المنافقون - (18) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم
الاغترار بالمظهر الزائف والزخرف الزائل وما يفعله بالنفس من استكبار وغي، ومن هنا أيضا أقسم بعض أهل النار يوما أن لن ينال الطائعون رحمة {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}، ولقد نسوا أو تناسوا أن الله هو من قسم بين الناس معيشتهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات.
نظر الناس هو أهم ما يحرص عليه المنافق ويعنى به ولأنه أسبق في تقديره وأعجل أثرا من نظر الله = كان المظهر الخارجي والقشرة السطحية التي تحيط به؛ أمرا محوريا ومقصدا رئيسيا يحكم حياتهم ويسيطر على واقعهم القشرة التي تعجب الخلق وترضيهم؛ لذا كان المنافق الأنيق المهيب ذا السمت الطيب والهيئة الجذابة المثيرة للإعجاب = نوعا منتشرا جدا بين هذه الفئة من البشر بل يمكنك أن تقول أنه هو الأصل المنافقون يثيرون الإعجاب من الخارج هكذا وصفهم الله {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} إنها الرؤية من جديد يكرر ربنا سبحانه وتعالى ذكرها.
ستراهم... وستعجب بهيئتهم... وستنبهر بمظهرهم... وستلتفت لقوتهم ومتانة بنيانهم، وربما تنخدع بسمتهم وتركن لصورتهم = فتحسن الظن بهم وتأنس إليهم وتأمن جانبهم سيُشار إليهم بالبنان، وسيُقلدوا أعلى المناصب، وسيوسد الأمر إليهم وهم غير أهله، وسيقدمون على غيرهم ويسلطون عليهم وكل ذلك لماذا؟
إنه المظهر الخادع والقشرة الزائفة وكم من سادة و أكابر بعين الخلق، بينما هم عند الله أصاغر أهون من الجُعل وأصغر من الذر، كما صح عن النبى صلى الله عليه و سلم كم من أناس يشار إليهم بالبنان، و تُنظم فى مدحهم القصائد و تدبج فى مناقبهم المقالات و المقولات وهم فى الحقيقة لا يساوون عند الله جناح بعوضة ولاقيمة لهم في الميزان.
العبرة ليست بعظمتهم وجاههم ووجاهتهم في الدنيا، ولا بصورتهم في أعين الناس... العبرة بحقيقة العبد وسره المنظور المدرك ببصر الله وسمعه، وميزانه العادل القسطاس... العبرة بقلبه وجوهره، وما أقبح ذلك عند المنافق.
في رواية صحيحة لحديث حذيفة عن الشر الذي كان يسأل عنه النبي فأجاب: «فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» الجثمان الظاهر لإنسي عادي أو حتى مثير للإعجاب والثناء لكن أمر القلب كان مختلفا كان قلب شيطان.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة = لا يزن عند الله جناح بعوضة» . اقرءوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } صحيح مسلم .
هذه هى قيمته الحقيقية عند الله جناح بعوضة! بل هو أهون وأرخص لكنه عند الناس ليس كذلك، والسبب ببساطة أن الخلق لا يحكمون بمعيار صحيح إلا ما ندر الأغلبية للأسف يحكمون بمعيار الظاهر، والمنافق يعرف ذلك ويغازل ذلك المعيار ويستميله ببراعة نفس معيار المشركين حين قالوا {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} هكذا تساءلوا معترضين على نزول القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهل كانت هذه هي المشكلة؟
هل كانت كل قضيتهم أنه ليس من زعماء المجتمع أو من عظماء ماديتهم السطحية؟! و الأهم.. هل هم من يقررون ويقسمون رحمة الله؟! {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ}.
هو بعينه ذات المنطق المريض والمعيار الردىء في كل زمان ومكان الحكم من خلال الظاهر حكم يرسخه نمط من الخلق لا يلتفت انتباهه إلا للمظاهر المبهرة ولا ينجذب بصره إلا لزينة براقة أو زخرف لامع قوم يقيسون الحق والباطل فقط من خلال مقياس العظمة الدنيوية والمكانة المادية والمنصب الضخم والنسب الفخم والثراء الفاحش والنعيم الزائل إنه النمط الذي تبهره زينة قارون وقوة عاد وعلو النمرود النمط الذي يستخفه فرعون ومنطقه المعروض في نفس السورة "الزخرف" إذ ينادي ويقول: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} هذا هو ما أرادهم أن ينتبهوا إليه ، ثم سألهم { أَفَلا تُبْصِرُونَ} نفس الترسيخ للحكم البصري المظهري والتقييم القائم على أساس الرؤية الخارجية والمقاييس المادية وحسب..
لذلك كان القياس الذي ظنه فرعون منطقيا : {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِين}.
لقد قاس على نفس المعيار الذي ينبهر به خفيفو العقول في كل وقت وحين الذي ينخدع به الفاسقون، ويستخفون {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} .
وبنفس الفكر وصل صاحب الجنتين الذي ذكر الله قصته في سورة الكهف إلى تلك القناعة الغريبة والمعتقد البشع حين أعجبته ثروته وأسكرته جنته فدخلها وهو ظالم لنفسه وقالَ {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} من أين عرف ذلك وكيف وصل إلى هذا المعتقد؟!
الإجابة ببساطة هي ذات الاغترار بالمظهر الزائف والزخرف الزائل وما يفعله بالنفس من استكبار وغي، ومن هنا أيضا أقسم بعض أهل النار يوما أن لن ينال الطائعون رحمة {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}، ولقد نسوا أو تناسوا أن الله هو من قسم بين الناس معيشتهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات.
نسوا أو تناسوا أن رَحْمَة رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون، وأن الحقيقة والجوهر إن صلحا خير وأبقى مما يظهرون خير من أجسامهم وصورتهم التي عليها يحرصون وبها يعجبون {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.
- التصنيف: