مع القرآن - وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا

منذ 2017-08-19

{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا * أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا }   [الفرقان 41 - 44]

نماذج متكررة في كل عصر , نفس تصرفات أسلافهم مع سيد الخلق و خير المرسلين صلى الله عليه و سلم (مقابلته بالاستهزاء و التقليل من شأنه و أنه ليس الأنسب لشرف الرسالة )

إذا كان هذا القسط من الاستهزاء ناله النبي صلى الله عليه و سلم فما بالك بمن هم أقل شيئاً و أدنى مرتبة من العلماء و الدعاة .

لم يتوقفوا عند الاستهزاء فحسب بل فرحوا بثباتهم على الشرك و عدم طاعته فيما يرونه ضلال و لا يعلم هؤلاء المجرمون ما ينتظرهم من العذاب و ساعتها سيروا بأعينهم من أضل سبيلاً .

و هل الرسول و الربانيون من العلماء و الدعاة من بعده إلا مبلغين عن ربهم أدوا ما عليهم من تبليغ الرسالة و حسبهم هذا , أيظن هؤلاء أنهم بإعراضهم قد نكلوا بالرسول صلى الله عليه و سلم ؟؟

أمثال هؤلاء عبر التاريخ كأنعام ضالة بل هم أقل شأناً من أنعام لن تعذب في النار بينما هم سيعاينون العذاب يوم القيامة .

 {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا * أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا }   [الفرقان 41 - 44]

قال السعدي في تفسيره :

أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لآيات الله المستكبرون في الأرض استهزءوا بك واحتقروك وقالوا -على وجه الاحتقار والاستصغار-  { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا }  أي: غير مناسب ولا لائق أن يبعث الله هذا الرجل، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول -حاشاه- في غاية الخسة والحقارة وأنه لو كانت الرسالة لغيره لكان أنسب.

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } فهذا الكلام لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم، أو من أعظمهم عنادا وهو متجاهل، قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به، وإلا فمن تدبر أحوال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وجده رجل العالم وهمامهم ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزانة، ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم وكل خلق فاضل، وأن المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره، وحسبه جهلا وضلالا أن يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم.

والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به تصلبهم على باطلهم وغرورا لضعفاء العقول ولهذا قالوا:  { إِنْ كَادَ } هذا الرجل {لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} بأن يجعل الآلهة إلها واحدا  { لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا }  لأضلنا زعموا -قبحهم الله- أن الضلال هو التوحيد وأن الهدى ما هم عليه من الشرك فلهذا تواصوا بالصبر عليه. {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ }

وهنا قالوا: { لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا } والصبر يحمد في المواضع كلها، إلا في هذا الموضع فإنه صبر على أسباب الغضب وعلى الاستكثار من حطب جهنم. وأما المؤمنون فهم كما قال الله عنهم: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }  ولما كان هذا حكما منهم بأنهم المهتدون والرسول ضال وقد تقرر أنهم لا حيلة فيهم توعدهم بالعذاب وأخبر أنهم في ذلك الوقت  { حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ }  يعلمون علما حقيقيا  {مَنْ }  هو {أَضَلُّ سَبِيلًا }  { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا } الآيات.

وهل فوق ضلال من جعل إلهه معبوده هواهفما هويه فعله فلهذا قال:  {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}  ألا تعجب من حاله وتنظر ما هو فيه من الضلال؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة؟

{أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } أي: لست عليه بمسيطر مسلط بل إنما أنت منذر، وقد قمت بوظيفتك وحسابه على الله.

ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ بأن سلبهم العقول والأسماع وشبههم في ضلالهم بالأنعام السائمة التي لا تسمع إلا دعاء ونداء، صم بكم عمي فهم لا يعقلون بل هم أضل من الأنعام لأن الأنعام يهديها راعيها فتهتدي وتعرف طريق هلاكها فتجتنبه وهي أيضا أسلم عاقبة من هؤلاء، فتبين بهذا أن الرامي للرسول بالضلال أحق بهذا الوصف وأن كل حيوان بهيم فهو أهدى منه.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 0
  • 0
  • 7,402
المقال السابق
وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا
المقال التالي
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً