أمريكا وصراع المستقبل على القدس
الموقف الموقف الأمريكي المصر على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لإسباغ شرعية دولية على تهويدها؛ أعاد نكأ الجراح ، وكرر التحذير من خطر التوجهات الأمريكية الحالية، التي تغلب عليها المسحة اليهودية والخلفية التوراتية
في عام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين وسحبت قواتها تاركة للعصابات الصهيونية فرصة ملء الفراغ، فاستغلت قطعانها حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام الدولة اليهودية . وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول 1948 أعلن ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، في حين خضعت القدس الشرقية للإدارة الأردنية، حتى هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو/ حزيران 1967 التي أسفرت عن ضم القدس بأكملها لسلطة الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا كانت فلسطين قد مر عليها نحو سبعين عاما من الاغتصاب اليهودي، والقدس قد مضى عليها خمسون عاما من الاحتلال الصهيوني؛ فإن تلك الأرض المقدسة على هذا قد قضت نحو مئة عام من الضياع، باعتبار أن نصارى الانجليز الذين سلموها لليهود؛ قد احتلوها لهذا الغرض منذ عام 1917، ففي عامنا هذا -2017- تكون فلسطين قد أتمت قرنا من الزمان تحت أيدي غير المسلمين، قتل فيها وعذب وأسر وشرد الملايين من فلسطين وما حولها.
إذا كانت بريطانيا تحمل أوزار جلب الأشرار من اليهود إلى الأرض المقدسة؛ فقد ورثت أمريكا منها ومن بقية دول الاستعمار الأوروبي الصليبي كل تبعات ونتائج الغارة على العالم الإسلامي بعامة، والأرض المقدسة في الشام بخاصة، حيث تسلمت الولايات المتحدة حمل حبل الحماية والرعاية لكيان اليهود ضد مجموع المسلمين، فخلال كل الحروب التي شنتها الدولة الصهيونية على الأراضي العربية؛ كانت أمريكا تقف بلا حدود وتؤيد بلا تحفظ أي خطوة يقدم عليها اليهود للمزيد من إهانة المسلمين والهيمنة على مقدساتهم، وذلك خلال سنيِّ ما كان يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي، بمراحله العسكرية الحربية، ومحطاته التفاوضية الاستسلامية.
الموقف الموقف الأمريكي المصر على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لإسباغ شرعية دولية على تهويدها؛ أعاد نكأ الجراح ، وكرر التحذير من خطر التوجهات الأمريكية الحالية، التي تغلب عليها المسحة اليهودية والخلفية التوراتية، مهما اكتست بصيغ الدبلوماسية أواكتسبت صبغة العلمانية الحيادية. فمنذ صدر قانون الكونجرس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس،والذي صدر في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1995م؛ والرؤساء الأمريكيون المتعاقبون، يتخذون قرار إرجاء تنفيذه خوفًا من عواقبه وتداعياته المحتملة وغير المحسوبة على اليهود، وعلى الأمن القومي الأمريكي نفسه.
لكن الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب) الذي جعل نقل السفارة للقدس أحد وعوده الانتخابية ،ظل يكرر هذا الوعد؛ وقد ألمح - بل صرح - بأن المستوطنات الإسرائيلية في القدس لا تشكل عقبة في طريق السلام، وهو يلح على أن الواجب على الفلسطينيين ليس محاربة الاحتلال اليهودي لفلسطين؛ بل عليهم التعهد بالاستمرار في محاربة ما أسماه "الإرهاب الإسلامي" داخل فلسطين، قبل مناقشة أي اتفاقية للسلام. وكان قد عارض الإجراءات التي عُرضت على مجلس الأمن بشأن الحد من بناء المستوطنات قبل استلام منصبه، محاولا الضغط على إدارة أوباما لاستخدام حق الفيتو لرفضها.
ترامب لم يكتف بإظهار عواطفه الحارة تجاه اليهود؛ بل عين فريقا من ناشطي الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية لتولي ترتيبات عملية السلام التي يراها، ومن ضمن هؤلاء زوج ابنته اليهودي، الذي تهودت ابنة ترامب بناء على رغبته؛ حيث قال له: " إذا لم تستطع تقديم السلام في الشرق الأوسط، فلن يفعل أحد ذلك".
ورشح ترامب صديقه المشهور بصهيونيته "ديفيد فريدمان" سفيرًا لدى الكيان الصهيوني، وهو معروف بحماسه لنقل السفارة للقدس ودعمه القوي لبناء المستوطنات فيها، إلى الحد الذي جعله يتبرع سنويا لدعمها وتوسيعها، وقد طلب ديفيد الإقامة في القنصلية الأمريكية بالقدس، حتى قبل نقل السفارة ! في نوع من التحايل الماكر، لأن المكان الذي يعمل به السفير يُعدُّ هو السفارة، وليس المبنى نفسه.
تدل الشواهد الظاهرة على أن ترامب يريد تغيير قواعد اللعبة فيما يسمى عملية السلام بنقل السفارة من تل أبيب، وقد ينقلها للقدس الغربية، تاركا للحكومة الإسرائيلية تدبير نقلها فيما بعد إلى القدس الشرقية، وفق استراتيجيتها المعلنة في توحيد شطري المدينة لتكون عاصمة موحدة أبدية للدولة اليهودية كما يردد زعماء اليهود المتعاقبين..! وهو بهذا يريد لـ (وعد ترامب) في العام 2017 أن يحقق الهدف الذي صدر من أجله (وعد بلفور) في العام 1917.. !!
(ملاحظة)..هذا جزء من مقالي بعنوان { عودة القدس للواجهة..هل تعيد المواجهة } وهو ضمن ملف عدد رمضان الفائت من مجلة البيان ، بمناسبة مرور خمسين عامًا على احتلال القدس