كلمة في شأن التغلب
اعتبر العلماء التغلب على مدار التاريخ كان لما معه من إقامة الدين ووحدة المسلمين وانطلاق الدعوة الى الله تعالى واستكمال الجهاد والفتوح واستقرار قيم الإسلام.. وكان الخلاف فقط على شخصية من يحكم لا على منهج الحكم.
ومن مختصر الكلام في شأن التغلب، وهو من يسطو على الحكم بسطوة السلاح دون مشورة المسلمين..
يقول الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله:
(أن التغلب ثبت على خلاف الأصل، وعلى خلاف الأدلة، فالأصل هو الشورى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ }.
وإنما اعتُبر التغلب في التاريخ تكميلا لأصل آخر وهو الحفاظ على وحدة المسلمين وعدم ضياعهم، فهو شرعية ضرورة.
وأي مكمِل لا يعتبر إلا إذا تحقق كونه مكمِلا للأصل لا معارضا له.
فإذا ثبت كون اعتباره يعود على الأصل بالبطلان والإلغاء فعندئذ لا يعتبر، وهذا يراه من ينظر الى التاريخ، خاصة التاريخ الحديث). ا.هـ
فاعتُبر التأمر بدون مشورة في الغزو كما أخذ خالد الراية يوم مؤتة لإنقاذ موقف هلكة للمسلمين.
واعتُبر التغلب كما فعل صلاح الدين في توحيد الجبهة بين الشام ومصر لحرب الصليبيين التي لم تكن لتتم إلا بإسقاط دولة العبيديين (الفاطميين) وإلغاء الإمارات المتغلبة والأتابكيات المتفرقة لتجتمع في دولة قوية تحفظ شوكة الإسلام ووجوده.
ولما اعتبر العلماء التغلب على مدار التاريخ كان لما معه من إقامة الدين ووحدة المسلمين وانطلاق الدعوة الى الله تعالى واستكمال الجهاد والفتوح واستقرار قيم الإسلام.. وكان الخلاف فقط على شخصية من يحكم لا على منهج الحكم.
وكان نقص الشورى يعوَّض بالشورى في نطاق أضيق..
أما حينما يفتت المتغلبون الأمة ويحشدونها ضد بعضها ويفرقون بينها ويستعينون بالكافرين على المسلمين، ويعينون الكافرين على المسلمين، ثم تنهار الأمة من حيث إهدار قوتها المدنية والحضارية.. عندئذ يجب عدم اعتبارها ويجب العودة الى الأصل الشرعي {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ }.. لكن الأمور منوطة بالقدرة.. وهذه عبرة التاريخ.
أما حينما يتغلبون من أجل فرض العلمانية وتنحية الشريعة وحرب الإسلام وإلغاء هويته وتتبع أصوله وجذوره لإبطالها، وتنفيذ أجندات العدو الصهيني وترسيخ التبعية للغرب وهو العدو التاريخي؛ فهذا سياق آخر ومناط مختلف، ومن لم يفرق بين هذا وذاك، وأجاز التغلب المعاصر من أجل حالة التغلب القديمة مع سوءاتها، واحتج بحجج المتقدمين ومناطهم على مناط اليوم وواقعه فهو مخادع لدينه وأمته، ولم يفرق بين ما فرّق الله تعالى بينه، ووصل الأمر الى أن تقوم الدنيا بالشورى وإرادتها وتُحرم منها الأمة التي تعبدها الله تعالى له بإقامة الشورى واحترام أبنائها.
إن من يخادع الله يخدعه الله ويجعل عليه الدائرة.. ولا بد أن يلحقهم عار الدنيا، وأن يُظهر الله تعالى قبحهم بين خلقه، والآخرة أدهى وأعظم وأطمّ؛ فاللهم إنا نسألك النجاة لنا ولأمتنا.
- التصنيف: