استهداف الموصل وحلب يضرب خاصرة الجزيرة
حذر فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر المشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم من خطورة ترك الميليشيات الشيعية في ممارسة إجرامها في مدينتي الموصل العراقية وحلب السورية، بما يتسبب في تهجير عشرات الآلاف منهما ضمن مخطط استهدف حتى الآن إخراج 13 مليون سني من ديارهم بالدولتين.
حذر فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر المشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم من خطورة ترك الميليشيات الشيعية في ممارسة إجرامها في مدينتي الموصل العراقية وحلب السورية، بما يتسبب في تهجير عشرات الآلاف منهما ضمن مخطط استهدف حتى الآن إخراج 13 مليون سني من ديارهم بالدولتين.
ولفت فضيلته إلى الأسباب الاستراتيجية التي دعت الغرب لتنفيذ هذا المخطط عبر أداته الإيرانية، التي أوضح علاقتها الوثيقة بالغرب وخدمتها لاستراتيجياته.
وألقى د.العمر باللوم على بعض الأعضاء السنة في البرلمان العراقي الذين أيدوا تقنين الحشد الطائفي الشيعي (الحشد الشعبي)، ووافقوا على تمرير قانون يقضي بضمه شكلياً إلى الجيش العراقي لإضفاء الشرعية عليه، منتقداً عجز هؤلاء عن فهم السنن الربانية بسبب بعدهم عن المنهج الشرعي الصحيح.
وأكد فضيلته أن الحشد ما هو إلا محاكاة لفكرة الحرس الثوري الإيراني وهو نموذج يطبق في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ونوه إلى السنن الكونية الربانية التي تحكم الأحداث، مبيناً توافق الدراسات الاستراتيجية الغربية والشرقية الصادرة مؤخراً معها في تفسير ما يجري وما يستشرف مستقبلاً.
حوار: موقع المسلم
معركة الموصل وحلب المتزامنتان الآن تستهدفان أكبر تجمع في الشمال العراقي والشمال السوري كيف تقرؤون هذا الاستهداف في ضوء التاريخ والسنن والواجب الشرعي؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد، فتقسيم الشام والعراق لدويلات طائفية للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني مخطط مرصود منذ سنين، وقد وضع له الغرب استراتيجية تقضي بهذا التقسيم على النحو الذي حذر منه صاحب كتاب الدويلات الطائفية الشيخ محمد سرور النايف رحمه الله الذي صدر في أعقاب الثورة الإيرانية قبل ثلاثة عقود، وما نراه الآن ليس إلا تطبيقاً لهذا الاستشراف المبكر، حيث وقع ما نبه إليه من دور رئيس سيناط بالباطنيين في تنفيذ هذا المخطط.
معركتا الموصل وحلب هما حلقتان بارزتان في هذه الاستراتيجية التي تقوم فيها إيران بدور كبير، وحينما نتحدث عن إيران نجدد ما قلناه بشأن هذا النظام الذي هو صنيعة للغرب، ولعلكم في موقع المسلم قد كتبتم عن الإعدامات التي كان ينفذها الخميني ضد معارضي الولايات المتحدة ويستثني عملاءها كرفسنجاني وغيره. هذا النظام الإيراني بات تحالفه مع الغرب في تقسيم المنطقة واضحاً على النحو الذي يدركه المؤمنون بالسنن الكونية وحقائق التاريخ، التي قادت دائماً إلى تبيان حقيقة خدمة الرافضة للقوى المعادية للإسلام، وها قد رأيناهم في الشام والعراق أيضاً يكررون ما فعلوه عبر التاريخ كطابور خامس للغزاة يتدثرون بحب آل البيت، يخادعون المسلمين بهذا، وهم أعداؤهم في كل موقعة وكل طريق. وقد مررنا بمرحلة تمهيدية بدا فيها الغلاة وهم يعبدون الطريق لهذا المخطط بطريقة مسرحية سواء في الاستيلاء المفاجئ على المدن السنية أم في الانسحاب المفاجئ منها، ثم جاءت الميليشيات لتكمل المخطط الذي يذهب ضحيته أكثر من 13 مليوناً من أهل السنة، تهجيراً وتهميشاً وتقتيلاً، وتعاود تكراره أينما حلت، مع أن كثيراً من الغلاة ينفذون أجندة غربية دون إدراك منهم لخطورة ما يفعلون، ونحن لا نحاكم الناس على نياتهم وإنما على عملهم.
معركتا الموصل وحلب لا تستهدفان تحقيق مخطط التقسيم والدويلات الطائفية فحسب، بل في قلب هذا المشروع يكمن الفصل التام بين تركيا والعرب لاسيما الخليج العربي ومنع أي حلف استراتيجي متصل مستقبلاً، فالغرب يبذل قصارى جهده من أجل إيقاف أي تحالف بين دول الخليج وتركيا من شأنه أن ينهض باقتصادهما وبقوتهما العسكرية وبحضورهما الاستراتيجي الإقليمي والدولي، وأيضاً تفيد المعركتان بريطانيا في تقديم ذاتها كحامية للخليج العربي، ويمنع تركيا من الاضطلاع بهذا الدور.. كذلك يعمل على جعل تركيا تنكفئ على ذاتها غارقة في وحل منع تقسيمها على أسس عرقية وطائفية، وينقل حدود الأمن القومي التركي إلى داخل الأناضول بعد أن كان دوماً يبدأ عند حدود حلب والموصل.
معركتا الموصل وحلب تستهدفان الوجود السني كله وتضرب خاصرة الجزيرة في مقتل، عبر ضرب أكبر مدينتين سنيتين في الشمال العربي، ويجرد السنة من معقليهما الأبرز في العراق وسوريا.
وإذا رجعنا إلى التاريخ القريب لاحظنا أن الغرب يكرر ما كان فعله أواخر زمن الخلافة العثمانية حين عمد إلى إطلاق ما يسمى بالثورة العربية الكبرى التي كان يحركها رجل المخابرات البريطاني لورانس من أجل الفصل التام بين العرب والترك ومن ثم إضعاف كليهما، وهذا ما حصل بالفعل، وهو ما يراد تكراره بحذافيره بإبعاد كلا القوتين إحداهما عن الأخرى.
وإذا رجعنا للتاريخ أيضاً وجدنا أن البريطانيين كانوا مستمسكين بنفوذهم في الخليج إلى أن أخرجتهم أمريكا منه جزئياً وها هم يسعون للعودة في ظل تراجع الأمريكيين.
ولكن مع هذا البلاء، وهذا المخطط المحكم إلا أنني متفائل بأنهم لن يصلوا إلى غايتهم، تماماً مثلما خطط الصهاينة لإقامة "إسرائيل الكبرى" ثم لم يصلوا إلى مرادهم برغم كل ما نفذوه منذ عشرات السنين؛ فصحيح أن رؤية زعيمهم بيريز فسرت "إسرائيل الكبرى" باتجاه آخر وهو الهيمنة وليس السيطرة على الأرض بالضرورة، لكن في النهاية هم لم ينجحوا في فرض تصوراتهم على نحو شامل، وتعرقلهم المقاومة الفلسطينية وما يسمى بالقنبلة السكانية الفلسطينية.
وإذا درسنا السنن وجدنا أننا ما زلنا في مرحلة الخسارة التي تعقبها الإفاقة والتحرك، وهذا العداء السافر سيفضي إلى هذه الإفاقة، التي ستنتبه معها الأمة وتسعى للعودة لمكانتها؛ فالأمة إذا صحت لن يستطيع كل هؤلاء الأعداء أن يقفوا أمام صحوتها. لكنها لن تصحو بين ليلة وضحاها، فلابد أن تمر بابتلاءات وتحولات، وقبل نحو عشرين عاماً تحدثت عن أن سلطة الشعوب ستظهر وتتراجع سلطة الدول، ونحن الآن نرى شيئاً من هذا، وقد نصل لمرحلة تفيق فيها الشعوب وتدرك المخاطر وتؤوب إلى ربها. نعم سنمر بمراحل صعبة لكن قد تكون الشعوب بحاجة إليها لتصحو من رقادها الطويل. وعلينا في خضم هذه المراحل الصعبة والابتلاءات ألا نضخم من قوة عدونا؛ فرغم كل ما يفعله إلا أن أهلنا صابرون، حتى من يلجأ منهم يقاوم هذه الابتلاءات، وعدونا يعاني هو الآخر من ترهل أنظمته كإيران التي قد تنفجر في أي لحظة من داخلها، وهو لا يستطيع أن يفرض أجندته بالسهولة التي يظن؛ فهو قد يدمر لكن لا يستطيع أن يبسط سيطرته على ما دمره بسهولة، وهو يدرك أن للشعوب صحوة وقدرتها على المقاومة لم تمت.
القضية لم تنته، والمقاومة لم تزل، وحتى من هجروا لا يستسلمون للتهجير، ولا ينبغي لهم أن يفعلوا، مثلما فعل إخوانهم الفلسطينيون فلم يزل الكيان الصهيوني منهم في قلق وتوجس.
أقول: نعم الثمن باهظ وموجع لكن لنتذكر قول الله سبحانه وتعالى لما ذكر في سورة إبراهيم {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} قال: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} فوعد الله قادم، لكن حين يرى الله منا ما يستحق نصرته لنا. والسنن لا تتبدل، لكنها بحاجة لوقت وبحاجة لسقوط هذه القيم الخاطئة التي عاش عليها الناس زمناً طويلاً. ومن يدرك السنن الكونية يقول بهذا ولا يستسلم لمقولة القائلين: كيف تتحدثون بهذا في هذا الوقت العصيب؟!
أُعلن مؤخراً عن تشكيل جيش التحرير الشعبي بحيث يصبح قوة طائفية جامعة تمتد عبر الحدود، ولعل رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي تحدث عن ذلك؛ فقال في تصريح عنصري لافت: "إننا قادمون يا حلب وقادمون يا صنعاء" بما يتجاوز حدود العراق مثلاً كذلك تم إقرار الحشد الطائفي المسمى بالحشد الشيعي في العراق ليكون بمثابة حرس ثوري عراقي كذلك شُكِّلَت الحكومة الموالية لإيران في اليمن السؤال ماذا تنتظر الدول السنية بعد كل هذا؟
نعم، أشاركك هذا التساؤل مع كل أسف؛ فقد كنا نتعجب حين نقرأ قصة التتري الذي كان يأتي بالمسلم زمن اجتياح التتار بغداد فيقول له انتظرني حتى آتي بالسكين لأذبحك! فيتسمر المسلم مكانه من شدة الرعب، حتى يعود التتري فيذبحه، إلى أن شاهدنا الدول تكاد لا تخالف كثيراً هذا السلوك؛ فقد حذر دعاة ومفكرون منذ اندلاع الثورة الإيرانية مما سنصل إليه الآن لكن لم يلتفت إلى شيء من هذا، بل إن الدول لم تكتف بالصمت بل اتجهت نحو إيران تقرباً منها مع أنها لم ولن تعطيهم إلا السيف، والآن تتكاثر التحذيرات ومنها تصريحات د.عبدالله النفيسي المحلل السياسي والخبير بالشؤون الإيرانية، وهي تصريحات واضحة وصريحة تحذر بشدة من تجاهل المخطط الإيراني وعدم اتخاذ خطوات وحدوية فاعلة جريئة حياله، ولا نرى تجسيداً لها في سلوك إقليمي يأخذ هذه المخاطر الكبرى بعين الاعتبار.
وبالنسبة لسؤالك عن جيش التحرير الشيعي، ليس إلا محاكاة لفكرة الحرس الثوري في إيران، والذي أنشأه الخميني لضمان ولائه التام له بخلاف الجيش الإيراني الذي لم يكن يضمن ولاءه كله. الأمر ذاته تفعله إيران التي تحكم العراق فعلياً الآن وكذلك تكرره في لبنان واليمن وسوريا، إذ إن طبيعة الجيوش في بلاد كالعراق واليمن وسوريا تحتم عليها ألا تقوم على أسس طائفية خالصة، فالجيش العراقي رغم سيطرة الشيعة عليه إلا أنه لا يمكن أن يكون شيعياً خالصاً ففيه سنة وشيعة، بعثيون وعلمانيون وما إلى ذلك، ولهذا جاءت فكرة الحشد الشعبي (الشيعي) الذي يقوم على أساس طائفي حيث لا يتمثل فيه غير الشيعة، ويعاد تكراره في بلدان أخرى، للوصول في النهاية إلى تكوين ميليشيات موحدة طائفية موحدة عبر الحدود تسمى جيش التحرير الشيعي. وفي العراق لكيلا يكون أشبه بميليشيا خارجة عن النظام، سعت إيران إلى إدماجه ظاهرياً في الجيش العراقي ليتم تقنينه عبر البرلمان.
لكن ليست إيران وحدها فقط هي من سعت لتنقنينه؛ فقد بادر بعض منتسبي السنة لتأييد هذا أيضاً، كيف تقرؤون هذا؟
مع كل أسف؛ فإن بعضاً من أهل السنة في البرلمان العراقي أيدوا قرار إدماج الحشد الشيعي في الجيش العراقي، صحيح أن هناك آخرين قد عارضوا لكن معارضتهم تبقى ضعيفة.
والمؤسف أن هؤلاء الذين أيدوا سبق أن انخرطوا في مؤسسات النظام بعد احتلال العراق مباشرة، وقد نصحناهم ونبهناهم في حينه، لكنهم لم ينتصحوا ولم يستفيدوا من التاريخ ولا من السنن، ومرد هذا إلى أنهم لم يلتزموا المنهج الشرعي الصحيح في أصل دعوتهم وتجمعهم، ولو كانوا قد التزموه ما وضعوا أيديهم في أيدي الاحتلال وأعوانه الطائفيين، بل لما أصبحوا أداة من أدواتهما.
وسوء التقدير هذا لم يقتصر على هذا الجانب وحده، فمنذ البداية، وهناك خلل في تقدير الأمور، ودراسة القضية في ضوء المنهج الشرعي، وفهم الواقع ومآلات الأمور بشكل صحيح، خذ مثلاً عملية إسقاط صدام حسين، نعم لقد كان مستبداً وأجرم بحق أمته، بغض النظر عن خاتمته، فقد نطق الشهادتين قبل إعدامه، هذا أمر آخر، ونحن لا نتحدث عن مآله في الآخرة فأمره إلى الله، ونطقه الشهادتين قبل إعدامه له حكمه الشرعي، لكن الذين ساهموا في إسقاطه لم ينتبهوا إلى مآلات الأمور وإلى البديل المتاح، فلم يكن البديل الذي رغب به الاحتلال سنياً ولا حتى حكومة توافقية، بل كان نظاماً طائفياً إيراني الحكم والنفوذ، ولذا إذا كان لك مبرر في المساهمة في إسقاط نظام صدام، فكان عليك أن تعلم وترصد ما هو البديل؛ فلقد كان بديله الذي ارتضاه الاحتلال أخطر منه بكثير. كان صدام عدواً مؤقتاً أما من خلفه فهم نظام وعقيدة خطيرة وممتدة الأثر، وهذا الذي لم تدركه الدول العربية في حينها، فترتب على هذا مزيداً من الضعف، وتسليم أعناقها لعدوها، وسوف يأكلها واحدة تلو الأخرى إن لم تستيقظ تلك الدول وتتخذ فعلاً يستند إلى قوة، وهم لن يجدوا قوة بعد الاعتماد على الله جل وعلا إلا في شعوبهم الصادقة المخلصة وليس في النفعيين أو في دول الغرب أو مدعي الوطنية كذباً وزوراً.
وها هي الدول الغربية تكشف عن أنيابها، فانظر كيف أصبح ترامب يهدد دولنا ويهدد المسلمين بتهديدات خطيرة وصريحة. وبخلاف من سبقوه فقد جاء ترامب بخطاب واضح في عدائه وتسلطه؛ فإن لم تصحُ الدول الإسلامية وتستفيق الشعوب بعد هذا العداء السافر والتهديدات الواضحة؛ فستجري عليهم سنن الله، وستذهب دولهم كما ذهبت غيرها عبر التاريخ، ومن يدرس السنن يدرك هذا جيداً، ومن يتابع نتائج الدراسات الإستراتيجية في الغرب والشرق سيجد هذه النتائج أيضاً متوافقة مع هذه السنن، حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء، ورد كيد الكائدين في نحورهم، ووفق ولاة الأمور لما فيه صلاح دينهم وحماية بلادهم وتحقيق الأمن لشعوبهم.
- التصنيف:
- المصدر: