تأملات - الصيام والتقوى
إن الصيام هو العبادة الوحيدة الامتناعية! أي أنك تمتنع فيها عن أمور، وليس كسائر العبادات الأخرى تأتي فيها شعائر معينة! وعليه فإن الصيام هو العبادة الوحيدة الذي يمكن ملؤها بباقي الحياة! من شعائر أخرى كالصلاة، ومن معاملات وسلوك مع الناس، ومن عمل وجد واجتهاد وجهاد! وهنا يتجلى معنى جليل للمتأمل في الصيام وهو أنه عبادة تزكي نفسك وتجعلك اشبه بملاك حرِ الإرادة عاقلٍ مختارٍ مكلف! لأنك تجتنب كل ما للحيوان من سلوك دون أن تُسلَب منك الشهوات الدافعة لهذا السلوك إن أرت فعله، وهذا هو قمة التحكم في النفس! وتقترب من كل ما للملائكة من صفات، وتزيد عليها صفة العقل والمسئولية عن افعالك! وعليه فأنت تكون طائعا مختارا قادرا على اشباع شهواتك لكنك تخليت عنها حبا في الله وخشية له، تعمل ما يصلح الدنيا والآخرة وانت متعبد لله بالصيام في الآن ذاته دون تعارض، لأن الصيام يجعلك تملأ العبادة بالعمل، وتملأ العمل بالعبادة، فينصهرا ككيان واحد فتكون فعلا انموذجا فريدا لخليفة الله في الأرض! انسانا عابدا عاملا يخشي الله ويتقيه في كل افعاله لأنه يعبد ربه اثناء عمله ومعاملاته وصلواته، يعبد ربه بإحسان العمل والمعاملة والصلاة، ويعبد ربه في الآن ذاته عبادة مستمرة في النهار بالصيام.
إنك تتدرب أن تحيى حياة ربانية ملؤها التقوى! إنك تمثل حين إذاً أصل خلق الله للإنسان الذي هو "في أحسن تقويم"، فتجمع أفضل ما في الإنسان وهو العقل والحرية، وأفضل ما في الملاك وهو الطُهر والتفرغ لذكر الله والعمل والجهاد والاجتهاد في سبيله.
- التصنيف: