ثلاثة في غلق القنوات: فعل ،وفاعل، وسياق
الأحداث الكبرى لا يقوم بها فرد واحد ، ولا يتسبب فيها شيء واحد ، فكل ذي بال من أمور الناس تتعدد فيه الأسباب ويكثر الفاعلون.فلم تغلق القنوات الفضائية الإسلامية لسببٍ واحدٍ، ولا تسبب في غلقها فرد واحد أو جهة بعينها..
الأحداث الكبرى لا يقوم بها فرد واحد ، ولا يتسبب فيها شيء واحد ، فكل
ذي بال من أمور الناس تتعدد فيه الأسباب ويكثر الفاعلون.فلم تغلق
القنوات الفضائية الإسلامية لسببٍ واحدٍ، ولا تسبب في غلقها فرد واحد
أو جهة بعينها؛ وكي تقف على رؤية واضحة لأمرٍ ما فإن عليك النظر في
ثلاث: الفعل، والفاعل، والسياق الذي برز فيه الفعل.
الفعل :
حين أغلقت القنوات الفضائية الإسلامية تعالت صيحات بأنهم على أبوابها
وغداً يدخلون من أقطارها، وأن ما شاءوا كان وما لم يشاءوا لم يكن،
وأننا لا حول لنا ولا قوة وعلينا أن نرجع بعيداً عن الحدث ولا نظهر
أبداً في المشهد فتلك تجربة فاشلة. وهؤلاء هم المنافقون من يومهم
مرجفون.
وحين أغلقت القنوات الفضائية الإسلامية شمت بعض الصغار، ونادى ـ بلسان
حاله أو مقاله ـ ليس الطريق من هنالك . وكأن استعمال الفضائيات وسيلة
فاشلة. قعد وأراد للناس القعود.!!
وأصغر منه ذاك الذي رأى أن في الغلق "عذرٌ شرعي" للتنازل عن ثوابت
الأمة وقضاياها الملحة الآن، ونادى بأن هذا ما نستطيع ولا يكلف الله
نفساً إلا وسعها. وهو صغير دون المسؤولية قزم لا يطاول الرجال ولا
يصنع الحدث، ولم يفقه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالكليات
الخمس على رأسها الدين ، فقد أمرنا بحفظ الدين أولاً ودونه كل شيء ،
ولا يحل للداعية أن يكون في وادٍ وقضايا الأمة في وادٍ آخر .
وأفضل من هؤلاء أولئك الكرام الذين انتفضوا بحثاً عن حلٍ للحصول على
أدنى حقوقنا وهي التحدث بما نريد .. عن أدنى متطلبات المروءة وهي ـ من
وجهة نظري ـ إثبات الذات. فلسنا عبيداً حيث يشاء غيرنا نكون، بل رجال
أحرار نحمل الخير للناس ويحبنا الناس .
إن الكرام الأفاضل أولئك الذين أدركوا أن الفضائيات وسيلة من وسائل
إيصال الكلمة وليست هدفاً في ذاتها ؛ فليس الهدف أن نتحدث ولكن أن
نحدث الناس بما نؤمن به . فما الفضائيات إلا وسيلة وإن سلبت ـ لا قدر
الله ـ فعندنا غيرها وقد وصل صوتنا لكل الناس بلا فضائيات .
إن كل حدثٍ كبير فرصة لقراءة العقول وفهم الدوافع والخلفيات ، فمع
الأحداث الكبرى تنكشف العقول والقلوب ، ويقف كل حيث يحسن ويحب حقيقة
لا ادعاءً ، فلا تترك الأحداث الكبرى تمر عليك دون أن تأخذ منها
بياناً بحال الناس .
الفاعل
الفاعلُ مَن أغلق بيده ومن تسبب في الغلق ، ويعنيني هنا الإشارة إلى
أن الفاعل أكثر من شخص وأكثر من جهة . بل تحدثت تقارير عن أن دولاً
قدمت تسيهيلات اقتصادية وسياسية وصولاً لغلق القنوات الإسلامية
السلفية لتصديهم للروافض عموماً وغيرها خصوصاً.
وهنا معطى لا ينبغي أن نتغافل عنه ، وهو أن الأمر أكبر من أن يصنعه
شخص واحد أو جهة بعينها وخاصة إن كانت أقلية ، وخاصة إن كانت قد شاهدت
بعينها إهانة أكبر رموزها ولم تحرك ساكناً. فأقصى ما عندها كلام
يتساقط تحت أقدام من يتكلم به ولا يتعداه ، أو أن تغري آخرين فيفعلون،
فهم في الحدث بغيرهم وليسوا بأنفسهم.
وشيء آخر هناك من يركب الحدث ليحقق مكاسب وهمية لم تكن له بها يدان،
وهذا كالقرد يقف على الجبل ويحسب أنه أطول قامة من نخيل الوادي
وأنى؟
فعلينا أن نفرق بين الفاعل الحقيقي "صناع الحدث " والأدعياء ، ونبصر
تلك الحقيقة الضخمة التي تقف عالية يراها كل ذي عينين وهي أن جهة
واحدة لم تعد تستطيع التصدي للتوجه الإسلامي وخاصة في الناحية
الفكرية.
سياق الحال
بعد النظر في الفعل والفاعل علينا أن ننظر في سياق الحال لنأخذ
تشخيصاً دقيقاً عما يحدث ، والذي يبدو أن غلق القنوات حدث واحد ضمن
سياق عام يهدف لصد المد السلفي في مصر والعالم الإسلامي .وهذه بعض
الإشارات لتوضيح معالم ( أو محاور) العداوة للتوجه الإسلامي عموماً
والسلفي خصوصاً في مصر تحديداً.
المحور الأول: متطرفو النصارى في مصر، حاضرون في كل الفاعليات المضادة
للتوجه الإسلامي ، ويمكن رصد نوعين من الحضور لهم:
أحدهما: حضور مباشر: في قنواتهم الفضائية ومواقعهم الإلكترونية ودور
الطباعة والنشر الخاصة بهم، وغير ذلك من وسائل، فهم حضور بكل الوسائل
المتاحة . وهم سبب مباشر لبعض القضايا التي تشغل الفكر الإسلامي من
وقتٍ لآخر وعلى سبيل المثال ( رضاع الكبير) (مدة الحمل) (المرأة في
الإسلام) ( حد الردة) ( سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
والثاني : حضورٌ غيرُ مباشرة ؛ ويأخذ عدداً من الصور في جملتها دعم
للمعادين للتوجه الإسلامي كأصحاب التوجهات المنحرفة من المنتسبين
للدين الإسلامي، فمع ظهور هؤلاء انتشرت كتابات "سيد القمني " و "خليل
عبد الكريم" وغير قليل ممن اشتهروا بعداوة المتدينين ويكتبون في
مستنقعات فكرية قامت بأموال نصرانية، صحفية أو عنكبوتية.وكتحريضهم
للسياسي لينال من الدين والمتدينين.
المحور الثاني : الأزهر. والأزهريرتدي ثوب السياسية وثوب التصوف ويخفي
ثوباً علمانياً لا أستبعد أن يرتديه، فشيخه عضو "لجنة السياسات بالحزب
الوطني" ، صوفي أباً عن جد، قادم من السوربون؛ وقريب منه خريج كلية
التجارة جامعة عين الشمس الصوفي المذهب مفتي مصر حالياً الدكتور على
جمعة، وكذا وزير الأوقاف يحرص دائماً على "نزع" فتيل "الفتنة
الطائفية" بدعم الأقلية الأرثوذكسية باسكات الخطباء وتهديد من يشارك
في الرد على تطاولهم، بل ودعمهم بأحاديث تخرج من الوزارة تتحدث عن
"وجوب الدفاع عن الكنائس ودور العبادة لغير المسلمين".
فالأزهر بهذه التشكيلة في اتجاه معاكس للتوجه الإسلامي تماماً.
والأزهر بعقلية شيخة الطامحة لدور عالمي يتطلع للسيطرة الفكرية على
الداخل والتصدي للأفكار "القادمة من الجزيرة العربية" ـ أو شرق البحر
الأحمر كما يقول المفتي ـ، وقد أفصح عن عزمة على إنشاء فضائية تتولى
هذا الشأن في حديثه لقناة الببي سي بعد توليه مشيخة الأزهر. فهذا
السياسي الأوروبي المثقف الطامح لسيطرة داخلية بل وخارجية لن يكون
عراكه نزهة، ولن تغني معه همهمات الشيوخ وطأطأة الرؤوس ، وألقابٍ من
قبيل (شيخنا)... .
حال الأزهر الآن أنه يستعد للقضاء على التوجه الإسلامي أو على الأقل
التصدي له، ويتحرك بدوافع داخلية، ويبحث الآن عن طريق للسيطرة على
الداخل والتمدد بالخارج .
المحور الثالث : الدولة ، وهي للأسف الشديد تفتقد زمام المبادرة، فهي
في المشهد محل تحريك .. مفعول به وليست فاعلاً، مع أنها قوية وليست
ضعيفة، فحين ترصد المواقف الرسمية تجد أن جلها إن لم يكن كلها يأتي
استجابة لحراك أحد المحاور السابقة، ولا تستقل الدولة بتصرف مستقل.
ويرجع ذلك من وجهة نظري إلى أن الشخصيات كلها أمنية.والأمن يصلح
للتنفيذ لا للسياسة والتخطيط.
مع هذا التخبط في الموقف الرسمي وتبعيته لغيره إلا أننا نجد بعض
الشرعيين وكأن برأسه قرني استشعار تتجه صوب السياسي فتنظر ماذا يريد
ثم هي على هواه . ولا يستقيم . فنحن الآن في فترة تحولات جوهرية ،
والتغيير قادم من داخل النظام الموجود الان أو من خارجه. فما هو اليوم
لن يكون غداً ؛ فعلينا أن نخفف من حدة (الولاء) إن لم نشارك في رفع
الظلم عن الناس. أو: لا تستعدوا القادم.
في هذا السياق جاء غلق القنوات كأحد مظاهر التحجيم والتصدي للتوجه
الإسلامي عموماً والسلفي خصوصاً، جاء كفصلٍ من المواجهة ولن يكون
الأخير في ظني.
علينا أن نعي جيداً حجم التحديات وأن نعلم أنها معركة وجود .
والحل :
الخطوة الأولى في المواجهة هي معرفة حال من تواجه ومن يقف في صفك
حقيقة أو ادعاءً، وذلك بالتدبر في الفعل والفاعل والسياق .وأبجدية
المواجهة تعني السير في اتجاهين: نقد، ومعارضة. نقد أطروحات هؤلاء
وكشف مواقفهم، والاستمرار في معارضتهم بالأقوال والأفعال. وهذا في
الناحية النظرية والعلمية . بمعنى أن نفرض عليهم واقعاً جديداً ،
والواقع الجديد هو الحل العملي لكل تلك المشاكل. فكيف ؟
يعرف أولي العزم وأصحاب الهمم ممن يزينون الأقوال بأفعال.
ما اشتد هؤلاء إلا لقوة الحق، وكثرة المحاور تدل على ضعفهم وقوة خصمهم
، مع عشوائية الدعوة السلفية وارتجالها ـ على المستوى العام لا
الأفراد ـ وغياب كثير من كوادرها . فهم مغلوبون لا محالة " {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي
إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ
آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ
الْأَشْهَادُ} [غافر:51]
{ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ
بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً } [فاطر:40]
محمد جلال القصاص
25/10/2010 م
- التصنيف: