خطب مختارة - [114] الظواهر والكوارث الكونية.. لماذا الهروب من الحقيقة؟!

منذ 2016-08-07

أجرى الله تعالى الكون على سنن يسير وِفقها، رحمة بالعباد؛ لتستقيم حياتهم؛ وتنتظم معيشتهم؛ وتكونُ صالحةً لعبادةِ الله تعالى في هذه الحياة الدنيا، حتى إذا جاء موعدُ الحساب والجزاء أذن الله تعالى بتغير هذا الكون وسننه، لينتهيَ الناس إلى الجنة إن كانوا من المؤمنين، أو النار إن كانوا من الكافرين.

الخطبة الأولى

أجرى الله تعالى الكون على سنن يسير وِفقها، رحمة بالعباد؛ لتستقيم حياتهم؛ وتنتظم معيشتهم؛ وتكونُ صالحةً لعبادةِ الله تعالى في هذه الحياة الدنيا، حتى إذا جاء موعدُ الحساب والجزاء أذن الله تعالى بتغير هذا الكون وسننه، لينتهيَ الناس إلى الجنة إن كانوا من المؤمنين، أو النار إن كانوا من الكافرين.

وعلى الرغم من وضوح العقيدة الإسلامية في هذا الشأن وجلاء النصوص الشرعية؛ فقد ظهرت في بعض أوساط بعض المسلمين عددٌ من المفاهيم والتعبيرات الخاطئة، ومن تلك التعبيرات غير الصحيحة:

أولًا: حينما يتحدث بعض الناس عن ظاهرة من ظواهر الكون يقولون مثلًا: تسببت الطبيعة في حدوث فيضانات زلازل براكين، أو كفلت الطبيعة وجود الغذاء لهذا الحيوان، وغضبت الطبيعة فوقع زلزال مدمر، ونحو ذلك .

ثانيًا: ينكر بعض الناس على العلماء والدعاة تذكير الناس بالحكمة من وراء الكوارث الطبيعية، ويكره موعظة الناس بذلك، أو تذكيرهم بما أنزله الله تعالى بعدوّ من أعداء المسلمين، ويحاول بعض هؤلاء أن يدعي ويزعم أن تلك الكوارث الطبيعية لا علاقة لها بعقوبة قدرية أو عقائد دينية.

وهنا ينبغي لنا أن نستحضر بعض الأوليات التي لا يليق بهؤلاء أن يجهلوها في عقيدتهم الإسلامية، فالله تعالى هو الذي خلق هذه الطبيعة وهذا الكون وخصائصه وسننه التي يسير عليها، وجعل الكون يسير عليها لا يتخلف عنها ولا يخرج عليها، ومن ثم لا يصح أن ننسب حركة الكون إلى الطبيعة، وإنما ننسبها إلى الله تعالى الذي خلقها وأوجدها، قال تعالى:   {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحج: 65].

أما الملاحظة الثانية؛ فلا أدري لماذا يغضب بعض الناس على من يعظون ويذكرون بالحكمة من وراء ما يحدث من ظواهر أو كوارث كونية، ويذكرونهم بعقوبات الله تعالى التي ينـزلها بالكافرين أو العاصين! ولو تدبروا القرآن والسنة المطهرة لتبين لهم حِكَم الله في آياته الكونية.

فلقد بيّن سبحانه في كتابه وسنّة رسوله صلى الله عيه وسلم أن تلك الكوارث؛ إما أن تكون ابتلاء للمؤمنين لامتحانهم في إيمانهم وصبرهم أو لتكفير سيئاتهم أو لرفع درجاتهم، وإما أنها عقوبة للكافرين والعاصين، اسمعوا هذه الآيات:

قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } [الرعد: 13]، وقال: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].

واسمعوا إلى آيات تحكي لنا كيف حدثت أعظمُ كارثةٍ على الأرض في تاريخ البشر، ولماذا حدثت وما الحكمة من وقوعها، قال تعالى:   {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ . فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ . وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ . تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ . وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 9 -15]، فهذه الكارثة التي حدثت بيّن الله تعالى لنا الحكمة منها، وذكّرنا بها ووعظنا، وقال سبحانه: {جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ}.

وجعل الله تعالى الريح العاصفة وهي ظاهرة كونية طبيعية نصرًا للمؤمنين وعذابًا للكافرين، وجعلها الله تعالى نعمة أنعم بها على المسلمين يوم الأحزاب يذكّرهم بها ليشكروه عليها، فقال تعالى:   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9]. وقال سبحانه عن الكارثة الطبيعية التي أنزلها بقوم عاد لمّا كفروا: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ . مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 41- 42]. وذَكَرَ سبحانه أنه أنزل كارثة طبيعية بقوم سبأ لـمّا أعرضوا عن طريق الهداية: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 15 - 16].

وقد حذّر الله تعالى الناس من أن يُنْـزِل بهم كارثةً كونية عقوبة لهم إن أعرضوا عن الإيمان والطاعة: {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً} [الإسراء: 69].

جعلنا الله من المتدبرين لآيات كتابه ، المعتبرين بما فيه من العبر والعظات. أقول قولي هذا وأستغفر الله.

الخطبة الثانية

لا تفتش عن حال أهل بلد من البلاد التي وقع بها كارثة في الماضي أو الحاضر إلا وتجد مجاهرةً بالمعاصي منتشرة في تلك البلد، وسواء كان فيهم صالحون أو لا؛  فالعقوبة تعم الجميعَ إذا قدرها الله، ويحاسبون يوم القيامة على نياتهم.

وما المانع من أن يتذكر الإنسان الحكمة من الظواهر الكونية أو الكوارث ليتذكر قدرة الله تعالى لتستقيمَ نفسُه ويزداد إيمانُه! والتأثر بذلك علامة إيمان . روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف في وجهه، فتقول : يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟! فقال: «يا عائشة، ما يُؤمِنِّي أن يكون فيه عذاب! عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا» [صحيح مسلم: 899].

ولم لا نفرح بكارثة إعصار وفيضانات أنزلها الله تعالى بعدوّنا الذي يسفك دماء المسلمين وينهب أموالهم، ولنتذكر أن عدوّنا مهما أوتي من قوة وجبروت فإنه ضعيف عاجز أمام قدرة الله تعالى، قال سبحانه: { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر: 44]، وقال عز وجل: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} [غافر: 21].

وكما يجعل الله تعالى الظواهر الطبيعية عقوبة لمن كفر أو عصى؛ فإنه سبحانه سخّر الكون كله بما فيه من ظواهر طبيعية لنا لنشكره سبحانه بالإيمان به والطاعة له ولرسوله، فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم: 46]. وحثنا سبحانه على التفكر في الكون لما في ذلك من زيادة في الإيمان واليقين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].

وأرشدنا سبحانه كيف نحتاط لأنفسنا ونتجنب الكوارث والأضرار في الدنيا والآخرة عمومًا، وذلك أولًا: بالإيمان بالله والتمسك بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً . أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} [الطلاق: 10]. وثانيًا: بالأخذ بالأسباب المادية كما في قصة ذي القرنين، {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} [الكهف: 94].

والله  تعالى رحيم يمهل عباده، ويرزق الكافر كما يرزق المؤمن في الدنيا؛ لأن الدنيا دار اختبار لا دار جزاء، لكنه  سبحانه قد يعاقب من يشاء في الدنيا قبل الآخرة، قال عز وجل: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 66]، وقال: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يونس: 22-23].

اللهم لا تؤاخذنا بسوء أعمالنا، ولا بما فعله السفهاء منا.

  • 9
  • 1
  • 14,984
المقال السابق
[113] الطلاق
المقال التالي
[115] العام الدراسي الجديد وكيف نستقبله

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً