في معركة (كاميليا) هل انتصر الجلادون؟
مضَى أكثَرُ من شهرَيْن على احتِجاز المُواطِنة المصريَّة "كاميليا شحاتة" في سجن "العصابة الخاطفة" التي تتحفَّظ عليها في أحد أوكارها، وإلى الآنَ لا يُدرَى مصيرُها، وقد قال جلاَّدوها على لسان كبيرهم بكلِّ صَفاقَةٍ لَمَّا سُئِل عنها: "ما شأنكم بها؟!".
مضَى أكثَرُ من شهرَيْن على احتِجاز المُواطِنة المصريَّة "كاميليا
شحاتة" في سجن "العصابة الخاطفة" التي تتحفَّظ عليها في أحد أوكارها،
وإلى الآنَ لا يُدرَى مصيرُها، وقد قال جلاَّدوها على لسان كبيرهم
بكلِّ صَفاقَةٍ لَمَّا سُئِل عنها: "ما شأنكم بها؟!".
وللحق فإنَّ له الحقَّ فيما قال؛ فما دام يرى نفسَه حاكِمًا لدولةٍ
مستقلَّة داخِل الدولة المصريَّة، فلكلِّ دولةٍ أنْ تفعل ما تَشاء
داخل حدودها!
لكن ومع التَّسلِيم له بأنَّه فوق القانونِ والمحكمةِ الدستوريَّة
كما ألمَحَ غيرَ مرَّة، وكما هو الواقع على الأرْض، كما يظهَر جليًّا
في تحدِّيه للدولة في أكثَر من قضيَّة، مع ما يدشن من الأسلِحة
والذَّخائر داخل الأَديِرَة والمطرانيَّات التي يحرم على الحكومة
المصريَّة ورجال أمْنِها أنْ يقوموا بتَفتِيشها، أو حتى الإشراف عليها
لمعرفة ما يَدُورُ بها بعيدًا عن الجانب الديني التي بُنِيت من
أجله.
أقول: مع التسليم له بكلِّ ذلك، فالمُواطِنة "كاميليا شحاتة" قد
أسلَمتْ بالفعل، وعمدت إلى الأزهر لتُشهِر إسلامَها وتتحرَّر من
السُّلطان الكهنوتي لتلك العصابة التي اختطفَتْها.
إذًا؛ فهي مُواطِنةٌ مصريَّة تابعةٌ للدولة والحكومة المصريَّة على
كلاَ الجانبين: الجانب الاسمي والجانب الفعلي؛ ففي الجانب الاسمي
ينبَغِي أنْ يكون جميعُ المواطنين في مصر خاضِعين لسلطة الدولة
والقانون، ولا أحد غير الدولة وأجهزتها يُمكِنه احتِجاز مُواطِنٍ ما
إلاَّ أنْ يكون هذا المحتجز أو الخاطف منظمة إرهابيَّة أو إجراميَّة
تُلاحِقها أجهزة الدولة.
وأمَّا الجانب الفعلي الذي يُعوِّل عليه الجلادون الخاطفون، وهو أنهم
"دولةٌ مستقلَّة" لا يأبهون لأحدٍ ولا يُبالُون بأحدٍ، وأنَّ لهم
سجونَهم وأسلحتَهم- ولا يبعد أنْ يظهر فيما بعد أنَّ لهم جيشَهم- فعلى
هذا التقدير أيضًا فالمُواطِنة "كاميليا شحاتة" قد انتهَتْ علاقتها
بدولة "وادي النطرون" بإسلامِها، وهي تابعةٌ الآن للدولة المصريَّة
والحكومة المصريَّة التي يتبَعُها أغلبيَّةٌ مسلِمة وأقليَّة قبطيَّة،
فليسَتْ من رَعايا الدولة الإرهابيَّة التي تدشن الأسلحة وتستَنجِد
بأمريكا، وتجلب السُّفن محملة بالمفرقعات والأسلحة من تلِّ أبيب،
وتتقوَّى بأقباط المهجر يَتظاهَرون في أمريكا- عند الحاجة- ضد الدولة
المصريَّة رئيسًا وحكومةً وشعبًا، ويطلبون قطْع المساعَدات وفرْض
العقوبات على "مصر" التي - بزعْمهم - لا ترضَخ رضوخًا كاملاً لمطالب
"دولة وادي النطرون".
إذا كان الأمر بهذه المثابة؛ أعني: أنَّ "كاميليا " أصبحت أسيرةَ
حربٍ عند الدولة النطرونيَّة، فما مصيرُها الآن؟ وما هو الحلُّ لهذه
الأزمة، أم لا حلَّ لها سوى نِسيان تلك الأسيرة كما نُسِيت أخواتها
"وفاء" و"عبير" و"ماريان"... إلخ؟
هل انتَصَر الجلاَّدون المتحجِزون لهذه الأسيرة في معركتهم؟
هل نَجَحُوا في إدارة الأزمَة نجاحًا كبيرًا يوم أنْ أدلوا ببعض
التَّصرِيحات التي تستَفِزُّ المسلِمين ليشغلوا الرأي العام المصري عن
هذه القضيَّة، ويحوِّلوا المعركة إلى ميدان آخَر؟
هل نجَحُوا عندما وظَّفوا أذرعهم الإعلاميَّة في التكتُّم عن الحقائق
وطمسها، أو جر الرأي العام إلى قَضايا جديدة لينسى قضيَّة
الأسيرات؟
هل علموا أنَّ الكلمة في مثل هذه القضيَّة ليسَتْ للجَماهير، بل هي
للحكومة، وهم قد استَضعَفُوها واستَرهَبُوها فأمنوا جانبها، وأنَّ
مظاهرات الجماهير سطحيَّة التأثير ما دامَتْ لم تدعمها الآلة
الإعلاميَّة مقروءة أو مرئيَّة؛ لذا فلن تُقدِّم ولن تُؤخِّر في الأمر
شيئًا؟
هل انتصَرُوا في المعركة يومَ اشتروا ذِمَمَ أصحاب أقلام يقولون
الباطل وينطقون بالإفك في أمر "كاميليا" وجلاَّديها ومنتَقِديهم، أو
في أحسن أحوالهم يَسكُتون عن الخوض في هذه القضيَّة بدعوى الحِفاظ على
الوحدة الوطنيَّة ودرء الفتنة الطائفيَّة؟
أم كان انتِصارُهم فيها قبل أنْ تبدأ يوم أنْ سَيْطَرُوا على
المنظمات الحقوقيَّة والمدنيَّة في مصر بأتباعٍ لهم صاروا لا يَعرِفون
حقوق الإنسان ولا تَعنِيهم قَضاياها؛ إلاَّ إذا كانَتْ مصادِمةً
للشريعة الإسلاميَّة، فعندها لا يَهدَأ لهم بالٌ ولا يقرُّ لهم قرارٌ،
بل يَكتُبون في الصُّحُف، ويستَعِينون بالمنظمات الدوليَّة،
ويُخاطِبون المسؤولين حتى تَرضَخ الجماهير المسلِمة لِمَطلَب نخبةٍ
علمانيَّة مطموسة البصيرة، ترى الباطل حقًّا والحق باطلاً، فتُنادِي
بتحريم الختان وتجريم تعدُّد الزوجات، ونحو ذلك من القَضايا التي
وقَفَتْ فيها تلك المنظَّمات التي تَزعُم أنها حقوقيَّة لتُحارِب
الشريعة السمحة الكاملة الخاتمة؟
هل يمكن لتلك المنظمات- سيما النسائيَّة منها- أنْ تتكلَّم بعد اليوم
في حقوق الإنسان أو حقوق المرأة؟ وكيف كان تَوصِيفها لاحتِجاز
"كاميليا" وأخواتها حيث سكتَتْ عنه؟!
امرأةٌ اتَّخذت قَرارًا بمحْض إرادتها فخطَفَها أناسٌ لا علاقةَ لهم
بها من قرابةٍ أو ولاية أو سلطة؛ فليسوا عائلتها، وليسوا جهاز أمنٍ في
دولتها يُلاحِق المجرِمين ويقبض عليهم، إذا سلَّمنا أنَّ كاميليا أو
أخواتها أجرَمنَ يومَ أردنَ الدخول في الإسلام.
فتحت أيِّ اسمٍ نظَرَتْ تلك المنظمات الانتهازيَّة لاحتِجاز عصابة
الكنيسة لكاميليا وغيرها، أم أنهم يرَوْن في العصابة دولة مستقلَّة،
فلها أنْ تقوم بما تقوم به الدُّوَل والحكومات؟!
وماذا لو قام الأزهرُ أو جماعةٌ دينيَّة إسلاميَّة بخطْف واحدة من
اللاتي تنصَّرنَ تحت إغراء الدولارات والوعود السخيَّة بالوظائف
وغيرها؟ هل كانت ستسكت تلك المنظمات على ذلك كسكوتها الآن أو عشر
معشاره؟!
فلتُغلِق أبوابها إذًا تلك المنظمات التي كانت تستَتِر بأنها
حقوقيَّة، وظهَرتْ حقيقتُها بأنها انتفاعيَّة وصوليَّة عميلة لجهاتٍ
غير شريفةٍ ولا نزيهةٍ.
وعَوْدًا على بدءٍ هل خسرنا قضيَّة "كاميليا" وقدَّمناها قربانًا
لرضا عصابة متهوِّكة متغطرِسة؟
هل ستنساها الجماهير المتعاطفة كما نسيَتْها الصحافة الأجيرة؟
هل ضاعَتْ للأبد تلك المسكينة المستضعَفة التي لم يُغنِ عنها
انحِيازها إلى ما يزيد عن سبعين مليون مسلم، يُمثِّلون أغلبيةً كاسحةً
في وطنهم الذي يُزعَم أنَّ الإسلام هو ديانته الرسميَّة؟!
هل كان من المتحتم أنْ تدفع تلك المسكِينة الثمنَ باهظًا على قولها:
"ربي الله"؟!
لكِ الله أيَّتها المسكينة، ثم لكِ الله، ثم لكِ الله!
- التصنيف:
mohamedabdelshaf
منذ