التيار الإسلامي بعد الثورة
منذ 2011-03-10
الثورة المصرية عانى التيار الإسلامي لفترة طويلة في البلاد العربية
التي شهدت مؤخرا ثورات شعبية مثل مصر وتونس وليبيا، وتم التضييق على
هذا التيار بمختلف اتجاهاته واستغلت السلطة بعض أعمال العنف التي قام
بها محسوبون على هذا التيار لتشويه التيار كله
الثورة المصرية عانى التيار الإسلامي لفترة طويلة في البلاد العربية
التي شهدت مؤخرا ثورات شعبية مثل مصر وتونس وليبيا، وتم التضييق على
هذا التيار بمختلف اتجاهاته واستغلت السلطة بعض أعمال العنف التي قام
بها محسوبون على هذا التيار لتشويه التيار كله واتهامه "بالإرهاب"،
وشنت الاجهزة الامنية في هذه الدول حملات قمع واعتقال استهدفت عناصر
هذا التيار ولفقت قضايا متنوعة لقياداته وقدمتهم لمحاكم استثنائية
لإرهاب الناس من الاقتراب منه، كما أطلقت حملة إعلامية منظمة شملت
مسلسلات وأفلام وبرامج حوارية جمعت فيها كل ما يخطر في البال من مسالب
ومساوئ وألصقته بهذا التيار، كما نظمت حملة على مناهج التعليم
لإفراغها من محتواها الديني بدعوى تجفيف منابع "الإرهاب".
وكان لبعض هذه الأساليب ردود فعل عكسية حيث شعر الكثير من الناس
بنوع من الاستخفاف بعقولهم كما أدى تجفيف المنابع إلى زيادة التعطش
عند
الشباب لتعلم دينهم والسؤال عن أموره من خلال اللجوء لمواقع
الإنترنت والقنوات الفضائية.. في نفس
الوقت وعلى الصعيد السياسي حظرت
هذه الانظمة على هذه التيارات المشاركة في العملية السياسية بشكل علني
وفرضت عليها التخفي تحت لافتات أخرى أو المشاركة من خلال التحالف مع
أحزاب علمانية، كما تعمدت تزوير الانتخابات ضد العناصر البارزة من هذا
التيارات حتى لا تصل أصواتهم للجماهير، وخوفت الأقليات الدينية منهم
وادعت أنهم سيذبحونهم إذا وصلوا للحكم، كما أوهمت الغرب أن هذا التيار
سيعلن الحرب عليه ويدعم تنظيم القاعدة إذا تمكن من الفوز بالانتخابات،
وفي ظل هذه الاساليب البوليسية والدعاية المضللة وقع ما لم يكن في
حسبان هذه الأنظمة حيث اندلعت ثورات شعبية عارمة تمكنت من إسقاط بعض
هذه الانظمة وأوشكت أن تطيح بالباقي، وقد أدى سقوط هذه الانظمة إلى
عودة التيار الإسلامي إلى منابره بل أدت إلى حدوث تطور نوعي في تفكير
بعض هذه التيارات التي كانت ترى البعد عن العمل السياسي حيث بدأت تفكر
في تكوين حزب والمشاركة في الحياة السياسية مثل بعض الاتجاهات
السلفية، وقررت جماعة الإخوان في مصر تكوين حزب سياسي وكانت مترددة في
ذلك من قبل، كما حصلت حركة النهضة في تونس على ترخيص بالعمل السياسي
بعد سنوات طويلة من المنع..
إن الحريات التي اكتسبتها الشعوب بعد زوال الخوف من الانظمة
القمعية ستتيح للتيار الإسلامي أن يقدم نفسه بشكل أفضل بعيدا عن
الدعايا المضادة كما أنها ستكون أفضل برهان على تخلي بعض التيارات عن
استخدام العنف وتبنيها للدعوة السلمية، وستكون أيضا اختبارا صعبا
لكيفية تعاطي هذه التيارات مع الاوضاع الجديدة وكيفية تعاطيها فيما
بينها وهو ما يراهن عليه فريق من العلمانيين الذين يتوجسون خيفة من
حصول الإسلاميين على حرية الحركة وإمكانية تقليص المساحة التي حصلوا
عليها في زمن الانظمة القمعية التي منحتهم أرضا أكبر مما يستحقون
نكاية في الإسلاميين، وخصوصا على الساحة الثقافية التي شهدت تناميا في
صعود رموز علمانية متطرفة وجهت سهامها ضد الإسلام وثوابته بصورة
استفزازية.
لقد جاء الوقت الذي ينبغي على الإسلاميين أن يتجاوزوا الكثير من
خلافاتهم وأن ينظموا صفوفهم وأن لا ينشغلوا بالرد على بعضهم البعض،
وأن تكون السنوات العجاف التي مروا بها أكبر دافع لهم على شحذ جهودهم
للاهتمام بالقضايا والاهداف الكبرى التي تتفق عليها جميع الاتجاهات
مثل نشر
الدعوة بين جموع الناس بالحكمة والموعظة الحسنة وتنمية
المجتمع وإعادة البناء على أسس العدل وقيم الإسلام النبيلة. إن الحرية
مثلما هي نعمة فهي قد تكون نقمة إذا لم يتم إحسان استغلالها والانشغال
بقضايا هامشية والتناحر فيما بين الإسلاميين بعضهم بعضا أو فيما بينهم
وبين بعض العلمانيين على قضايا صغيرة يشغلونهم بها للإيقاع بينهم وبين
الجماهير، أو سحب بعضهم للعودة لاستخدام العنف من جديد.
4/4/1432 هـ
المصدر: خالد مصطفى - موقع المسلم