أن ينهض بواجبه الشرعي تجاه إخوانه المتضررين ولا سيما الميسورون وأصحاب التخصصات فهؤلاء عليهم أن يزكوا علمهم ويبذلوا النصيحة لإخوانهم.

فالخطباء والدعاة بتخفيف المصاب وإرشاد الناس إلى الأسباب الشرعية لتلك الكوارث وكيفية تجاوز الأزمة

والتجار بالتبرع بأموالهم.

وأصحاب المعدات بالمساعدة في انتشال السيارات ورفع الأنقاض وتنظيف الممرات..

والمهندسون والمقاولون ببذل النصح فيما يتعلق بالأبنية وصلاحيتها وموضع البناء..

والخبراء في تقييم الوضع، هل يحتمل الأمر رجوع الناس إلى بيوتهم أو أن الوضع ما يزال خطيرا..


- التفاعل الالكتروني.. من خلال التجمعات السلمية الواعية للتعاون مع الضحايا وحفظ حقوقهم ونقل أخبارهم والإعلان عن مفقوديهم.

اللهم اغفر لموتى المسلمين وتقبلهم شهداء عندك يارب العالمين، واجبر مصاب المكلومين واشف المرضى والمصابين وسكّن فزع الخائفين وعوّض من أصيب في ماله يا خير الرازقين.

إنك خير حافظا وأنت أرحم الراحمين.



المصدر: موقع إمام المسجد

محمد صالح المنجد

أحد طلبة العلم والدعاة المتميزين بالسعودية. وهو من تلاميذ العالم الإمام عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.

  • 14
  • 1
  • 30,220
  • fatma elzahraa

      منذ
    مقال متكامل ما شاء الله جزيتم خيرا
  • آسيا الجزائرية

      منذ
    السلام عليكم وعلى أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد، هذه مصيبة حلت بإخواننا بجدة ونقول "إنا لله وإنا إليه راجعون" قدر الله وما شاء فعل سبحانه، إن إبتلاء الله لعبده اختبار له وتكفير عن ذنوبه، والمؤمن مصاب. فنسأل الله تعالى الإيمان والتحلي بالصبر والثبات على هذا الدين. أمين يا رب العالمين.
  • nada

      منذ
    بارك الله لك وجزاك خيرا اخى الكاتب نسأل الله عز وجل الطف فيما قدر ونسأل كل مسلم قادر على مد يد العون الا يتباطئ فى مد يد العون لاخوانه المسلمين
  • nada

      منذ
    سبحان الله. ما أجمل وأكمل هذا المقال. عندما يحدث أي شيء نتوكل على الله ونتجه لنسمع كلام العلماء. جزا الله الشيخ المنجد عني وعن المسلمين خير الجزاء.
  • nada

      منذ
    على أهل جدة والمسلمين عموما ان يتعضوا من هذا الحدث ويراجعوا انفسهم فعله إنذار من الله

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً