الجامع الأموي ليس الميدان يا بائع الجولان
مظاهرات أمام الجامع الأموي ليس غريباً على النظام الفاشستي الحاكم في دمشق أن يحاصر الجامع الأموي بقدسيته ورمزيته، ويعتقل الآمنين من ساحته، ويرهب المسالمين في محيط المسجد العمري بدرعا..
مظاهرات أمام الجامع الأموي ليس غريباً على النظام الفاشستي الحاكم
في دمشق أن يحاصر الجامع الأموي بقدسيته ورمزيته، ويعتقل الآمنين من
ساحته، ويرهب المسالمين في محيط المسجد العمري بدرعا، وأن يجهز
جلاوزته على جريحين في مشفى إثر مظاهرات سلمية بالسكاكين، وأن يعتقل
طلاب الرابعة الابتدائية في دمشق، ويقتل بدم بارد في درعا ويسير
دباباته ومدرعاته إلى تلك المنطقة.
ولا جديد في قتله بعض المعتقلين وفي إطلاقه النار على المسيرات
السلمية في درعا وغيرها، ولا إلقائه القبض على المئات من المتظاهرين
السلميين وتعريضهم لأنواع العذاب التي ألفها المناضلون دوماً في "فرع
فلسطين" وغيره من مسالخ المخابرات السورية العتيدة.
الجميع يعرف أن النظام الفاشستي الرجعي في دمشق قد اختزل سوريا
الإسلام والعروبة والتاريخ العريق في دولة وظيفية تحمي الكيان
الصهيوني منذ أن سلم الأب الجولان في العام 1967 إلى أن باعها الابن
لـ"إسرائيل" منذ أحد عشر عاماً مضت، وسلم بقية البلاد إلى إيران، تحت
لافتة "الصمود والتحدي"، واختصر جهاز الدولة كله في جهاز استخباري ضخم
يتضاءل أمامه الجيش السوري إلى الحد الذي يجعله غير قادر إلا على
مساندة هذا الجهاز الدموي في قمع المعارضين من كافة الأطياف ووأد
تحركاتهم الحرة السلمية، وهو ما برز مباشرة في امتشاق هذا الجيش لكامل
أسلحته وعتاده في هذه الثورة العظيمة، من دبابات ومدرعات وحوامات،
لاستعادة شيء من "أمجاد" الأب والعم اللذين "نجحا" في قتل نحو 70 ألف
سوري ـ طبقاً لرواية الناشط الحقوقي هيثم المالح ـ في أكبر مجازر
القرن الماضي والتي تتضاءل أمامها كل جرائم الكيان الصهيوني ذاته ضد
الشعوب العربية مجتمعة.
إنما الجديد في كل ما نشاهده هو لدى هؤلاء الأماجد العظماء الذين
تحدوا كل هذه الآلة القمعية الرهيبة بصدور عارية ونفوس عالية وسواعد
قدت من حديد وعزائم من الفولاذ في أعظم الملاحم التي يسطرها الشعب
السوري رافضاً هذا الجبروت والتسلط المستمر على مدى اقترب من نصف
القرن، متنسماً عبق الحرية الغائب عن سماء هذا البلد العريق.
إنها اللحظة قد حانت لأن يقول السوريون كلمتهم في هذا النظام الزئبقي
الفاسد الذي رهن سوريا الإسلام إلى غيره، والعروبة إلى الفرس، وارتضى
أن يقزم دور سوريا المحوري الكبير في دور وظيفي إيراني يجعل الأنباء
التي تحدثت عن عبور ثلاثة آلاف من عناصر "حزب الله" الحدود اللبنانية
إلى سوريا للدفاع عن نظامها، أمراً غير مستبعد بالمرة، اتساقاً مع هذا
الارتهان الذي يدمي قلب كل سوري بل كل عربي حر.
اللحظة التي بدأ السوري فيها يتعرف على جوهره الحقيقي الثائر ضد
الظلم والطغيان، ويكسر حاجز الخوف ويرى نظامه الذي ظل المنافقون عليه
عاكفين يبدو نمروذاً متجبراً في ظاهره فيما أقدامه تغوص في الطين
والأوحال وتغوص حتى حدود الغرق، ويكتشف هشاشة الحكم فيه وضعفها التي
جعلته يرتعد ليس من الملايين كما في مصر واليمن، بل حتى من بضعة مئات
من الطليعة الثورية الشجاعة، ويرتجف من طل الملوحي وأخواتها ويضع نفسه
بكل أجهزته الأمنية القمعية في معادلة طرفها تلك البطلة التي واجهت
أحذية النظام في المقطع المرئي الشهير.
هي المعادلة التي تضع رواداً ثائرين في مقابل جحافل بلا قلب ولا منطق
ولا روح يخيل للرائي أنها مخيفة لكنها على النقيض تعاين ساعة الحقيقة
وتدرك استحقاق الزمن الذي لا يسير في صالحها، وترقب المشهد العربي
الثائر كله الذي بدأ في كنس الطغاة ومحاكمة أذنابهم؛ فبهذه الروح
المتدنية يواجهون وبتلك الحسابات يقيسون، ولهاتيك المصائر يحذرون
ويتحسبون؛ فاطمأنوا أيها الثوار فتلك ضريبة لابد أن يدفعها الثوار
المنتصرون لا محالة في معركة العزة والكرامة والحرية.
وطيبوا نفساً فالطريق ليس طويلاً، والعدو ليس قوياً ولا مخيفاً، نعم
ستواجهون جحافل أمنية لكنها لن تفوق ما واجهه الثوار في مصر حينما
تصدوا لأكثر من مليون مسلح عملوا على إسكات صوت الثورة فأسكتتهم،
وستواجهون ممانعة أمريكية/صهيونية/إيرانية، عبر عنها الجميع عندما رفض
بوش وهو على حدود سوريا أن يغزوها ـ ولم يكن الأمر صعباً بالمرة ـ
وأجمعت الدوائر السياسية الأمريكية على أن نظام بشار أفضل كثيراً من
غيره لمصلحة واشنطن، والكيان الصهيوني، والأخير أيضاً أكد العديد من
ساسته وعسكريوه صراحة وبلا أدنى مواربة عن رغبتهم في استمرار هذا
النظام الضامن لأمن "إسرائيل"، وأما إيران فلا يحتاج لكلام، لكن هذه
الممانعة لاقاها إخوانكم في مصر وتونس وليبيا (التي اعترف نظامها
"الثوري الممانع" مؤخراً بخدماته التي كان يسديها للكيان الصهيوني
وأوروبا وأمريكا في معرض استجدائه للغرب)، لكنها عجزت في تأمين تلك
الأنظمة حين نخرت عظامها ـ كما النظام السوري ـ، ولربما واجهتم جيشاً
يدير مدافع دباباته باتجاهكم ويدير ظهره لـ"إسرائيل" وحدوده
المستباحة، لكن لا ضير فدونكم القذافي وصالح قد فعلا وهما الآن يحزمان
حقائبها استعداداً للمغادرة، وكلاهما واجه نوعاً من التمرد العسكري
بدرجتين متفاوتتين من قادة وجنود جيشهما من الأباة الذين رفضوا الخروج
عن مهام وظيفتهم وعقيدة جيشهم القتالية، أو حتى من أولئك الذين وجدوا
أن سفينة النظام قد انخرقت فقفزوا وسبحوا في لركوب سفينة الثورة. وجيش
سوريا بما يضمه من تنوعات وألوان مختلفة هو الأكثر ترشيحاً لمثل هذه
الانقسامات الحادة إن نجح الثوار في ضخ الدم في ثورتهم لأيام قادمة،
وهم ـ بإذن الله ـ قادرون.
ولعلكم تتذكرون بأسى مشهد حماة الرعيب في الثمانينات، لكن المناخ
الآن لا يسمح بتكرارها على هذا النحو السابق، فلا التعتيم الإعلامي
الذي أفاد حافظ الأسد ممكناً في ظل ثورة المعلومات، ولا الاتحاد
السوفيتي موجوداً لتأمين الغطاء، ولا القيادات السياسية والعسكرية
تتمتع بنفس القدر من الخبث والدهاء الذي كان يتوفر لحافظ ورفعت
وزمرتهم، ولا الإخوان حاضرة كفزاعة يمكن التلويح بها في ظل طقس سياسي
مغاير تماماً، وثمة إدراك ووعي لدى الثوار بإطفاء الوقود الذي يشعل به
الطغاة قدور طغيانهم، وعلينا وعليهم أن يدركوا أن الولايات المتحدة
ليست في ظرف يسمح لها بمزيد من دس أنفها في المنطقة، و"إسرائيل" أضحت
في أضعف حالاتها، والحلفاء في لبنان لديهم من الهم ما لديهم.
والنخوة الشامية التي عهدناها على مدى التاريخ ستعبئ النفوس السورية،
وستقلب الموازين وترفع كفة الثورة وتحيي الأمل في وضع سوريا على
الخارطة مرة أخرى، وترفع طموحات التائق إلى الحرية إلى عنان السماء..
نعم، إن الطريق شاق وصعب، لكن من ذاق طعم الحرية هنا في مصر يقول لكم
بكل صدق وحب، إنها جديرة بأن يدفع السوريون ثمن الحرية ويكسروا قيود
الاستبداد بعد أن نجحت طليعته اليوم في كسر حاجز الخوف. عليهم فقط أن
يفيدوا من تجارب الجيران، ويركزوا في بداية ثورتهم على الزخم الذي
توفره صلاة الجمعة لانطلاق الثورات لاسيما في مقابل نظام يعتبر أن أي
تظاهرة سلمية حتى لو طلبت رصف طريق، خيانة عظمى يقوم بها "مندسون"
تستوجب إعمال الرصاص الحي إلى صدور المتظاهرين..
17/4/1432 هـ
- التصنيف: