مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان 12 - 19]
الحكمة تتخطى العلم إلى معرفة أسراره و تفسيره بإحكام و بصيرة نافذة , و الله يمن على من يشاء من عباده بالحكمة و منهم لقمان عليه السلام, و مع العطاء أمره تعالى بالشكر على النعمة و إخلاص الحمد و الثناء لذاته العلية و تخلية قلبه من أي حمد وشكر و ثناء لغير الله , و الشكر بإخلاص إنما يعود على صاحبه بالمنافع التي لا تعد و لا تحصى , وأما من كفر فالله غني عنه و عن كفره .
فكانت وصية الله للقمان بتجريد التوحيد و الإخلاص و الشكر لله وحده هي وصية لقمان لابنه بالتوحيد و مجانبة الشرك و تنبيهه على خطر الشرك و كونه ظلم عظيم و هذا ما ينبغي أن يربي المؤمن عليه ذريته منذ نعومة الأظفار ..
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان 12 - 19]
قال السعدي في تفسيره :
يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان، بالحكمة، وهي العلم بالحق على وجهه وحكمته، فهي العلم بالأحكام، ومعرفة ما فيها من الأسرار والإحكام، فقد يكون الإنسان عالما، ولا يكون حكيما.
وأما الحكمة، فهي مستلزمة للعلم، بل وللعمل، ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع، والعمل الصالح.
ولما أعطاه اللّه هذه المنة العظيمة، أمره أن يشكره على ما أعطاه، ليبارك له فيه، وليزيده من فضله، وأخبره أن شكر الشاكرين، يعود نفعه عليهم، وأن من كفر فلم يشكر اللّه، عاد وبال ذلك عليه. والله غني عنه حميد فيما يقدره ويقضيه، على من خالف أمره، فغناه تعالى، من لوازم ذاته، وكونه حميدا في صفات كماله، حميدا في جميل صنعه، من لوازم ذاته، وكل واحد من الوصفين، صفة كمال، واجتماع أحدهما إلى الآخر، زيادة كمال إلى كمال.
واختلف المفسرون، هل كان لقمان نبيا، أو عبدا صالحا؟ واللّه تعالى لم يذكر عنه إلا أنه آتاه الحكمة، وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه، فذكر أصول الحكمة وقواعدها الكبار فقال: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ}
أو قال له قولا به يعظه بالأمر، والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب، فأمره بالإخلاص، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له السبب في ذلك فقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ووجه كونه عظيما، أنه لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئا، بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم، وأبدانهم، إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟؟!
وهل أعظم ظلما ممن خلقه اللّه لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه الشريفة، فجعلها في أخس المراتب جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا، فظلم نفسه ظلما كبيرا.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: