خطب مختارة - [92] الرسول قدوتنا في الأخلاق

منذ 2016-04-13

لقد امتدح الله نبيه على كمال الأخلاق فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وذلك يظهر من خلال معاشرته للناس ومخالطته لهم، ولقد سئلت عائشة رضي الله عنها كيف كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن، فلقد كان عاملًا بأخلاق القرآن وآدابه، وذلك أن القرآن أنزل للتدبر والعمل به، فكان أولى الناس وأولَهم عملاً به وامتثالاً لأوامره سيدُ الخلق صلى الله عليه وسلم.

الخطبة الأولى:

عباد الله، لقد امتدح الله نبيه على كمال الأخلاق فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وذلك يظهر من خلال معاشرته للناس ومخالطته لهم، ولقد سئلت عائشة رضي الله عنها كيف كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن، فلقد كان عاملًا بأخلاق القرآن وآدابه، وذلك أن القرآن أنزل للتدبر والعمل به، فكان أولى الناس وأولَهم عملاً به وامتثالاً لأوامره سيدُ الخلق صلى الله عليه وسلم.

وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الأخلاق، عن أبي ذر قال: قال رسول الله: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» [صحيح الترغيب:3160]. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» [سنن أبي داود:4800]. وعن عبد الله بن عمرو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن خيارَكم أحاسنُكم أخلاقًا» [صحيح البخاري: 6035]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» [سنن أبي داود:4798]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حسن، وإن الله ليَبْغَض الفاحشَ البذيء» [صحيح الترمذي: 2002].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء: «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» [صحيح مسلم: 771]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل كريم يحب الكرمَ ومعاليَ الأخلاق، ويَبغض سَفْسافها» [السلسلة الصحيحة: 1378].

وقد كان صلى الله عليه وسلم أول من امتثل تلك الأخلاق وعمل بها، وفي هذا المقام نتذاكر شيئًا يسيرًا من أخلاقه صلى الله عليه وسلم؛ لنقتدي به في ذلك تحقيقًا لقول الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة الأحزاب:21]

ومن تلك الأخلاق الرفيعة الصدق في الأقوال والأفعال، فهو الذي اتصف بذلك الخلق العظيم، وشهد بذلك أعداؤه قبل أصحابه، وقد كان يسمى الصادق الأمين، بل إن كلَّ حياته وضوحٌ وصدق، حتى مع أعدائه الذين آذوه وأرادوا أسرَه وقتلَه.

ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم السماحة والعفو، روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه، أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد، فلما قفل رسول الله قفل معهم، فأدركَتْهم القائلة -أي نوم القيلولة ظهرًا- في وادٍ كثيرٍ العضاه - شجر- فنـزل رسول الله؛ وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله تحت سمرة - نوع من الشجر- فعلّق بها سيفَه، ونمنا نومة؛ فإذا رسول الله يدعونا، وإذا عنده أعرابي فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا اخترط عليّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتاً - أي جاهزاً للضرب- فقال: من يمنعك مني؟ قلت: الله ؛ ثلاثاً ، ولم يعاقبه وجلس» [صحيح البخاري: 2910]، وفي رواية أخرى: «فسقط من يده فأخذ رسول الله السيف، فقال للأعرابي:  من يمنعك مني؟ فقال: كن خير آخذ، فقال صلى الله عليه وسلم: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني أعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى الرجل أصحابه فقال لهم: جئتكم من عند خير الناس» [صحيح ابن حبان: 2883].

فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عن الرجل في موقف حرج، وهذا يدل على عفوه وشجاعته صلى الله عليه وسلم. لذا كان أفضل العفو عند المقدرة. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغفل في هذه اللحظة الحرجة عن القيام بواجب الدعوة؛ واستغلال الموقف لصالح الرسالة التي يحملها، فيقول للرجل: «تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» [تاريخ الإسلام:2/249]، ولم يكرهه على الإسلام، ولم يقتله، ولم يعاقبه بأي عقوبه، ثم ينادي أصحابَه ليعطيهم درسًا عمليًا في فضائل الأخلاق لا ينسونه أبدًا.

وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني -نوع من اللباس- غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك؛ ثم أمر له بعطاء! إنها رحمة الإسلامِ ونبيِّ الإسلام! وكم في ضحك الرسول في وجه الأعرابي الجاهل من معنى يفهمه أهل الذوق الرفيع!

ومن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم الجود والعطاء والبذل: روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال:  "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وإن كان الرجل ليسلم لا يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرًا حتى يكون الإسلامُ أحبَّ إليه من الدنيا وما فيها". وهذا فيه تأليف القلوب للدخول في الإسلام والثبات عليه.

ومن أخلاقه -أيضًا-: التواضع وخفض الجناح للمؤمنين: وقد أمر الله رسوله بذلك فقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء: 215]. وذلك أن التواضع يتألف القلوب ويملكها بالمحبة، وقد كان رسول الله-كما أدبه الله- متواضعًا، خافضَ الجناح، لين الجانب، إذا جلس بين أصحابه كان كأحدهم. وعن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد (الرقيق)".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله يخصف نعله ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته وقالت: كان بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وقالت: قال رسول الله: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد".

وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويَقِلُّ اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة".

نفعنا الله بكتابه الكريم وهدي سيد المرسلين، أقول ما سمعتم.

الخطبة الثانية:

ألا وإن من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم كف الأذى وترك الشتم والسب وحفظ اللسان عن السوء امتثالًا لقول الله: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18].

كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسًا فجاء يَهُود فقالوا: السام عليكم -أي الموت عليكم- فقالت عائشة: وعليكم السام واللعنة! فقال رسول الله: « يا عائشة! إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ولكن قولي: وعليكم» [تفسير القرطبي:20/310]. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» [صحيح البخاري: 6044]، وعن أنس قال:  "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا لعانًا ولا سبابًا".

ومن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم الحياء مما يقبح فعله أو يكره، وقال عليه الصلاة والسلام: «الحياء لا يأتي إلا بخير» [صحيح البخاري: 6117]، وقال أيضا: «الحياء من الإيمان» [مسند أحمد: 9/123]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها» [صحيح ابن حبان: 6307].

ومن حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم المزاح المتزن والانبساط مع الناس، فعن أنس رضي الله عنه قال: "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير ما فعل النغير والنغير: طائر صغير" .

وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق فرأى رجلاً من أصحابه فمسكه من خلفه وقال: «من يشتري هذا العبد -على وجه المزاح- فقال يا رسول الله: إذن تجدني كاسدًا ! -أي رخيصًا- قال:  لكنك عند الله لست بكاسد» [مختصر الشمائل: 204].

ومن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم إكرام الضيف والجار والإحسان إليهما، وهو القائل: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» [صحيح البخاري: 6019].

ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم احترام الكبير ورحمة الصغير؛ دخل أعرابي والرسول صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن والحسين فقال: تقبلون صبيانكم! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَأَمْلك أن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك» [صحيح مسلم؛ وقال رسول الله: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» [صحيح البخاري: 7884]،«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» [السلسلة الصحيحة: 925].

رزقنا الله التاسي بنبينا، وهدانا لأحسن الأخلاق.

  • 59
  • 6
  • 92,116
المقال السابق
[91] الرافضة والصفويون والعلاقة بينهما
المقال التالي
[93] الرشوة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً