لكل مقال مقام!

منذ 2016-04-17

ليست العبرة أن تحفظ كلاما تقوله، ولو كان خارج الموضوع، بل خارج الموضع أيضا، فلا تاريخ ولا جغرافيا وهكذا يتحول الداعية بحسن نيته وقلة حكمته إلى مُنفِّر من حيث لا يشعر، وهو يحسب أنه يحسن صنعا..

في الأيام الماضية.. دُعينا إلى حفل زفاف لأخوين شقيقين كريمين معا، وكنا في قاعة للحفلات كبيرة تغص بالحضور المدعوين، وكان الإكرام على ما يرام.. ولمَّا رأينا الموقف يحتاج إلى تنشيط، توجهنا نحو منصة مرتفعة، وكُنَّا ثلاثة ممن يُنتَظَرُ منهم شيئا!:
هل يوجد مايك ومكبر؟
لا، ولكن تكلموا فإن القاعة لها صدى يُسمِع الحضور!
أسْكَتْنا الجمْعَ بالإشارة حتى أنصتوا...
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كَبِّر كَبِّر..فكبَّرتُ بأكبرنا ليتكلم فأوجز جزاه الله خيرا، ولا حكيم إلا بتجربة...
ثم قدَّمتُ أصغرَنا- شابّ حدَث خطيب  مسجد-، فقام من الكرسي وصار خطيبا واقفًا، وأخذ في موضوع الجنة والنار حتى خشعت الأصوات، وأحسبه انتقل ببعضهم إلى القبور، فنادوْا بالويل الثبور...  ولعل العريسين صارا يفكران في ترك الأمر وتأجيل العرس إلى الحور العين في الجنة!!

فبصراحة أخذني الحرج أيُّما مأخذ، وخشيتُ أن ينقلب موقفَ سوء وصدٍّ عن سبيل الدعوة!

ذلك أن غالبية الحضور من الشباب العوام وغير الملتزمين، فخشيتُ أن يأخذوا نظرة أنه ليس في دين الملتزمين فسحة، ولا في أفراحهم فرحة ولا في أجسادهم غريزة!...
أطال خطيبُنا خطبته.. ثم أُسْكت –بخائنة الأعين- واعتذر عن الإطالة!!
فقلت في نفسي ليست المشكلة في الإطالة! وليتها كانت كذلك؛ اعتذر عن الإطالة, ولكنه لم يعتذر عن الشطط، وحمدتُ الله أن تركتُ نفسي الأخير..
فأخذت الكلام، وبدأت أجرُّ حملا تقيلا –من التقرير- لأتحوَّل بالناس إلى العرس، قائلا- بعد الحمد والصلاة-: حتى يكون كما يقال: لكل مقام مقال، فإن الأخ الفاضل إنما تكلم عن الجنة والنار، لعله يقصد أن أعراسنا إذا أقمناها في غفلة عن الجنة والنار فإنها لا تكون كما أرادها الله، ولا تحقق الغاية التي من أجلها شرعها الإسلام، ولا هي التي تأتي بذُرية يباهي بها النبي صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة.. ولا تظنوا –أيها الفرحون- أن –الخوانجية من أصحاب اللِّحى- لا يفرحون، بل... وظللت أجر الحِمل الثقيل لعلي أعود به إلى مكانه، فذكرت لهم بعض ما ورد في الأفراح مثل حديث الجاريتين اللتين كانت تغنيان فدخل أبو بكر فنهرهما: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد»(متفق عليه)
فليست العبرة أن تحفظ كلاما تقوله،  ولو كان خارج الموضوع، بل خارج الموضع أيضا، فلا تاريخ ولا جغرافيا
وهكذا يتحول الداعية بحسن نيته وقلة حكمته إلى مُنفِّر من حيث لا يشعر، وهو يحسب أنه يحسن صنعا..
فتمنيت لو أن الله آتاني الحكمة، كما قال في محكم التنزيل: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[البقرة:269]، قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يؤتي الله الإصابة في القول والفعل من يشاء من عباده، ومن يؤت الإصابة في ذلك منهم، فقد أوتي خيرا كثيرا.
وذات مرة كُنَّا في مجمعٍ كبير في عقد قران.. خطبنا وعقدنا ودعونا.. نطق شيخ كبير قوم من أقرباء المرأة، فقال: هذه ابنتا أعطيناكها، فإن أعجبتك، وإلا فطلقها ورُدَّ لنا ابنتنا!!
فيقول قالئل: بئس ما قلتَ، أما وجدتَ فألا غيرَه تقوله؟!

فاللهم ارزقنا الحكمة ولا تحرمنا الخير. 

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 0
  • 0
  • 2,094

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً