تيران وصنافير والوقوع في الفخ
تبدو المسرحية محكمة في نظر مؤلفها ومخرجها لكنها ليست بالضرورة كذلك في نظر الجميع لاسيما من يقرأ الحدث في سياقه المترابط بين خبرة الأمس والقدرة على الحشد الطائفي والفئوي وإدارته ورعايته من خلف الكواليس.
انطلق الإعلامي "الواد" كالصاروخ على رأس كتيبة منتقاة من كتائب 30 يونيو الإعلامية المصرية المحترفة، والتي لا تتكلم ولا تتألم إلا بإذن وتوجيه من القيادة العامة لغرفة 30 يونيو ليشن غارة إعلامية مزودة بشتى أنواع الإسفاف الرخيص تجاه المملكة العربية السعودية، وصلت في بعض مفرداتها إلى وصف المملكة أنها كانت تتفرج على المصريين حين كانوا يحاربون ويموتون، وحين كانت تسيل دماؤهم من أجل تحرير الأرض؛ ثم فجأة أخذتها المملكة العربية السعودية التي كانت تتفرج عليهم!
من صال وجال، وأرغد وأزبد بهذا الهراء لم يكن شيئا مذكورا حين وضع الشهيد -بإذن الله- الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- المملكة العربية السعودية أرضا وشعبا وحكاما في مواجهة أمريكا والغرب أثناء حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر؛ وكان موقفه بقطع النفط عنهم بمثابة قاصمة الظهر التي لم يدر بخلد الغرب والأمريكان أن يقدم ملك عربي على الوقوف في وجه جبروتهم وطغيانهم هذا الموقف، الذي لم يخضع يومها لحسابات الأرض وفن الممكن أو "فن النجاسة" والخيانة بالمعنى الدقيق في مفهوم السياسة المعاصر، وإنما استند إلى حسابات عقل وقلب متعلق بالسماء، سليم الانتماء، يرى أنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة، وقد لقي ربه وما من مسلم غيور يعرفه إلا ويتمنى لو جعل الله نفسه فداءً لنفس الفيصل بن عبدالعزيز الذي رفع هامة الأمة وأبى إلا أن يرحل كبيرا شامخا.
الذراع السياسي لانقلاب 30 يونيو وأبرز نجوم جبهة الانقاذ التي شكلت الحكومة إبان الانقلاب العسكري، وتولت فض اعتصامي رابعة والنهضة، وسفكت دماء الآلاف من المصريين بدأوا في جمع توكيلات للطعن على قرار تسليم جزيرتي "تيران" و"صنافير" إلى السعودية؛ وأكدوا أن حملة رفض تسليم الجزيرتين، تركز على إسقاط الاتفاقية وليس إسقاط الدولة، مع تمسكهم بالمسار الديمقراطي السلمى.
تبدو المسرحية محكمة في نظر مؤلفها ومخرجها لكنها ليست بالضرورة كذلك في نظر الجميع لاسيما من يقرأ الحدث في سياقه المترابط بين خبرة الأمس والقدرة على الحشد الطائفي والفئوي وإدارته ورعايته من خلف الكواليس، وواقع اليوم ووجود فصيل يريد النزول إلى الشارع واثبات وجوده بأي ثمن وتحت أي شعار، واستشراف الغد بما يحمل من مجهول يستعد له الطرف الحاكم الممسك بزمام السلطة بما يتقن من سيناريوهات وتصورات وبدائل.
لو أنك قلت للإسلاميين الذين أرادوا استثمار ما سمي بـ "جمعة الأرض" إنه استثمار فاشل ورهان خاسر؛ بل هو فخ منصوب لكم كغيره من الفخاخ السابقة التي لم تنجوا من واحد منها، ربما نالك غيض من فيض ما وصلت إليه النفوس من إنجاز أخلاقي وقيمي لم يعد خافيا على أحد، لكن الفخ هذه المرة كان محكما، وخسارة الوقوع فيه كانت كبيرة ومؤلمة؛ وأي خسارة أكبر من أن تهدي خصمك ما يحلم أن يناله منك؛ وأن توجه طعنة نجلاء في ظهر وقلب من يسعى لاستنقاذك ودفع الظلم عنك، بل ويستشعر المسؤولية تجاه إخراجك من محنتك؛ لكنه يفكر ويسعى بعقله وتفكيره وأدواته هو وليس بفكرك وعقلك وأدواتك أنت.
ما لا شك فيه عندي أن قرار إعادة الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية لو كان قد اتخذه الرئيس محمد مرسي –فك الله أسره- لوجدنا تأصيل سعوديتهما من أنصاره بنصوص من التوراة والإنجيل والقرآن والسنة المتواترة، ولكان إعادتهما إلى المملكة وجها من وجوه العدالة الربانية، وخطوة محورية نحو إقامة دولة الإسلام العظمى والخلافة المنشودة، ولوجدنا كتائب 30 يونيو المؤيدين المدافعين عن القرار اليوم في قلب قصر الإتحادية بأكفانهم دفاعا عن تراب مصر المقدس التي "ليست وطنا نعيش فيه وإنما وطن يعيش فينا" ولا يرضون بأقل من إعدام الرئيس بتهمة الخيانة العظمي؛ إذاً فالمسألة لا علاقة لها بأرض أو عرض أو وطن؛ وإنما كلٌ يبحث عن مآربه ومبتغاه، ولازال الكذب، وخداع النفوس، وغرور القوة، والرغبة في الانتقام والثأر، هو ما يشكل الوعي أو العقل الجمعي ويحتل جزء اللاوعي عند أطراف الصراع والنزاع في مصر.
ما أريد أن أشير به هنا بعد ما ذكّرت به في مقالي السابق "الملك سلمان وتغيير التاريخ والجغرافيا" هو أن إعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة والإدارة السعودية، ومشروع جسر الملك سلمان؛ وما يترتب على هذين الإنجازين من تغييرات في واقع أمتنا الجغرافي والسياسي والاقتصادي، وانجاز مطار ومستشفى اسطنبول الدوليين بتركيا والذين يعدا من المشروعات العملاقة؛ هذه الإنجازات علينا أن نعلم أن كثيرا ممن لا يريدون خير هذه الأمة يتمنون بل يسعون إلى فشلها؛ لذا علينا أن نتسامى على عداواتنا عند النظر إلى مستقبلنا، وأن ننتبه حتى لا نكون كالدّبة التي أرادت أن تهش الذباب عن وجه صاحبها فأردته قتيلا.
- التصنيف: