حتى لا يضيع دم الشباب

منذ 2011-02-10

كانت مصر على موعد مع القدر يوم الثلاثاء الموافق 25/1/2011 م، فقد خرج مئات الآلاف في ثورة غير مسبوقة على نظام الحكم الفاسد، وعبر تواصل المظاهرات والاعتصام وتماسك الصفوف والتوحد خلف مطالب أساس لا يمكن الالتفاف حولها ...


كانت مصر على موعد مع القدر يوم الثلاثاء الموافق 25/1/2011 م، فقد خرج مئات الآلاف في ثورة غير مسبوقة على نظام الحكم الفاسد، وعبر تواصل المظاهرات والاعتصام وتماسك الصفوف والتوحد خلف مطالب أساس لا يمكن الالتفاف حولها وتحول مئات الآلاف لعدة ملايين بعد أيام قلائل، سقطت شرعية النظام مما اضطر كثيرا من الدول المؤثرة في السياسة العالمية والتي كانت متحالفة مع نظام الحكم أن تظهر تخليها عنه، وبدأ النظام يتهاوى تحت مطارق المظاهرات عبر اتخاذ خطوات تظهر الاستجابة لمطالب الشباب بدأت بإقالة الحكومة ثم تعيين نائب لرئيس الجمهورية ثم إعلان الرئيس أنه لن يترشح لفترة قادمة، والإعلان عن تعديل دستوري خاص بالمواد التي تحدد شروط من يريد الترشح لرئاسة الجمهورية، أملا في الالتفاف على مطالب شباب الثورة، وتلا ذلك استقالة أو إقالة الأمين العام للحزب الوطني الحاكم وكذلك استقالة أو إقالة أمين لجنة السياسات (ابن الرئيس) الذي كانت كل الدلائل تشير بوضوح إلى أنه يُعد ليكون الرئيس القادم، وبعد قليل استقال أعضاء المكتب السياسي للحزب الوطني بأكمله، لكن المطالب الأساسية: حل البرلمان بغرفتيه (مجلس الشعب ومجلس الشورى) وإلغاء قانون الطوارئ واستقالة الرئيس أو تنحيه، لم يتم الالتفات إليها وإمام إصرار شباب الثورة على تلك المطالب وعدم انخداعهم بتلك التنازلات التي لا تمس جوهر القضية بدأ النظام العمل على إجهاض الثورة من خلال عدة محاور:


المحور الأول: التشكيك في الشباب القائم بذلك وتشويه صورتهم، حيث روج النظام من خلال رموزه أن المتظاهرين ينفذون أجندة خارجية وأجندة إخوانية، وأنه قد اندس بينهم المفسدون، بل واتهمهم بتهم أخلاقية يعف اللسان عن ذكرها من خلال الإعلام الموالي لهم، وهذا يشكك في مصداقيتهم في أعين مواطنيهم ويقدح في دوافعهم مما يفقدهم التعاطف الشعبي، رغم أن النظام قبل غيره يعلم ويوقن بطلان هذه المزاعم وليس عنده من دليل واحد يثبت ذلك.


المحور الثاني: المراهنة على عامل الوقت على أساس أن إطالة أمد المظاهرات والاستجابة لقضايا جزئية في ظل الإصرار على عدم التجاوب مع المطالب الأصلية، قد يدفع الشباب إلى اليأس من حدوث تقدم في مطالبهم الأساس وعدم قدرتهم على الاستمرار في ظل التكلفة العالية التي يؤديها الشباب، نظرا لتركهم أعمالهم وابتعادهم لفترات طويلة عن أهليهم، ومن ثم تهدر الجهود وتجهض الثورة ويخبو الأمل وتنطفئ الجذوة ونعود كما كنا.


المحور الثالث: الانفلات الأمني -وقد كان هذا الخيار في أول الأمر- الذي حول البلد إلى غابة يفترس فيها القوي الضعيف وأشاع فيهم الخوف الشديد لكن لعله قد تبين لهم أن خطورة هذا الأمر ليست قاصرة على المتظاهرين بل تمتد لتشمل النظام أيضا وربما كانت الخطورة على النظام أشد وهذا ما يفسر تراجع النظام عنه سريعا خاصة أن الشباب قد سيروا لجانا شعبية في غالبية المدن لضبط الأمن وهو مما أعطاهم خبرة تضاف إلى فقه التظاهر، في الوقت الذي زادت فيه هذه اللجان الشعبية من التلاحم بين الشعب والشباب كما أعطاهم هذا الثقة في استغنائهم عن جهاز الأمن الرسمي وعدم حاجتهم إليه .


المحور الرابع: تفتيت كلمة المتظاهرين وإحداث الفرقة بينهم، وذلك عن طريق الدعوة إلى الحوار مع المعارضة بعد إطلاق الدعوة للحوار رجع النظام وأعلن أنه لن يتحاور إلا بعد فض الاعتصام وفي الجانب المقابل أعلن الشباب في عزم وتصميم أن لا حوار قبل رحيل الرئيس وأمام تصارع الإرادتين: الإرادة التي تعتمد المواقف المبدأية والإرادة التي تعتمد المناورات السياسية، صمدت إرادة الشباب وأصروا على عدم الحوار إلا بعد رحيل الرئيس، بينما التف الفريق الثاني على ذلك الأمر وبدأ حوارا مع أحزاب المعارضة الهشة التي لم يكن لها يوما تأثير على مجريات العمل السياسية -باستثناء "الإخوان المسلمون"- كثير منهم يحاول الفوز بنصيب من كعكة النظام المتهاوي ولذلك وجدنا منهم من يبادر ويستبق الآخرين في الجلوس لمائدة المفاوضات علها تشفع لها ويعطيها المكانة لكن من المتحاورين من قال لا يمكن أن نتجاوز مطالب الشباب مع أن الشباب يصرحون أنهم لم يفوضوا أحدا بالحديث عنهم.


ومما يخشى منه من هذه الحوارات قبل رحيل الرئيس أن يتمكن النظام بوسائل الخداع واللف والدوران التي يجيدها من شق وحدة الصف ويغرقهم في كثير من التفصيلات التي تطغى على المطلب الأساس، لذا فقد يكون من الحكمة التمسك بمقولة أنه لا مفاوضات إلا بعد رحيل الرئيس لأن وجوده يمثل خطرا حقيقيا على حرية الشعب ومصالحه الحيوية، مع الاستمرار في التظاهر والاعتصام وينبغي لمن بدأ التفاوض ألا يطعن الشباب في الخلف وألا يكون سببا في إهدار دماء الشرفاء الذين سقطوا برصاص البغي والطغيان فعليهم ألا يقعوا في فخ الحوار المفتوح الذي تضيع فيه الأوقات وتفقد حركة الشباب والشعب من خلفها زخمها ويجعلوا للحوار هدفا لا يتزحزحون عنه وهو رحيل الرئيس كما يجعلون له أمدا زمنيا لا يزيد عن ثلاثة أيام ثم يعلنون للعامة ما وصلوا إليه من التحاور بكل أمانة وصدق.


بقي الجيش لم يقل كلمته بوضوح حتى الآن وقد يكون هناك انقسام بين كبار القادة حول الموقف الذي ينبغي اتخاذه، فعلى الشباب ألا يستعدوا هذه المؤسسة في نفس الوقت الذي يحترسون فيه منها.

اللهم احفظ مصر وشعبها والمسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها من كل سوء... اللهم آمين.
 

محمد بن شاكر الشريف

باحث وكاتب إسلامي بمجلة البيان الإسلاميةوله عديد من التصانيف الرائعة.

  • 0
  • 0
  • 2,464

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً