مكارم الأخلاق والعلاقة مع الآخرين
وإن الأمم لا تكون، ولا يُرفع لها لواء ما لم ترفع هي لواء الأخلاق، ويشتهر أمر المكارم بين أجيالها، وما لم تعش هي بمنظومة الفضائل، من مكارم الأخلاق...
إن مما يُجمع عليه العاقلون أن انهدام منظومة مكارم الأخلاق أضرُّ بكثير من انهدام المصانع وخراب البلاد، وأن فساد الأخلاق وضياع المكارم، أضرُّ على الناس من ضياع الأموال والمدَّخرات والمقدَّرات.
وأن الأُمة الإسلامية كم أصابها من نوائب الدهر وإحن الزمان على أيدي أعدائها، وكم فعلوا بها الأفاعيل، وكم نكّلوا بأبنائها، وكم هدموا البيوت والمصانع، وخرَّبوا المزارع المخضَرَّة، وكم نسفوا أعالي البنيان، وقتلوا الذَّراري والنِّساء، وساقوا الرجال ونالوا من أجسادهم وعذَّبوهم، ونكَّلوا بهم، ثم ما لبثت الأمة تعود بعد هذه الإحن أصلبَ مما كانت، وأنشفَ عودًا من قبلها، وأخبرَ بصروف الدَّهر، وتقلّبات الأيام من قبل، وما يفتؤ الزمان يدور حتى تقوم من كبوتها، وتهُبّ من نومتها.
إن ضياع الأخلاق، وانهيار القيم والمبادئ في المجتمعات المسلمة أشد في عيون المفكّرين والمتابعين لتحركات الأمم، وانبعاث المجتمعات من أسفل سافلين، وإن الأمم لا تكون، ولا يُرفع لها لواء ما لم ترفع هي لواء الأخلاق، ويشتهر أمر المكارم بين أجيالها، وما لم تعش هي بمنظومة الفضائل، من مكارم الأخلاق، وعالي الشِّيم، ولقد سطَّر أحمد شوقي ذلك في بيت من الشعر الخالد الذي لا يزال تتناقله الأجيال منذ قاله حتى يومنا هذا؛ إذ يقول:
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ *** فإنْ همُ ذهبت أخلاقُهم ذهبوا
ومما يُشعرك ولا شك بخطورة الأمر، وفداحة الخُسران، تدني الأخلاق في الأمة التي كانت -ويفترض أن لا تزال- يومًا آخذة بنواصي غيرها من الأمم، ويتلفَّت إليها الغرب على أنها مهد الرسالات، ومحطّ الفضائل والأخلاق، وكما أن أبناء الشرق يغتربون لينهلوا من علوم الدنيا، كان أبناء الغرب يشرِّقون لينهلوا من فضائل الشرق، وذلك لا يجحده منصف ولا يغفله إلا مُغرِض متهوِّك.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «إنما بعثتُ لأتمم مكارمَ الأخلاقِ» [رواه البخاري]. لَيَضع بأسلوب الحصر هذا ركيزة مهمة، بل غاية في الأهمية، وهي مكانة الأخلاق الفاضلة في رسالة الإسلام، وهو صلى الله عليه وسلم لَيحصُر مهمة رسالته في تتميم هذه الفضائل التي كان العرب يحرصون عليها ويبرزونها في حياتهم، ويرفعون لواءها في مجتمعاتهم؛ من شجاعة، وكرم، وشهامة، ونخوة، ومروءة، وإغاثة للّهفان، وصدق حديث، وإعانةٍ على نوائب الدهر.. إلى غير ذلك مما هو مُستقر ومعروف في سِيَرهم.
إننا في هذه المقالات نحاول – ونحن نركز على أهمية الأخلاق الفاضلة وخطورة انهيار منظومة مكارم الأخلاق – أن نذكِّر بتلك الأخلاق، وننقل ما يتيسَّر من صفحات تاريخنا العظيم ما يبرهن على مرادنا الذي قصدناه، والله من وراء القصد محيط.
أهمية مكارم الأخلاق في الإسلام:
تقدم معنا فيما مضى حديث المعصوم صلى الله عليه وسلم: «إنَّما بُعثتُ لأتَمِّمَ مكارمَ الأخْلاقِ»، وينبهنا هذا النص الكريم لأمرين مهمين:
أولهما: أهمية مكارم الأخلاق في الشريعة الإسلامية التي بُعث بها الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم.
وثانيهما: أن مكارم الأخلاق لم تكن قد اكتملت قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، أو كانت موجودة من قبله وأضاعها الناس فيما بينهم وفرّطوا فيها، فجاء صلى الله عليه وسلم بتتميمها، وليكون مثالاً أخيرًا للبشرية جميعًا تقتدي به في ذلك الباب.
ومما يجب أن لا نغفله في هذا النَّص الصريح كذلك -بعد هذين الأمرين- الصيغة التي جاء بها النص النبوي؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل مثلاً: «جئت متممًا لمكارم الأخلاقِ» أو: «جئت لأتمم مكارم الأخلاق»، وهو قريب جدًّا مما قاله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: «إنما بُعثت…» وهذا الأسلوب يُعرف في اللغة العربية بأسلوب الحصر؛ إذ أدخل صلى الله عليه وسلم على «إن» المؤكِّدة «ما» الكافَّة التي تنفي هذا التأكيد عن غيره فكأنه يقول: « ما بُعثت إلاّ لأتمم مكارم الأخلاق» وهذا يلفت أنظارنا إلى أهمية هذه الأخلاق التي قصدها الرسول صلى الله عليه وسلم وعناها في خطابه هذا.
ومما يعدُّ من أقوى الأدلة كذلك -في نظري- على أهمية مكارم الأخلاق ومكانتها في الشريعة الإسلامية، ما ثبت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم في حديثه عن الصراط يوم القيامة فيقول: «… ثم يُضرب الصراط، ويؤتى بالأمانة والرحم على جانبيه..» فالمتأمل في هذا النَّص الشريف يجد أن الأمانة وصلة الرحم هما سورا هذا الصراط يوم القيامة، فالمتَّصف بالأمانة، القائم بحقِّها، والواصل لرحمة القائم بحقِّهم يجد عن يمينه وشماله سورين على الصراط عند مروره عليه يوم القيامة.
كما نجد كذلك أن هاتين الصفتين وهذين الخُلُقين يمثلان قطبين أساسيَّين في الناحية الاقتصادية والإنسانية؛ فالأمانة قِوام المال، والرحم قوام العلاقات الإنسانية.
كما يؤكد ما ذهبنا إليه من عظم شأن مكارم الأخلاق ورِفعة صاحبها يوم القيامة ما رواه الطبراني أن أم سلمة رضي الله عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله: المرأة تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة، فتموت، فتدخل الجنة، ويدخلون معها الجنة، من يكون زوجها في الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: «يا أم سلمة إنها تخيَّر، فتختار أحسنهم خُلقًا، تقول يارب إن هذا كان أحسنهم معي خُلقًا في الدنيا فزوِّجنيه. يا أم سلمة ذهب حسنُ الخُلق بخير الدنيا والآخرة».
وكما كانت للأخلاق مكانة عظيمة في الإسلام، كذلك كانت في الشرائع السابقة، وقد اجتمعت جميع الرسالات على مجموعة مهمة من الأخلاق، وجب على الآباء والمربِّين التحلِّي بها وغرسها في الأبناء والبنات وتربيتهم عليها.
ويدل على أهمية مكارم الأخلاق كذلك ما حدث من الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابنة حاتم الطائي إذ شفع لها لما عرفته بنفسها، بكرم أبيها وشهامته وما كان عليه من مكارم الأخلاق؛ فقد جي إليه صلى الله عليه وسلم بها أسيرة فقالت له: يا محمد هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلّي عني ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيِّد قومه، وكان يفك العاني، ويحمي الذمار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يطلب إليه طالب قط حاجة فردّه، أنا ابنة حاتم طيء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جارية، هذه صفة المؤمن، ولو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلّوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق».
وكذلك ما رُوي أنه جلس موسى بن إسحاق قاضي الرّي والأهواز – وكان ذلك في القرن الثالث الهجري – ينظر في قضايا الناس، وكان بين المتقاضين امرأة ادّعت على زوجها أن عليه خمسمائة دينار مهرا، فأنكر الزوج أن لها في ذمته شيئا، فقال له القاضي: هات شهودك. فقال: قد أحضرتهم. فاستدعى القاضي أحدهم، وقال له: انظر إلى الزوجة لتشير إليها في شهادتك. فقام الشاهد وقال للزوجة: قومي. فقال الزوج: ماذا تريدون منها؟ فقيل له: لابد أن ينظر الشاهد إلى امرأتك وهي مسفرة؛ لتصح عنده معرفته بها. فكره الزوج أن تضطر زوجته إلى الكشف عن وجهها للشهود أمام الناس، فصاح: إني أشهد القاضي أن لزوجتي في ذمتي هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها. فلما سمعت الزوجة ذلك أكبرت في زوجها أنه يضن بوجهها على رؤية الشهود، وأنه يصونه عن أعين الناس، فصاحت تقول للقاضي: إني أشهد على أني قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة. فقال القاضي لمن حوله: اكتبوا هذا في مكارم الأخلاق.
وكذلك ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله:
أُحب مكارم الأخلاق جهدي *** وأكره أن أعيب وأن أعابا
وأصفح عن سباب الناس حلما *** وشر الناس من يهوى السبابا
ومن هاب الرجال تهيّبوه *** ومن حقر الرجال فلن يهابا
وقد جمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t الأخلاق في ثلاثة أبيات فقال:
إن المكارم أخلاق مطهّرة *** فالدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها *** والجود خامسها والفضل ساديها
والبِر سابعها والصبر ثامنها *** والشكر تاسعها واللين باقيها
وإن كان يكفينا دليلاً على أهميتها ما تقدم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» [رواه البخاري].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيءٍ أثقلُ في الميزان من حُسنِ الخلق» [رواه أحمد في المسند، وأبو داود في السنن.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «البرُّ حُسنُ الخلق» [رواه البخاري].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم أخلاقًا» [رواه أحمد وأبو داوود].
وقد تحلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأخلاق الكريمة، وندب إليها، وأبان للمسلمين أن قُربهم من مكانته يوم القيامة على قدر تخلّقهم بهذه الأخلاق الكريمة فقال : «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا» [رواه البخاري].
ولما كان حُسن الخُلق بهذه الأهمية فسنقوم بشرح معنى حُسن الخلق، ثم نذكر سريعًا جملة من هذه الأخلاق، والله وحده نسأل أن يرزقنا التحلّي بحسن الخُلق إنه نعم المولى ونعم النصير.
حُسن الخلق:
قال الحسن البصري رحمه الله: حُسن الخلق: بسطُ الوجه، وبذلُ الندى، وكفُّ الأذى.
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: حُسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال.
وقال أحد السلف: حُسن الخلق: كفُّ الأذى واحتمال المؤمن.
وقال آخر: حُسن الخلق: أن يكون من الناس قريبًا، وفيما بينهم غريبًا.
وقد جمع الشيخ أبو بكر الجزائري حُسن الخلق في قوله: «قالوا في علامة ذي الخلق الحسن: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزَّلل، قليل الفضول، بَرًّا، وصولاً، وقورًا، صبورًا، شكورًا، رضيًّا، حليمًا، وفيًّا، عفيفًا، لا لعَّانًا، ولا سبابًا، ولا نمامًا، ولا مغتابًا، ولا عجولاً، ولا حقودًا، ولا بخيلاً، ولا حسودًا، بشَّاشًا، هشَّاشًا، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويسخط لله».
وقال السيوطي رحمه الله: علامة حُسن الخُلق عشرة أشياء:
– قلة الخلاف.
– وحسن الإنصاف.
– وترك طلب العثرات.
– وتحسين ما يبدو من السيئات.
– والتماس المعذرة.
– واحتمال الأذى.
– والرجوع بالملامة على النفس.
– والتفرد بمعرفة عيوب النفس دون عيوب الغير.
– ولطافة الوجه للصغير والكبير.
– ولطف الكلام لمن هو دونه وفوقه.
ومن الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يحرص على التحلّي بها والتخلّي من نقائضها، وتربية الأبناء والبنات عليها نذكر جملة منها: كالرحمة، والإحسان، والعدل، والتواضع، والصدق، والحياء، والوقار، والكرم، والصبر، والتوكل، والشجاعة، والحِلم، والإيثار.
الحلم:
يقال إن الحِلمَ سيدُ الأخلاق، وهو كلام صحيح؛ لأن الحلم جماع هذه الأخلاق الطيبة كلها، ومن رزقه الله الحلم فقد رُزق خيرًا عظيمًا وعطاءً جليلاً، انظُر إلى الحليم كم يحبه الناس، وانظر كم هو منشرح الصدر!!
ومما يشهد أن الحِلم سيد الأخلاق من واقع الحياة أن العامة تقول واصفة مَن عنده صفة الحلم: فلان أخلاق! أو أخلاقه ممتازة. يقصدون أنه حليم، فصفة واحدة أثنوا عليه بها بحسن الأخلاق كلها.
والحلم هو الأناة والتثبت، وعدم إطلاق العَنان لقوة الغضب أن تثور، وكظم الغيظ، وحبس النفس على تحمّل الألم العارض، وليس معنى الحلم فَقْد قوة الغضب، إنما أن تكون هذه القوة خاضعة منقادة لسلطان العقل، جارية على مقتضى العلم.
والحِلمُ سكون النفس وعدم تهيّجها للمكروه، والحلم خُلق الأنبياء والمرسلين، والصالحين والعلماء والحكماء.
وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على خلق نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
واقتدت الأمة الإسلامية برسولها صلى الله عليه وسلم في خُلق الحِلم حتى برز أعداد لا يمكن حصرها اشتهروا بالحِلم في جيل الصحابة والتابعين وتابعيهم، واستمر هذا العطاء حتى عصرنا الحاضر.
ومن أشهر من اشتهروا بالحلم في التاريخ الإسلامي الأحنف بن قيس الذي سطَّر التاريخ عنه عجائب ونوادر يضرب بها المثل في حلمه، منها أنه شتمه مرة رجل، والأحنف يمشي لا يلتفت إليه، فظل الرجل يتبعه حتى بلغ بيته، فقال له الأحنف يا هذا إن كان بقى في نفسك شيء فهاته وانصرف، لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقي منهم ما تكره.
ومما يُروى عنه أنه قال: لقد تعلمت الحلم من قيس بن عاصم المنقري؛ بينما أنا جالس معه في فناء وهو يحدّثنا، إذ مرّ جماعة يحملون قتيلا ومعهم رجل مأسور، فيل له: هذا ابنك قتله أخوك. فوالله ما قطع حديثه، ولا حلّ حبوته، حتى فرغ من منطقه، ثم أنشد:
أقول للنفس تأنيبا وتعزية *** إحدى يدي أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من فقد صاحبه *** هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
ثم التفت إلى بعض ولده، فقال: قم فأطلق عمك، ووار أخاك، وسُق إلى أمك مائة من الإبل؛ فإنها امرأة غريبة.
والعَرب في القديم والحديث تعظِّم صاحب هذا الخلق، وتسوِّده عليهم، وحبها لخلق الحلم لا يدانيه حب اللهم إلا التواضع، وها نحن نثني به، سائلين الله جل وعلا أن يرزقنا الاتّصاف بهما.
التَّواضع:
من الأخلاق التي يستوجب الإنسان بها محبة الله تعالى ومحبة الناس خُلق التواضع، والناس في واقعهم الحياتي على مر الزمان يُشفقون على كل مريض ويرحمونه إلا المريض بداء الكبر، فلا يرحمه الناس ولا يُشفقون عليه، كذلك في واقع الحياة كل ذي نعمة محسود إلا من رزقه الله نعمة هذا الخلق، فلا يحسده الناس بل يحبونه جدًّا.
والتواضع هو عدم التكبر، وخفض الجناح، وعدم التعاظم، وقبول الحق، وانكسار القلب لله جل وعلا، والذل والرحمة لعباد الله تعالى.
ويُروَى أن الحسن البصري رحمه الله عرَّف التواضع بقوله: أن ترى الآخر أفضل منك.
قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}، وقال تعالى في وصف المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، وحذر من الغرور والكبر فقال جل وعلا: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} وأمر تعالى بخفض الجناح: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» [رواه مسلم].
وقد ضرب نبينا صلى الله عليه وسلم أروع المثل في التواضع فكانت أفعاله كلها نماذج يُقتدى بها في هذا الباب، فكان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويفلي ثوبه، ويحلب شاته ويخدم نفسه، ويجلس على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويسلّم على الصبيان ويمسح رؤوسهم، وتنطلق به العجوز حيث شاءت، وكان يمشي خلف أصحابه، وكان يقول: «لو دُعيت إلى كراعِ شاة أو ذراع لأجبت، ولو أُهدي إليَّ ذراع أو كراع لقبلت» [رواه البخاري].
وسارت الأمة الإسلامية على هذا الدرب، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب شياه عجائز بالمدينة وينظف حجراتهن ويخرج الأذى عنهن وهو خليفة للمسلمين، وكان عمر رضي الله عنه على هذا الدرب، وكان يلبس الثوب المرقّع، ويأكل الخلّ والزّيت، ويحمل على ظهره حاجات المسلمين خشية سؤال الله عز وجل يوم القيامة، وحمل أبو هريرة رضي الله عنه حزمة الحطب من السوق وهو يومئذ أمير للمدينة لمروان ويقول للناس: أوسعوا للأمير ليمر، وكذا فعل سلمان الفارسي رضي الله عنه وهو أمير، وفعل عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه جميعًا.
الصدق راحة للقلب، وطمأنينة للنفس، وبركة في الكسب والرزق، وزيادة في الخير، والصدق نقيض الكذب، ومظاهره صدق الحديث، وصدق العزم، وصدق الحال.
والمسلم يحب الصدق ويتحرَّى ظاهرًا وباطنًا في أقواله وأفعاله، فالصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والجنة أكبر غايات المسلم ومنتهى أمانيه.
وخلاف الصدق الكذب، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، والنار أشر ما يخاف ويُتقى.
والصدق من متممات الإيمان، ومن صفات الأنبياء والمرسلين والصالحين، ونقيضه خراب للدنيا، وتضييع للآخرة، وكرب للنفس، وقلق للقلب.
وقد أمر الله تعالى المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين، فقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وقال جل شأنه في مآل الصادقين: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} إلى غير ما جاء في القرآن الكريم في شأن الصدق.
وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صديقًا، وإيّاكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا» [رواه مسلم] .
وقال صلى الله عليه وسلم: «الصدق طمأنينة والكذب رِيبة» [رواه الترمذي وصححه].
وقال عن البائع المشتري: «… فإن صدقَا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما» [رواه البخاري].
وسارت الأمة الإسلامية على درب نبيها في تحري الصدق، فلُقب أبو بكر رضي الله عنه بالصديق وعُرف بهِ في الدنيا، وما عند الله أبقى وأرفع، وصدق عمر مع ربه فضرب أروع الأمثلة، وكذا كان الصحابة رضي الله عنهم جميعًا ومن تبعهم بإحسان.
وبرز في الأمة الإسلامية عِلم الحديث وكان الصدق هو مربط الفرس وبيت القَصيدِ في صفات المحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد ترك البخاري رضي الله عنه أحاديث رجل خرج طالبًا ما عنده من العلم فلما وجده ينادي دابة له يشير إليها بحِجره كأن فيه شعيرًا أو غيره من طعام، فأخذها، فقال له البخاري: أكان معك شعير؟ فقال الرجل: لا، ولكن أوهمتها لأمسك بها. فقال البخاري: لا آخذ الحديث ممن يكذب على البهائم.
وصار (العدل والضبط) أساس صحة السند من أوله إلى منتهاه، وبذلك تتميز هذه الأمة عن غيرها بنقل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وصار من يُقال عنه «صدوق» قُبِل كلامُه، ومن قيل عنه «كذوب» لا تُقبل روايته، ومردّ ذلك كله الصدق.
وما جنت الأمة الإسلامية اليوم الكثير من الشرور والبلايا إلا من جرَّاء الكذب وترك الصدق في الكلام والأفعال. نسأل الله تعالى صلاح الحال.
فعلى الآباء والأمهات والمربين التحلي بالصدق والتخلي من نقيضه وتربية أبنائهم وبناتهم عليه.
الرحمة: خلق الرحمة والتراحم بين المسلمين من أعظم الأخلاق المندوبة، والصفات الكريمة المطلوبة، وفقدان الرحمة بين الناس ضياع للحياة الهانئة، وإيجاد للجاهلية الجهلاء، وإحلال للأثرة العمياء.
وكان من أبرز صفات وأخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم خلق الرحمة محقّقًا بذلك قول ربه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وقال عنه كذلك: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» [رواه البخاري ومسلم] .
ويقول: «الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (أبو داود [4941]، الترمذي [1924]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» [رواه مسلم].
وتعدَّت رحمته صلى الله عليه وسلم بالمسلمين إلى غيرهم، وتعدَّت رحمته كذلك بغير البشر؛ فرحم الحيوان، وأوصى بالحيوانات والإحسان إليها وعدم تعذيبها، ونهى عن اتخاذ ذات الروح هدفًا في الرمي.
الصبر حبس النفس على ما تكره، واحتمال المكروه برضا وتسليم، وهو قوة في الإرادة تمكِّن الإنسان من ضبط نفسه لتحمل متاعب الحياة والمشقات والآلام وضبطها عن الاندفاع بسبب الضَّجر والجزع والملل والعَجلة والرُّعونة والغضب والطيش.
ويلزم الإنسان أنواع ثلاثة من الصبر في هذه الحياة:
الأول: الصبر على طاعة الله تعالى من عبادات؛ كالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر عبادة الله تعالى وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والأقوال والأفعال.
الثاني: الصبر عن معصية الله تعالى، فجميع المعاصي من شهوات تحتاج من المسلم أن يُصبر نفسه عنها ويكف جوارحه عن اقترافها.
الثالث: الصبر عند المصائب وكل ما يجلب الآلام ويورث المتاعب والأكدار والابتلاءات وغيرها.
قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}، وقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}، وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ}.
وأبان الله جل شأنه جزاء الصبر والصابرين فقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الصبر ضياء» [رواه مسلم] وقال: «… ما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر» [رواه البخاري]، وقال: «إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى..» [رواه الترمذي وابن ماجه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» [رواه الترمذي].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الصابرين؛ فكم تحمّل من أذى قومه، وكم لاقي من تعنت المتعنِّتين، وجفاء الأخلاق من المرجفين، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «.. رحم الله أخي موسى؛ فقد لاقى من قومه أكبر من هذا فصبر» [رواه البخاري].
فعلى المربّين والآباء والأمهات التحلي بهذا الخلق وتربية الأبناء والبنات عليه.
التوكّل على الله:
من الأخلاق المهمة التي يجدر بالمسلم أن يتحلَّى بها ويربِّي عليها أبناءه وبناته خُلق التوكل على الله تعالى، فهو من الإيمان، والتوكل على الله بمفهومه الصحيح لا يعني ما يعرفه بعض المخطئون على معنى التواكُل وليس التوكُّل، فالتوكل أخذ بالأسباب واعتماد على الله في النتائج، والتواكل ترك الأسباب وانتظار النتائج من الله.
فالتوكل عند المسلم الحقيقي عمل وأمل، مع هدوء قلب، وطمأنينة نفس، واعتقاد جازم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يكون في هذا الكون إلا ما أراد الله.
كما أن الاعتماد على الأسباب وحدها ضعف في الإيمان، وترك الأسباب نهائيًّا خطأ في الفهم أو ضعف في العقل؛ ولذلك ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً للمؤمن في توكله على الله وأخذه بالأسباب بالطير؛ لأنها مع علمها برزقها وتسبيحها خالقها تخرج في الصباح تبحث عن قوتها فلا تعود إلا وهي ممتلئة البطن.
فقال صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا» [رواه الترمذي].
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
وقال جل شأنه: {وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
وقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}.
وكان سيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب، ويرتب الأمور، ويحسب لكل شيء قدره، وينزل الأمور قدرها، ويخطط، ويسأل ويستشير، ويستعين بالمختصين، فدلّ على أن ذلك هو التوكل، وأن ترك ذلك خطأ في الفهم وضعف في الإرادة، وكسل في الجوارح والأعضاء، وما تخطيطه في حروبه وغزواته صلى الله عليه وسلم، وفي هجرته الشريفة، وبعوثه وسراياه إلا تدليلاً على ما قلناه، ومَن راجع سيرته صلى الله عليه وسلم استبان له ذلك.
العدل:
العدل في الإسلام خلق مهم جدًّا؛ ولذلك امتلأت آيات القرآن الكريم بما يحض عليه، وتضافرت سُنة النبي صلى الله عليه وسلم داعية ومرغبة فيه في القول والفعل.
قال جل شأنه: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وقال: وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}وقال: {إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}وقال: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}إلى غير ذلك من نصوص الكتاب المبين.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين (العادلين) على منابر من نور» [رواه مسلم].
وذكر صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظلِّه يوم القيامة: «إمام عادل» [رواه البخاري].
والعدل أساس الملك كما يقول الحكماء، ومن أشهر ما قيل في العدل ما ذكره الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقيل إنه كلام من سبقوه: «إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة».
فعلى المربِّين والآباء والأمهات التحلِّي بخُلق العدل وغرسه في نفوس الأبناء والبنات، ومع الأخذ في اعتبارهم أن القدوة فيه أحسن من التعليم والتلقين.
وليعلموا أننا نحتاج العدل في صور شتى:
نحتاج العدل في القول.
نحتاج العدل في الفعل.
نحتاج العدل في الحكم.
نحتاج العدل بين الأبناء.
نحتاج العدل بين الزوجات.
نحتاج العدل في العقيدة «فلا تعتقد إلا العقيدة الصحيحة وهي عقيدة أهل السنة والجماعة».
نحتاج العدل مع الله جلّ وعلا «فلا نشرك به شيئًا».
نحتاج العدل مع الرسول صلى الله عليه وسلم «فلا نتبع غيره ولا نترك سُنته».
الإحسان:
إحسان الشيء: إتقانه، فإحسان الكلام صدقه وصحته، وإحسان الفعل إتقانه وأداؤه على النهج الصحيح، وصفوة القول أن الإحسان بلغة العصر هو الجودة والإتقان.
قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وقال: {إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}.
وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيُحدَّ أحدُكم شفرته ولْيُرحْ ذبيحتَه» [رواه مسلم].
كما جاء معنى الإحسان في حديث جبريل المشهور عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فكانت إجابته «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» [رواه البخاري]، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في هذه القصة: «هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم» وبناء على ذلك فالإحسان من الدين ولا شك.
فإحسان الصلاة مثلاً: الخشوع فيها وأداؤها على الوجه الصحيح فقهيًّا.
وإحسان الصوم: حفظه وترك اللغو والرفث فيه.
وإحسان الزكاة: إخراجها طاعةً لله وحفظًا لحقِّ المسكين؛ فلا مَنَّ ولا أذى.
وإحسان الحج: أداؤه صحيحًا بمال حلال، ولا لغو ولا رفث ولا فسوق.
وإحسان الكلام: ترك القبيح منه وعدم اللحن أو التقعُّر فيه.
والإحسان للوالدين: برهما وخفض الجناح لهما وطاعتهما في إيصال الخير لهما.
والإحسان للأقارب: ببرهم ورحمتهم والعطف والصلة.
والإحسان للجيران: بعدم أذاهم وإيصال البر إليهم، وعدم إزعاجهم بأي نوع من الإزعاج ومراعاة حقوقهم.
والإحسان لليتامى: بالمحافظة على أموالهم إن كان لهم مال، والإنفاق عليهم إن لم يكن لهم مال، وهكذا.
وأخيرا… إن كنا قد أجملنا الكلام في ثمانية أخلاق فلا يعني ذلك أننا نقلِّل من أهمية خلق الكرم، أو الإيثار، أو الحياء الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان»رواه البخاري، وقال: «لكل دين خُلُقًا وخُلق الإسلام الحياء»الموطأ وابن ماجه، أو نقلل من شأن الشهامة والمروءة والأمانة، أو أي خلق من الأخلاق التي رغَّب الإسلام في الاتصاف أو التخلق بها.
سائلاً الله جل شأنه أن يجعل فيما قلناه – في هذه المقالات الستة – كفاية، وأن يرزقنا التخلّق بما كتبناه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
- التصنيف: