إنما الأعمال بالنيات
ما هو ميزان الدينا في قلبك؟! أسأل نفسك هذا السؤال وجوابه بصراحة شديدة! احذر أن تملك قلبك الدنيا، فنحن لم نخلق لتلك الحياة، ولكن للآخرة والجنة! فلا تنشغل بما خلقه لك عما خلقت من أجله! {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:٩].
لفظ الحديث
وعَنْ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ أبي حفْصٍ عُمرَ بنِ الْخَطَّابِ بْن نُفَيْل بْنِ عَبْد الْعُزَّى بن رياح بْن عبدِ اللَّهِ بْن قُرْطِ بْنِ رزاح بْنِ عَدِيِّ بْن كَعْبِ بْن لُؤَيِّ بن غالبٍ القُرَشِيِّ العدويِّ . رضي الله عنه، قال: سمعْتُ رسُولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ «إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى، فمنْ كانَتْ هجْرَتُهُ إِلَى الله ورَسُولِهِ فهجرتُه إلى الله ورسُولِهِ، ومنْ كاَنْت هجْرَتُه لدُنْيَا يُصيبُها، أَو امرَأَةٍ يَنْكحُها فهْجْرَتُهُ إلى ما هَاجَر إليْهِ» (متَّفَقٌ على صحَّتِه).
المعنى
هذا الحديث هو ميزان الأعمال الباطنة كلها، فهو يؤسس لكيف تكون النية المخلصة لله عزوجل.
من المعاني التي يتناولها الحديث:
1. ما من عمل بلا نية.
2. نتيجة العمل «وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى»، فإن كانت نيتك الله عزوجل الآخرة، حصل لك ذلك لقول الله عزوجل {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء:19]، وإن نويت الدنيا، فهي قد تأتي ولا تأتي أبدًا، لقول الله عزوجل {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ} [الإسراء من الآية:18]، قال الله عجلنا له فيها ما نشاء ولم يقل عجلنا له ما يريد، فهذا قد لا يحصل على ما يريد وخسر في آخرته!
3. النية هي ميزان الأعمال الباطنة، أما الأعمال الظاهرة فميزانها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».
4. في الحديث حدث النبي صلى الله عليه وسلم على 3 أنواع من الهجرة؛ هجرة الرجل من دار كفر لدار إسلام ليظهر دينه ويقيمه، فهي هجرة لله ولرسوله، فهجرته لله ولرسوله، وهجرة الرجل من دار كفر لدار إسلام من أجل مال أو دنيا، وهجرة الرجل من دار كفر لدار إسلام ليتزوج، فهجرته لما هاجر إليه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم فهجرته لدنيا أو أمرأة ينكحها، تحقيرًا لشأن الدنيا.
5. في شرح الحديث للشيخ العثيمين قسم الهجرة إلى 3 أقسام:
القسم الأول: هجرة مكان: وهي على 3 أوجه:
- هجرة واجبة: وهي هجرة المسلم من دار الكفر الذي لا يستطيع أن يظهر فيها دينه ولا يأمن على دينه فيها، إلى دار إسلام.
- هجرة مستحبة: وهي هجرة المسلم من دار الكفر (وهو من أهل تلك البلد) ويستطيع أن يظهر فيها دينه ويأمن على نفسه فيها، إلى دار إسلام.
- هجرة لا تجوز: وهي هجرة المسلم من دار إسلام إلى دار كفر! فيضيع دينه بعرض من الدينا! ولا يستطيع فيها أن يقيم دينه ولا يظهر شعائره ولا حتى أن يربي نشأه المسلم على الإسلام! وللأسف انتشر هذا الأمر كثيرًا!
والأمر ليس على الهجرة فقط، ولكن أيضًا السفر للسياحة في تلك البلاد! فكل هذا يصب في مصلحة تلك البلاد، وإنما أمرنا بعكس ذلك! يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة من الآية:123]، {لَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة من الآية:120]، فالكافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين.
وأجاز العلماء السفر لبلاد الكفر بـ 3 شروط:
- يكون له دين يعصمه من الشبهات التي سيلقاها في هذا الدار، فأن كانت تعرض الشبهات علينا ونحن في وسط المسلمين في بلاد المسلمين، فكيف في خارجها! وفي وسط بلاد تحارب الله ورسوله فتحرم ما يحله الله وتحلل ما يحرمه!
- يكون له دين يعصمه من الشهوات، فتلك البلاد يكثر فيها المعاصي والفسوق.
- تكون لحاجة، ولا وجود لتحقيقها في بلاد الإسلام.
القسم الثاني: هجرة عمل:
أن تهجر كل عمل نهى الله عنه، في نفسك، وفي ما يتعلق بحدود الله ومحارمه، وما يتعلق بالآخرين، فلا تشتم أحدًا، ولا تسب أحدًا، ولا تعق والديك، ولا تظلم أحدًا.
القسم الثالث: هجرة عامل:
هي أن تهجر المجاهر بمعصية لله عزوجل، إن كان في هجره زجر له، وسيجعله ذلك يتوب ويعود إلى ما أمر الله عزوجل، وترك معصيته.
التطبيق
1. قف قبل أي عمل لثوان، اجمع عليك قلبك، واستحضر نيتك، ولن يكون ذلك إلا إذا استحضرت أهمية النية ومراقبتك لله عزوجل في كل عمل، وكيف تثقل ميزانك.
2. كن دائمًا مبادرًا، فإن كنت تقوم بعمل في جماعة، فذكر الناس بالنية، وأجعلها دائمًا أول ما تتحدث فيه، فإن اجتمعتم على طاعة أو ذكر الله عزوجل أو أي عمل صالح، فذكر بالنية والإخلاص في القول والعمل، تستطيع ذلك أن تذكرهم قولًا، ترسل لهم رسالة، أو تكتب على بطاقة نوايا مختلفة للعمل وتوزعها على من حولك.
3. ما هو ميزان الدينا في قلبك؟! أسأل نفسك هذا السؤال وجوابه بصراحة شديدة!
احذر أن تملك قلبك الدنيا، فنحن لم نخلق لتلك الحياة، ولكن للآخرة والجنة! فلا تنشغل بما خلقه لك عما خلقت من أجله! {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:٩].
فإن تطلعت للدنيا، ستبحث كيف تزيد حرثك منها! ستفتح عليك أبواب من الشهوات والغفلة، ولكي تزيد نصيبك منها قد تقع في المحرمات! فإن كنت تريد شراء شيء لا تملك ثمنه، وجدت نفسك تبحث عن طرق كسب قد تجد الطريق في حرام! أو قد تجد الطريق في أن تستدين بالربا فيمحق الله في حياتك كل بركة، وهذا عاقبتها في الدينا فقط! يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"، فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.. السؤال كم تساوي عندك؟ اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا.
4. قبل أن تأخذ قرارًا لسفر ما، أنظر أولًا في مشروعية هذا السفر! وطبق ما ذكره العلماء في الهجرة على هذا السفر، فإن وجدته لله ولرسوله، هَنِيئاً لك.. وإن لم يكن فامتثالًا لأمر الله عزوجل، اتركه لله، ومن ترك شيئًا لله، أبدله الله خيرًا منه.
5. في وسط كثرة الشبهات التي تعرض علينا الآن داخل بلادنا، وجب على كل مسلم أن يحفظ على نفسه دينه بأن يتعلم ما لا يسعه جهله، وهناك الآن الكثير من الجهات التي تقدم دورات في العلم الشرعي فيما لا يسع المسلم جهله ومن تعذر له الحضور، فهناك أيضًا أكاديميات ودورات على الشبكة لمن يريد، لأهل العلم من أهل السنة والجماعة.
6. قبل أن تقوم بأي عمل، قف وتفكر، هل هو عمل فيه طاعة لله ولرسوله؟ أم فيه معصية ونهيًا عن فعله؟ فإن وجدت فيه نهي فامتثل لأمر الله عزوجل واهجره.
7. انظر لعملك، انظر لحقيقته قبل صورته! هل أنت تريده عمل خالص لله عزوجل؟ أم أنك تبحث عن حظ نفسك فيه؟ يقول ابن القيم: "ليس الشأن في العمل، إنما الشأن كل الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه ومعرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها، ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد، ويحرص على عمله ويحذره" (الوابل الصيب).
7. إن وجدت فيمن تعرف من أهلك أو أصحابك أو معارفك، من يجاهر بمعصية الله عزوجل، وعلمت فيه خيرًا إن هجرته تاب ورجع، فاهجره، ولنا في قصة الثلاث الذين خلفوا عبرة وفائدة، وهكذا إن وجدت بائعًا يطفف فأهجره.
- التصنيف:
- المصدر: