التعبُّد والتمكين.. أيهما وسيلة للآخر، وأيهما غايتُه..؟!
عَلى كلِّ عاقلٍ راشد: أن يَبذُلَ جُهدَه، ويَستفرغَ وُسعَه؛ في السَّعي لتمكين هذه الأمَّة، وعُلُوّ دينها، ورفع رايتها، وكيفية ذلك وآلاته، والوصول إليه، مع ما يستطيعُه من عبادةٍ وأسباب..!
قال الله: {الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ}[الحج:41].
فقدَّم التمكين والعلوّ، على العبادة وإقامة الشعائر..!
ومنه تتفهَّم وتتعلَّم:
أنه لن تَهنأ أمَّةُ الإسلام، بعبودية ربها كما أراد؛ بغير تمكينٍ وعُلوّ..!
فالتمكين؛ أصلٌ وأساس .. والعبودية؛ فرعُه وثمَرتُه ..!
والتمكينُ وسيلة.. والعبوديةُ غاية ..!
لذا.. نرَى كلَّ من تمكَّن ولو في الباطل، استطاع أن يَفرض إرادَته، ونُفوذَه وسطوتَه، على مَن تحت يده واستضعفَه..!
في حين أن المُستضعَف، لا يَستطيع أن يفعل كلَّ ما أراد، فهو كالمَولَى بين يدي سيّده.
وتأمَّل حال الأقليّات المُسلمة المُستضعفَة، تحت أيدي الكافرين واليهود والصليبيين، وكذلك حال أهل السنَّة المُستمسكين، تحت ولاية الظالمين وأعداء الدّين.
ثم قارِن هذا بعصور تمكين المسلمين وأهل السُّنة، وكيف أنهم متى تمكَّنوا، نصروا الدِّين وأقاموه، ورفعوا مَناره وشِراعَه، ونشروا أصولَه وفروعَه، وطبَّقوا نظامَه وحدودَه.
سُتدرِك بسهولة حينئذٍ .. أن الكلمة العُليا للمُمَكَّن، وأن المُستضعَف يأتي المُتاح والمَسموح فحَسب، إن أتاه .. !
وعليه:
فمُخطىءٌ كلُّ مَن خالَف وعَكَس.. فجعل العبوديةَ وسيلةً، والتمكينَ غاية، وظنّ أنه بمجرد إقامة بعض العبادات والشعائر؛ أن التمكينَ سيتنزَّلُ عليه لِتَوِّه من السماء..!
وأشدّ من هذا: من ظنّ أن مجرّد إقامة بعض الشعائر المُجمع عليها، أن هذا في نفسه، هو التمكين المراد للأمّة، التي جاءت برسالة الإسلام، للناس كافَّة، وليكون الدّين كلُّه لله، لا بعضه ولا ما سواه..!
وأخطر من هذَين: من اغترَّ بمَجده الشّخصيّ، لمجرّد أنه أُتيح له خُطبةٌ هنا، أو مُحاضرةٌ هناك، أو صحيفةٌ هنالك، فرأَى المسكينُ في تَمكينه الشّخصيّ، تمكينَ الأمّة ودينها وشرائعها، ثمّ صدَّر للناس فَهم التمكين على ذلك..!
واعْلَم:
أنك حين تتعبَّد وتُقرِّب الناس من الله، وقت ضياع التمكين وغيابه؛ ليس لأن العبادة والتنسّك، هو وحده الذي يصل بالناس إلى التمكين..!
ولكن على الحقيقة:
هي وظيفة العبودية، التي لا انفكاك للعباد عنها بحال، سفرًا وحضَرًا، صحةً ومرضًا، قُدرةً وضَعفًا، وكذلك في حال التمكين أو الاستضعاف..!
فعَلى كلِّ عاقلٍ راشد:
أن يَبذُلَ جُهدَه، ويَستفرغَ وُسعَه؛ في السَّعي لتمكين هذه الأمَّة، وعُلُوّ دينها، ورفع رايتها، وكيفية ذلك وآلاته، والوصول إليه، مع ما يستطيعُه من عبادةٍ وأسباب..!
وعلى رأس ذلك: الجهاد في كلّ صُوَره وأشكاله ومعانيه.!
كان الله للإسلام وأهله..!
- التصنيف:
- المصدر:
طارق المصرى الأثرى
منذ