مسلكيات - (43) ال - لا - حزبية

منذ 2016-12-04

لقد دعوا إلى نبذ الجماعات الإسلامية ومحاربتها فانشغلوا بحربها عمن هو أولى بتلك الحرب منها، من المنافقين في الداخل، وصنوف الأعداء في الخارج.

الإنسان بطبعه يميل إلى من وافقه وينفر عمن خالفه، ولا يمكنه دفع ذلك بحال، وعنه تنشأ التكتلات البشرية الكبيرة منها والصغيرة.

وكلما انتقلنا إلى أطروحات فكرية أعمق وتفاصيل أدق اتسعت مساحة الخلاف ونشأت دوائر تكتلية أضيق. 
فالجماعة الكبيرة التي تجمعها أصول كلية واحدة، إذا أغرقت في الجزئيات تباينت لديها وجهات النظر ونشأ بين أبنائها الاختلاف، وهو بطبيعة الحال ظاهرة صحية تغذي الفكر وتثري الموضوع محل البحث، إذا ضبطت بالمعايير العلمية والأدبية. 

إن وجود الجماعات الإسلامية في ميدان العمل الإسلامي بهذه الرؤية أمر لا يمكن دفعه بل يجب تقبله مع العمل على إنضاجه وترشيده.
أما قولبة الأتباع وختمهم بطابع واحد ففيه تعطيل للقدرات وحجر على العقول ومصادرة للإبداع، وينتج عنه في الغالب ردات فعل عكسية من التابع على المتبوع، ولو بعد حين.

إن تشكل التيارات الإسلامية المختلفة في إطار الهدف الواحد والغاية النبيلة الواضحة، وهي دعوة الناس إلى ما تضمنه معنى الشهادتين، وإخضاع المجتمع إلى حكم الله وسلطانه، هو اختلاف في الوسائل والأولويات والموازنات، ومبنى ذلك على اختلافهم في المدارك والنظر، ثم تباينهم في الطبائع والأمزجة والميول الفطرية والنفسية والتربوية.
وكل ما تقدم يكشف لك عن حقيقة الدعوات التي تتجاهل هذه المسلمات وتريد أن تقفز عليها، بدعوتها لتوحيد الأفكار الجزئية والتنوعية.
فأعلنت عداءها وحربها على كل الجماعات الإسلامية الصالحة العاملة في الميدان، وأصبحت أداة تشتيت وتمزيق في الأمة وهي تريد جمعها على المستحيل.

لقد صار ذم الحزبية والتحذير منها بالمطلق على ألسنة هذه الفئة هاجسا لدعاتهم لا يكاد يخلو منه مقال أو خطبة أو درس، بمناسبة وبدون مناسبة.
ومستندهم في ذلك عامة النصوص الآمرة بالاجتماع، الناهية عن التفرق والنزاع.
فأسقطوا هذه النصوص على جميع الاجتهادات بما في ذلك ما كان ظني الدلالة، وأسقطوها كذلك على اختلاف الوسائل وهو حتمي. 

ويلزمهم من هذا تضليل جماهير الأمة من المدارس الفقهية المختلفة، بل تضليل السلف الصالح بما فيهم الصحابة الكرام، بل يلزمهم تضليل أنفسهم وجماعتهم بالضرورة.
لأنهم كذلك حزبيون وإن حاربوا الحزبية المقيتة عند مخالفيهم. 
ووقعوا في كل المحاذير التي نقموها من الآخرين.

لقد دعوا إلى نبذ الجماعات الإسلامية ومحاربتها فانشغلوا بحربها عمن هو أولى بتلك الحرب منها، من المنافقين في الداخل، وصنوف الأعداء في الخارج.
فانحاز إليهم من وافق منهجهم، فكان ماذا؟

كل من وافقهم في نبذ الحزبية قربوه وكل من خالفهم فيها أقصوه.

فكان ماذا؟

تكتل جديد يحارب كل الجماعات والأحزاب الإسلامية، وشعاره لا حزبية في الإسلام ، وصار له رموز يتعصب لهم، ثم مركز علمي باسم إمامهم يجمعهم ويعقدون فيه دوراتهم التي ترسخ فكرهم ومنهجهم. 
فأصبح ينطبق عليه في الحقيقة وصف الحزب وإن لم يشعروا، ويصدق عليه في نظري تسميته بحزب "اللاحزب".

جمال الباشا

مؤهلات الشيخ جمال بن محمد الباشا: ماجستير في القضاء الشرعي، دكتوراه في الفقه وأصوله، رسالة الدكتوراه في السياسة الشرعية، مدرس في أكاديمية العلوم الشرعية.

  • 2
  • 0
  • 1,690
المقال السابق
(42) التصالح مع الذات
المقال التالي
(44) نتكاملُ أو نتآكل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً