تفتيش جوال الزوجة والأولاد

منذ 2017-01-29

المسلم مَنهيٌّ عن تتبُّع عورات المسلمين ومَعايبهم.

ملخص السؤال:
سائل يسأل عن حقِّ الزوج في التفتيش في هاتف الزوجة والأولاد.

 تفاصيل السؤال:
هل مِن حقِّ الزوج التفتيشُ في هاتف الزوجة والأولاد؟ وماذا لو رفضَت الزوجةُ أن تعطيَ الهاتف لزوجها؟ وماذا عن حق الزوج حينئذٍ؟
 

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فلا يخفى عليك أيها الأخ الكريم أن الإسلام حافَظ على خصوصيات الناس؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «مِن حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يَعنيه» (رواه الترمذيُّ)، ولا فارقَ في هذا بين أن تكونَ تلك الأمور الخاصة للزوجة أو الزوج أو الأبناء؛ فللجميع الحقُّ في إخفاء ما لا يَظهر، ولا يَلزم الزوجة إعطاءُ الجوال أو جهاز الحاسوب أو غيرهما مِن متعلِّقاتها الشخصية لزوجها ليفتِّش فيها، وكذلك جوال الأبناء، فلا يسأل أحد عن خصوصياته إلَّا إذا دعَتْ مصلحةٌ راجحة؛ كأن يَعلم الأبُ مثلًا أنَّ لأبنائه علاقاتٍ محرمة، أو أن زوجته تُسيء استخدام الجوال أو مواقع التواصل الاجتماعي، وما أشبه ذلك؛ مِن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا مِن تمام ولاية الأب والزوج التي تُوجب عليه إذا عَلِم عن أيِّهما شرًّا التحقُّق وردعهم عن المنكر، وهو أَوْلَى مِن المحتسِب الذي جوَّز له العلماءُ البحثَ والكشف عن مرتكب المعصية.

أما إذا لم تكنْ ثَمَّ رِيبة فلا تَزال الحواجزُ حول الخصوصيات في أيِّ علاقة إنسانية، وطولُ العِشْرة وشدة القرب لا يزيلان الحواجز حول بعض الخصوصيات والعادات الخاصة جدًّا المتعلقة بطبيعة كل إنسان، وهذا شيءٌ يَعرفه المرء من نفسه وغيره، خصوصًا والجوَّالات الذكية Smartphone التي غالبًا ما تَحتوي على خصوصيات لغير أصحابها؛ كصور الصديقات والأقارب، وما لا يجوز للزوج الاطلاعُ عليه، أو بعض المجموعات المغلقة على مواقع التواصل، والتي لا يحقُّ للزوج أيضًا الاطلاع عليها، إلى غير هذا مما يعرفه الناس.

فالزوجانِ مهما كان قريبَيْنِ مِن بعضِهما فلا يمنع أن كلًّا منهما له خصوصياته التي يجب احترامها، والمودَّة إنما تَدوم كلما كانتْ هناك مسافةٌ بين الزوجين لا تُتَجاوَز، وتخطِّي تلك المسافة وعدمُ احترام الخصوصيات كثيرًا ما يُفضي إلى الشكِّ والغيرة الزائدة عن الحد، ثم يَدفعان إلى التجسُّس، وكل هذا مُضرٌّ بالعلاقة الزوجية، التي تُبنى على الثقة المتبادَلة وحُسن الظن في شريك الحياة، وحملِ أموره على الكمال، كما تُبنى على المودة والرحمةِ، والتفاهم والترابط والأُلفة، والتجاوز عن الهفوات، وكذلك الحال بالنِّسبة للأبناء؛ كلما أُعطوا الثقةَ الكافية كانت العلاقاتُ الأسرية رائعةً.

وتذكَّر أيُّها الأخ الكريم أنَّ المسلم مَنهيٌّ عن تتبُّع عورات المسلمين ومَعايبهم، والبحث عمَّا يُخفون منها، كما أنه منهيٌّ عن التطلع إلى خصوصيات الآخرين، أو التجسس عليهم استجابةً للظنِّ السوء؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:12]، وفي الصحيحين يَروي أبو هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إيَّاكم والظنَّ؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تجسَّسوا، ولا تحسَّسوا، ولا تباغَضوا، وكونوا إخوانًا»، ورَوى أحمدُ وأبو داود عن أبي بَرْزة الأسلميِّ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ مَن آمَن بلسانِه ولم يَدخُل الإيمانُ قلبَه، لا تَغتابوا المسلمين، ولا تتبَّعوا عوراتهم؛ فإنه مَن يتبع عوراتهم يتبع الله عورتَه، ومن يتبعِ الله عورته يفضَحْه في بيته».


وبيَّن النبي صلى لله عليه وسلم الحكمةَ من النهي عن تقَحُّم خصوصيات الغير، وأنه قد يؤدِّي إلى إفساد مَن ظنَّ به السوء فيَفْسد؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّك إن اتبعتَ عوراتِ الناس أفسَدتَهم أو كِدتَ تُفسِدهم» ( رواه أبو داود).

وفي الختام، أدعوك سلَّمك الله لأن تقف وقفة متأمِّل للحديث الشريف المخرج في الصحيحين عن جابر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَطرُق الرجلُ أهلَه ليلًا يتَخوَّنهم، أو يلتمس عثراتِهم.

أصلَح الله بيوتَ المسلمين، وجعَلها واحةً للخير.

 

الشيخ خالد بن عبد المنعم الرفاعي

  • 9
  • 2
  • 29,618

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً