أعمال القلوب - [31] التقوى - علامات وفوائد التقوى
الإنسان لابد أن يتعلم كيف يغالب هواه وابتداءً من معالجة الخواطر، أول ما تأتي الخاطرة بالمعصية أو بالشر يطردها، وهذا هو العلاج الناجح؛ أن الإنسان يدافع الهوى والخاطرة ويتغلّب عليها، ولا بأس أن يفطم نفسه عن المعاصي ولو كان ذلك شيئًا مكروهًا بالنسبة له، فالصبر على الحرام ليس سهلًا بل فيه ألم لكن يعقبه لذّة وراحة يوم الدنيا.
علامات التقوى
1- إذا تخلّص من آفات الغفلة والاستخفاف بالمنكر من الأقوال والأفعال، والضيق بالمنكر إذا حصل، والتأذي منه إذا وقع، والفزع إلى الله طالبًا الخلاص، هذا من صفات المتقين، إذا هو نفسه وقع في المعصية لا يمكن أن يستريح حتى يعود إلى الله طالبًا الصفح والمغفرة مما ألمّ به والدليل على ذلك قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]، فلا يمكن أن يجدوا أمنًا ولا طمأنينة إلا بالخروج من تلك الحال وذلك بالاستغفار والتوبة إلى الله.
2- التقي دائمًا يذكر ربه، لأن ذكر الله مطردة للشيطان والوسوسة، مطهرة لكل ما يدخل في الإنسان من رجس أو دنس من كلاب الشهوات أو الشبهات التي تغير على قلبه والله عز وجل قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم} [الأنفال: 2:4].
كيف تكون تقيّاً؟
1- أن تحب الله أكثر من أي شيء.
2- أن تستشعر مراقبة الله دائمًا.
3- أن تعلم عاقبة المعاصي.
4- أن تتعلم كيف تقاوم هواك وتتغلب عليه.
5- أن تدرك مكائد الشيطان و وساوسه.
وهذه الأشياء سهلة بالقول وصعبة في التطبيق، فبعض الناس يغفل وينسى مرافبة الله له، وينسى حديث: «
» [مسند أحمد: 9/16].إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل عليّ رقيـبُ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعـة *** ولا أنّ ما يخفى عليه يغيـبُ
وأما مسألة معرفة مافي الحرام من المفاسد والآلام فإن الإنسان يكفي أن يتأمل فيما حصل للكبار، وما حصل للأقوام السابقة، ما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ من دار النعيم واللذة والسرور إلى دار الآلام والأحزان؟؛ المعصية، فالحرام يترتب عليه مفاسد ومصائب.
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ باطنه وظاهره فجعله في أقبح صورة وبدّله بالقرب بعدًا وبالرحمة لعنة وبالجنّة نارًا تلظّى، فهان على الله غاية الهوان وصار فاسقًا مجرمًا قاد البشرية إلى كل فساد وشرّالمعصية.
ما الذي أغرق أهل الأرض جميعهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟، ما الذي سلّط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم صرعى على سطح الأرض؟، ما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم؟، ما الذي رفع قرية سدود، قرية قوم لوط، حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، وأتبعها بحجارة وجعل مكانها شيئًا منتنًا لا يكاد يوجد فيه حياة؟، وما الذي أرسل على قوم شعيب عذاب الظُّلّة، لما صار فوق رؤوسهم أمطرهم ناراً تلظّى؟، وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم تعرض عليها صباح مساء؟ فالأجساد للغرق والأرواح للحرق والموعد يوم القيامة! فتأمل مافي الذنوب من الآلام والمصائب؛ يقود إلى التقوى ولو كان فيها لذّة.
تفنى اللذاذة ممن نال لذتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتهــا *** لاخير في لذة من بعدها النار
وكذلك فالإنسان لابد أن يتعلم كيف يغالب هواه وابتداءً من معالجة الخواطر، أول ما تأتي الخاطرة بالمعصية أو بالشر يطردها، وهذا هو العلاج الناجح؛ أن الإنسان يدافع الهوى والخاطرة ويتغلّب عليها، ولا بأس أن يفطم نفسه عن المعاصي ولو كان ذلك شيئًا مكروهًا بالنسبة له، فالصبر على الحرام ليس سهلًا بل فيه ألم لكن يعقبه لذّة وراحة يوم الدنيا.
أنت في دار شتات فتأهّب لشتاتـك
***
واجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك
***
واجعل الفطر عند الله في يوم وفاتـك
ـــــــــــــــــــ
لا خير فيمن لا يراقب ربه عند الهوى ويخافه إيـمانًا
***
حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى يخشى إذا وافى المعاد هوانا
ـــــــــــــــــــ
ما إن دعاني الهوى لفاحشةٍ *** إلا نهاني الحياء والكرمُ
فلا على فاحش مددت يدي *** ولا مشت بي لريبة قدمٌ
ولاشك أن هذا كما تقدم فيه غصّة في البداية لكن أحسن من الشوك والغسلين والضريع يوم القيامة والإنسان أحيانًا يترك المعاصي شهامة ورجولة لو تأمل ما فيها من الخسّة.
وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
إذا كان هذا العربي قبل الإسلام يفاخر إنه يغض طرفه عز وجل عن جارته فبعد الإسلام كيف يجب أن نكون؟، إذا كان الفرد يمكن أن يترك بعض المعاصي خجلًا من الناس، فما باله إذا فكر من جهة الله؟ سيكون الترك أعظم!
ثم يجب على المرء أن يعرف مكائد إبليس لكي يتقيه وإبليس له عدة طرق في إغواء الناس فينبغي أن ينظر فيها، كيف يشغله مثلًا بالمفضول عن الفاضل وهذا أنزل المراتب وكيف يبدأ به من الشرك أولًا!
صفات المتقين
1- ذكر الله من صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب إيمانًا جازمًا {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ . هدىً للمتقين الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 2:3].
2- يعفون ويصفحون {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].
3- لا يقترفون الكبائر ولا يصرون على الصغائر، وإذا وقعوا في ذنب سارعوا إلى التوبة منه {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] سارعوا مباشرة إلى التوبة والإنابة إذا أصابتهم صغيرة.
4- يتحرون الصّدق في الأقوال والأعمال {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33]، الذي جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به قيل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، هذا بيان أن المتقي يصدق.
5- يعظمون شعائر الله {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، وما معنى تعظيم شعائر الله؟؛ أن المرء يعظم حرمات ربه فلا ينتهكها، ويعظّم أوامر الله فيأتي بها على وجهها، ويأتي بأنفس الأشياء، فلو طُلِب منه هدي في الحج أو أضحية استسمنه واستحسنه وأتى به على أحسن وأنفس وأغلى ما يجد، هذا من تعظيم شعائر الله. وكان إشعار الهدي وهو تعليمه بعلامة حتى لا يؤخذ أو إذا ضاع يُعرف هذا ما يفعله الحاج من السنة.
6- يتحرون العدل ويحكمون به {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] .الآية أساسًا في المشركين والمشركون يبُكرَهون ويبغضُون لأجل شرك والكفر ومع ذلك أمرنا أن نعدل فيهم. وعلي بن أبي طالب لما اختصم مع يهودي، حكم عليه القاضي لما لم يأتِ ببينة، وسُلّمت الدرع لليهودي، فاندهش اليهودي كيف يُحكم له على أمير المؤمنين، و الدرع كان لعلي رضي الله عنه ولم تكن له بيّنة، قال شهودي الحسن والحسين، قال لا تجوز شهادة الأبناء للأب، قال سيّدا شباب أهل الجنة، قال هذا في الجنّة، فمن دهشة اليهودي مما رأى قال يا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، الدرع درعك، سقطت منك وأنت خارج إلى صفّين، فاختلستها. إذًا إذا رأى الكفار عدل المسلمين يمكن أن يسلموا.
7- المتقين يتبعون سبيل الأنبياء والصادقين والمصلحين يكونون معهم،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، فأهل الصدق هم أصحاب المتقين وإخوانهم ورفقاءهم وأهل جلوسهم وروّاد منتدياتهم.
8- يدع مالا بأس به حذرًا مما به بأس لأجل حديث: «النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى تمرة فيريد أن يأكلها فيتركها لأنه يخشى أن تكون سقطت من تمر الصدقة. والورع يجب أن يكون ورعًا صحيحًا، فبعض الناس يفعلون الكبائر ثم يتورعون عن الأشياء اليسيرة!." عجبتُ لكم يا أهل العراق تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تسألون عن دم البعوض"، فلذلك ينبغي أن يكون الورع على أساس، امرئ ترك المحرمات ثم هو آخذ في الإعراض عن المشتبهات، ولذلك لما سُئِل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يشتري البقل ويشترط الخوصة أنه يخشى أن تكون هذه التي تربط بها حزمة البقل غير داخلة في البيع فيشترط على البائع ذلك، قال: ما هذه المسائل؟!، قالوا: فلان يفعل ذلك، إبراهيم بن أبي نعيم قال: هذا نعما هذا رجل يليق بحاله رجل متقي جدًا. وهو الذي سُئِل رحمه الله عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها فقال: "إن كان برّ أمه في كل شيء حتى لم يبقَ إلا طلاق زوجته؛ يفعل، ولكن إن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم إلى أمه بعد ذلك فيضربها فلا يفعل".
» [الصحيح المسند: 320]، تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك أحيانًا ما ترى بعض الحلال خشية أن تكون حرامًا،ثمرات وفوائد التقوى
1- أنها المخرج من كل ضيق ومصدر للرزق من حيث لا يحتسب المتقي، لأن الله وعد و وعد الله لا يتخلف فقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا .وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2:3]، وهذه مهمة جدًا في شحّ الوظائف. وحتى يأتيك البديل المباح بعد تركك للعمل المحرّم ينبغي أن تتقي الله في جميع أمورك.
2- تسهيل الأمور، وأن ييسر الله له الأسباب {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].
3- ومن أهم ما يُكافأ به المتقي أنه يُعطى العلم النافع من جرّاء التقوى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، فيعلمكم الحلال والحرام ومصالحكم وحفظ أموالكم وما أمركم وما نهاكم عنه ويعلمكم كل ما تحتاجون إليه، ومن أسباب نقصان العلم ونقص الحفظ وذهاب المسائل وعدم انفتاح النفس للعلم وعدم الحماسة للعلم؛ المعاصي فهي تصد النفس عن العلم. ومن أسباب تحصيل العلم وانفتاح الذهن والقلب والحماس له؛ التقوى.
4- البصيرة من أعظم ما يرزق به المتقي، فتكون له بصيرة وفرقان يفرّق به بين الحق والباطل وأن يكون له نور من ربّه يضيء دربه فيحذر الشر ويرجو الخير ويوفَّق {إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29]، الفرقان في اللغة الذي يفرّق بين الليل والنهار، كالصبح يفرق بين الحق والباطل.
5- محبة الله والملائكة للعبد، ومحبة الناس لهذا العبد، {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76]، وإذا أحبه نادى جبريل أن يحبه، ويحبه أهل السماء ثم يحبه أهل الأرض، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96]، أي مودة منه ومن الملائكة وفي قلوب العباد.
6- نصرة الله للمتقي وتأييده له وتسديده {وَاتَّقُوا اللَّهَوَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194]، والمعيّة هذه معية نصرة وتأييد وتسديد، وهو سبحانه وتعالى أعطاها للأنبياء المتقين فقال لموسى وهارون {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]، {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] فهو معه فلا يخاف.
7- يرزق بركات من السموات والأرض، والبركة تكثير القليل، الكثرة، الزيادة، الخير، العافية، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وهذا معناه أنه وسّع عليهم في الخير ويسّره لهم بسبب التقوى {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} [الجن: 16]، وكذلك إذا لم تحصل التقوى؛ يظهر الفساد في الأرض {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41]، ويحصل التلوث والأمراض والسرطانات {لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وتُنزع البركة بالمعصية.
8- البشرى، سواء كانت ثناء من الخلق، أو رؤيا صالحة، من الملائكة عند الموت، {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 62:64]. ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، فإن أثنى الناس عليه لعمل ما قصد إظهاره فإن هذا من عاجل بشرى المؤمن.
9- الحفظ من كيد الأعداء، فإن الإنسان لا يخلو من عدو حاسد {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120]، فيدفع الله عنه شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال التقوى.
10- {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]، فأرشد الله الآباء الذين يخشون ترك ذرية ضعاف بالتقوى في سائر شؤونهم لكي يحفظ أبناءهم، ويغاثون بالرعاية الإلهية بل يحفظ فروع الفروع!، {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} ولكن هناك أمر مهم وهو {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82]، فحفظ الله الأبناء بصلاح ذلك الأب، يقول محمد بن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد و لده وقريته التي هو فيها والدويرات التي حولها فما يزالون في حفظ الله وستره، قال ابن المسيب: يا بني إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفَظ فيك وتلا الآية {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}، طبعًا هو يصلي لله، وابن المسيب افقه من أن يرجو على عمله فقط ثوابًا دنيويًا ولكنه يرجو تبعًا للثواب الأخروي أمرًا في الدنيا والله تعالى كريم يعطي أمورًا في الدنيا والآخرة على العبادات.
11- التقوى سبب قبول العمل وهذا من أعظم الأشياء {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] أجاب بها الأخ الصالح أخاه الفاجر الذي قتله. وكان بعض السلف يقول: لو أعلم أن الله تقبّل مني سجدة واحدة لتمنّيت الموت لأن الله يقول {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
12- التقوى سبب للنجاة من عذاب الدنيا {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [فصلت: 18]
13- التقوى يُجعل للإنسان بها حلاوة وشرف وهيبة بين الخلق لأن الإنسان يحب أن تكون له مكانة بين الناس
ألا إنما التقوى هي العز والكـرم *** وحبك للدنيا هو الذل والسقـم
وليس على عبدٍ تقي نقيصة *** إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
14- التقوى توصل إلى مرضاة الرب عز وجل وتكفير السيئات والنجاة من النار والفوز بالجنة وهذا هو قمة المطلوب وأعلى مراد المسلم أن الله عزوجل يدخله الجنة {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} [المائدة: 65]، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5]، والنجاة من النار {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا} [مريم:72]،والعز والفوقية فوق الخلق يوم القيامة غير عز الدنيا {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: 212]، فيورثون الجنة بالتقوى كما قال الله عز وجل: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} بمريم: 63]، وهؤلاء المتقين لا يذهبون إلى الجنة مشيًا وإنما يذهبون ركبانًا موقرين مكرمين لأن الله قال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: 31]، وقال: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم:85]، والوفد يكرم يذهب بهم إلى ملك الملوك سبحانه وتعالى، فيدخلهم جنته {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [النبأ: 31]، يدخلهم الأنهار{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54].
والدار الآخرة للمتقين يوم القيامة، ويجمع الإنسان بأحبابه إذا اتقى ربه: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وهؤلاء على سرر متقابلين كما قال الله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ . وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر: 45:47] فيأتون إلى الجنة زمرًا زمرًا، مجموعات ووفود إلى الله تعالى مكرمين {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر: 73]. نسأل الله أن يجعلنا من أهل التقوى، والنهاية لا بد أن تأتي بمفارقة هذه الحياة.
عش ما بدى لك سالمًا في ظل شاهقة القصور *** يُسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح وفي البكـور
- التصنيف:
- المصدر: