توحيد الألوهية - (8) شروط لا إله إلا الله

منذ 2017-12-20

تلك الشروط التي لا تَنفع قائلها إلاَّ باجتماعها فيه، وهي أيضًا اللوازم الضروريَّة التي ورَدت في الكتاب والسُّنة، كعلامة مميزة تدلُّ على صدقِ مَن نطَق بشهادة التوحيد وصحة إسلامه، وهذه اللوازم وإن كانت تتحقَّق بتلقائيَّة فطريَّة في كلِّ مسلمٍ صادقٍ آمَن بالله ورسوله..

(8) شروط لا إله إلا الله

شروط "لا إله إلا الله" (علامات قبولها عند الله عزَّ وجلَّ)

الشرط لغة:

هو إلزام الشيء والْتِزامه في البيع ونحوه، والجمع: شروط، وأصل الاشتراط: العلامة المميزة التي يَجعلها الناس بينهم لأمرٍ ما، بحيث تَرتبط تلك العلامة بوجود ذلك الأمر كارتباط السبب بالنتيجة، والعلةِ بمعلولها؛ قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: 18].

 

وعند البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: ((من أشراط الساعة أن يقلَّ العلم، ويَظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتَكثُر النساء، ويقلُّ الرجال؛ حتى يكون لخمسين امرأةً القَيِّمُ الواحد)).

 

والمقصود بشروط "لا إله إلا الله":

تلك الشروط التي لا تَنفع قائلها إلاَّ باجتماعها فيه، وهي أيضًا اللوازم الضروريَّة التي ورَدت في الكتاب والسُّنة، كعلامة مميزة تدلُّ على صدقِ مَن نطَق بشهادة التوحيد وصحة إسلامه، وهذه اللوازم وإن كانت تتحقَّق بتلقائيَّة فطريَّة في كلِّ مسلمٍ صادقٍ آمَن بالله ورسوله، ولا تتطلَّب شرحًا مُفصَّلاً، أو بيانًا مُطوَّلاً، إلاَّ أن فساد الفطرة، وتغيُّرَ المفاهيم حول كلمة التوحيد، واختلاف معناها من طائفة إلى أخرى - يدْعو إلى بيان هذه الشروط، وإظهار الضوابط الأساسيَّة التي ورَدت في القرآن والسُّنة؛ حتى تظلَّ الشهادة على نقائها المعروف في عصر الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - فالمقصود عندهم بقول العبد: "لا إله إلا الله" أنه يُقِر بأنه لا معبود بحقٍّ إلاَّ الله، وأنه سيُصَدِّق خبرَه تصديقًا جازمًا، وسيُنفِّذ أمره تنفيذًا كاملاً، وأدلة الكتاب والسُّنة مُجتمعة على ذلك.

 

وليس كلُّ مَن نطَق بـ"لا إله إلا الله" يَعني بها ذلك، بل قد يَختلف معنى الشهادة ويتنوَّع عند قائليه، فمنهم مَن يَحصر معناها في الخالقيَّة، وأنه لا خالقَ إلاَّ الله، ومنهم مَن يَعني أنه لا موجودَ إلاَّ الله، على اعتبار أنَّ وجود المخلوق هو عينُ وجود الخالق، حالةَ ظهوره بأشكالٍ متعددة، وكثرةٍ متنوعة، ومنهم مَن يعني بها إفراد إرجاع الخلْق إلى العلَّة الأولى أو العقل الفعَّال، فليس كلُّ مَن قال: "لا إله إلا الله" يَعني بها ما أرادَه الله في كتابه، أو أرادَه رسولُه -صلى الله عليه وسلم- في سُنته، ولو نظَرت إلى معناها عند الخلَف المعروفين بأهل النظر والكلام، الذين اتَّبعوا فلاسفة اليونان، وعند غُلاة الصوفيَّة، وعند الفلاسفة؛ كابن سينا والفارابي وغيرهما - لرأيتَ عقيدةً باطلة تؤدِّي إلى هدْم التوحيد، ونفْي حقيقة الألوهيَّة التي اتَّصف الله تعالى بها.

 

فالقصْد أنَّ صحة الشهادة من قائلها، لا بدَّ من الإتيان فيها بلوازمها، وهذا أمرٌ واضح في الكتاب والسُّنة، لكن ينبغي أن يُعلمَ أنَّ المقصود بهذه الشروط صحَّتها عند الله - عزَّ وجلَّ - حتى يَنتفع بها قائلها في الآخرة، فأغلبُها من أعمال الباطن، ولكن يُحكم في الدنيا بإسلام مَن نطَق بالشهادتين، ثم يُطالَب بعد ذلك بفرائض الشريعة، وليس الأمر كما يظنُّ بعض أهل زماننا أننا لا نَقبل هذه الشهادة من أحدٍ؛ حتى تتوفَّر فيه هذه الشروط السبعة الآتية، ولو تدبَّروا فيها، لعَلِموا أنَّهم لا سبيلَ لهم إلى معرفة تحقُّقها من أحدٍ!

 

فهذه الشروط هي: العلم واليقين، والقَبول والانقياد، والإخلاص والصِّدق والمحبَّة، فكيف يَقيسون اليقين والقَبول، والإخلاص والمحبة؛ حتى يَحكموا على الناس بعد ذلك بالإسلام أو عدَمه؟!

 

وكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" لا تنفع صاحبَها إلاَّ إذا استكمَل هذه الشروط، ومعنى استكمالها؛ أي: اجتماعها في العبد، والْتِزامه إيَّاها بدون مناقضة منه لشيءٍ منها، وليس المراد من ذلك عدَّ ألفاظها وحفْظها، فكم من عاميٍّ اجتمَعت فيه والْتزَمها، ولو قيل له: اعْدُدْها، لَم يُحسن ذلك! وكم مِن حافظٍ لألفاظها، يَجري فيها كالسَّهم، وتراه يقع كثيرًا فيما يُناقضها، والتوفيق بيد الله وحْده، والله المستعان.

 

وهذه الشروط السبعة السابق ذِكرها مُستنبَطةٌ من الكتاب والسُّنة، وذكَرها صاحب "معارج القَبول" وغيره، وهاك تفصيلها باختصارٍ، فأصْغِ سمعَك، وأحضِر قلبك؛ لإملاءِ أدلَّتها، وتفهُّمِها، وتعقُّلِها، ثم اعمَل على وَفْق ذلك، تَفُز بسعادة الدنيا والآخرة - إن شاء الله - كما وعَد - سبحانه وتعالى.

 

1- العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا: نفيًا للألوهيَّة واستحقاقِ العبادة عن غير الله تعالى، وهو الكفر بالطاغوت، وإثبات الألوهيَّة لله وحْده، وهو الإيمان بالله، وهذا العلم يُنافي الجهل بذلك؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]، فبدَأ بالعلم قبل القول والعمل.

 

وقال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ﴾ [الزخرف: 86]؛ أي: بـ"لا إله إلا الله"، ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]؛ أي: يعلمون بقلوبهم ما نطَقوا به بألْسِنتهم، وفي صحيح مسلم وسُنن النسائي: ((مَن مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخَل الجنة)).

 

2- اليقين المنافي للشك: بأن يكون قائلها مُستيقِنًا بمدلول هذه الكلمة يقينًا جازمًا؛ فإن الإيمان لا يُغني فيه إلاَّ عِلْم اليقين، لا علم الظنِّ، فكيف إذا دخَله الشك؟!

 

قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15].

 

فاشترَط في صدْق إيمانهم بالله ورسوله، كونَهم لَم يَرتابوا؛ أي: لَم يَشُكُّوا؛ فأمَّا المُرتاب، فهو من المنافقين - والعياذ بالله - الذين قال الله فيهم: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 45].

 

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يَلقى اللهَ بهما عبدٌ غيرَ شاكٍّ فيهما، إلاَّ دخَل الجنة))، وفي رواية: ((لا يَلقى اللهَ بهما عبدٌ غير شاكٍّ فيهما، فيُحجب عن الجنة))، فاشترَط في دخول قائلها الجنةَ أن يكونَ مُستيقنًا بها قلبُه، غير شاكٍّ فيها، وإذا انتَفى الشرط، انتفى المشروط.

 

3- القَبول لِما اقْتَضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه: وهذا القبول يُنافي الاستكبار؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35].

 

فجعَل الله تعالى عِلَّة تعذيبهم وسببَه هو استكبارَهم عن قول: "لا إله إلا الله"، وتكذيبهم مَن جاء بها، فلم يَنفوا ما نفَته، ولَم يُثبتوا ما أثبَتته، بل قالوا إنكارًا واستكبارًا: ﴿ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾ [الصافات: 36]

 

فكذَّبهم الله تعالى ورَدَّ عليهم بقوله: ﴿ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الصافات: 37].

 

4- الانقياد لِما دلَّت عليه، وهذا الانقياد يُنافي ترْك ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ [لقمان: 22]، وقال: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

والمقصود بالانقياد الذي هو شرْطٌ في أصل الإيمان: انقياد القلب، وهو شيء زائدٌ على مجرَّد المعرفة والتصديق، فهو رؤية العبد أنَّ عليه أن يُطيع الله تعالى، وإذا قصَّر في الطاعة أو عصى، فهو ظالِم لنفسه، وأمَّا الانقياد بالجوارح وترْك المعاصي، فهو شرطٌ في كمال الإيمان الواجب، لا في أصل الإيمان، وتأمَّل قصة آدمَ - عليه السلام - وإبليس؛ لتَعرفَ الفرق، فآدمُ - عليه السلام - عصى ربَّه وأكَل من الشجرة، ولكنَّه لَم يَفقد من قلبه الانقياد، فقال: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].

 

وإبليس عصى، وردَّ الأمر على الله تعالى، فقال: ﴿ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ ﴾ [الحجر: 33]، مع كونه كان مُصَدِّقًا بالأمر، عارفًا بوجود الله تعالى وربوبيَّته، فكفَر بذلك؛ لانتفاء الانقياد الباطن، واستحلال المعصية، وترْك الواجب، فمعصية آدم - عليه السلام - لَم تكن كفرًا، ومعصية إبليس كانت كفرًا، فتنبَّه لهذا الفرق.

 

ولا خلافَ بين أهل السُّنة في ذلك، إلاَّ ما كان من اختلافهم في تكفير تارك الصلاة تكاسُلاً، وكذا الصوم والزكاة والحج، وهو خلاف سائغ عند أهل السُّنة، لا يُبَدَّعُ ولا يُضلَّلُ فيه المخالِفُ عند أحدٍ من أهل العلم.

 

5- الصدق فيها المنافي للكذب: وهو أن يقولها صدقًا من قلبه، يُواطئ قلبُه لسانَه؛ قال تعالى في شأن المنافقين الذين قالوها كذبًا: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 8 - 9].

 

وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من أحدٍ يَشهد أنْ لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صدقًا من قلبه، إلاَّ حرَّمه الله على النار)).

 

فاشترَط في إنجاء مَن قالها من النار، أن يقولها صدقًا من قلبه، فلا يَنفعه مجرَّد التلفُّظ بدون مُواطأة القلب.

 

6- الإخلاص: وهو تصْفية العمل بصالح النيَّة عن جميع شوائب الشِّرك؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5].

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((فإنَّ الله حرَّم على النار مَن قال: "لا إله إلا الله"، يَبتغي بذلك وجْه الله - عزَّ وجلَّ))؛ والحديث متَّفق عليه.

 

7- المحبَّة لهذه الكلمة ولِما اقْتَضته ودلَّت عليه، ولأهلها العاملين بها، المُلتزمين بشروطها، وبُغض ما ناقَص ذلك: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، وعلامة حبِّ العبد ربَّه: تقديم مَحابِّه وإن خالَفت هواه، وبُغض ما يبغض ربُّه وإن مال إليه هواه، ومُوالاة مَن والَى الله ورسوله ومُعاداة مَن عاداه، واتِّباع رسوله واقْتِفاء أثره وقَبول هداه، وكلُّ هذه العلامات شروطٌ في المحبَّة، لا يتصوَّر وجود المحبة مع عدم شرْطٍ منها، وفي الصحيحين قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين)).

 

هذا وقد ذكَرتُ هذه الشروط مختصرة، وأُحيلك على كتاب "شروط لا إله إلا الله"؛ للدكتور/ محمود عبدالرازق الرضواني، فقد فصَّل فيه هذه الشروط تفصيلاً يَستدعيك - أخي المُوحِّد - أن تَرجع إليه، والله ولي التوفيق.

 

تنبيهات في غاية الأهمية:

1- اعْلَم أنَّ شروط كلمة التوحيد ليستْ مُنحصرة في الشروط السبعة السابقة، بل كلُّ عملٍ من أعمال القلب الواجبة، شرْطٌ في قبولها يوم القيامة كذلك، كما يدلُّ عليه القرآن، فالتوكُّل من شروطها؛ قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23].

 

والخوف من الله من شروطها؛ قال تعالى: ﴿ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، والرجاء والرغبة إلى الله من شروطها؛ قال تعالى: ﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾ [الأنبياء: 90]، ولا يتصوَّر مؤمنٌ ليس في قلبه ولو مثقال ذرَّة من التوكُّل والخوف والرجاء.

 

وشُكر نعمة الله، والصبر والرضا، وسائر أعمال القلوب، وكذا النُّطق بالشهادتين باللسان - مع القدرة - من شروطها، فلا يَكفي الاعتقاد الباطن دون نُطقٍ.

 

2- هذه الشروط يتفاوَت الناس فيها زيادةً ونُقصانًا؛ لأنها من الإيمان، والإيمان يزيد ويَنقص عند أهل السُّنة؛ كما دلَّ عليه القرآن والسُّنة، وإجماع سلف الأُمة، فمثلاً: العلم يتفاوت، فحقيقة العلم بمعنى "لا إله إلا الله"، تَشمل الدين كلَّه، وكلما ازدادَ الإنسان علمًا بشيءٍ من الدين، ازداد تحقيقًا لمعنى "لا إله إلا الله"، وقد يكون الإنسان جاهلاً بأنَّ الأمر الفلاني عبادة، ثم يَعلم الآية أو الحديث فيه، فيُصبح به عالِمًا، وكان قبل ذلك جاهلاً، ولَم يكن كافرًا، فالذي هو شرْط في أصل الإيمان؛ أي: قَبول "لا إله إلا الله" من العبد يوم القيامة لنجاته من الخلود في النار - أصلُ كلِّ شرطٍ من هذه الشروط، فأصل العلم شرطٌ، أو على الصحيح ركنٌ من أركان الإيمان، وأصل الانقياد شرطٌ، أو ركنٌ من أركان الإيمان، وأصلُ اليقين شرطٌ، أو ركنٌ من أركان الإيمان، وهكذا، وإلاَّ فاليقين أيضًا يتفاوت، وليس كلُّ نقصٍ فيه يكون شكًّا؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260].

 

وكمال هذه الشروط من كمال الإيمان وجوبًا واستحبابًا.

 

3- هذه الشروط ليستْ شروطًا في قَبول الإسلام الظاهر في الدنيا، ولكن في نفْع صاحبها في الآخرة، وتأمَّل جميع الأدلة التي ذُكِرت في كون هذه الأعمال شروطًا، تَجِدْها إنما هي في أمْر الآخرة: "حرَّمه الله على النار"، "دخل الجنة"، ونحو ذلك، وليس في ثبوت عصمة الدم والمال، بل النُّطق بها مع شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، كافٍ في عصمة المال والدم، وثبوت حُكم الإسلام ظاهرًا، وجَريان أحكام الإسلام على صاحبها في الدنيا، فاحْذَر - مما وقَع فيه أهل البدع - من الخلْط بين الأمرين، إلاَّ أن يُصرِّح مَن نطَق بها بكلامه الواضح الصريح، أنه قد انتفى من قلبه شيء من هذه الشروط؛ كمَن سَمِعناه يقول بلسانه: إنه يشكُّ في صدْق هذه الكلمة، أو في صدْق الرسول والقرآن، فهذا مُرتدٌّ بهذا الكلام، وليس كافرًا أصيلاً، وبينهما من الفروق ما يُذكر تفصيلُه في كتب الفقه؛ وذلك أنه ثبَت له حُكم الإسلام ظاهرًا بالنطق المجرَّد، ثم لَمَّا قال ذلك، صار مرتدًّا وإن كان هو عند الله وفي الآخرة - إذا كان شكُّه من أوَّل نُطقه بالشهادتين - كافرًا من البداية؛ لأن اليقين وغيره من الشروط، شرطٌ في صحة الإسلام والإيمان باطنًا، وهذا الأمر لا عِلْمَ لنا به؛ لأننا لَم نُؤمَر أن نشقَّ على قلوب الناس، وإنما صاحبه الذي يُخبر به، فهو - إن كان كذلك - من المنافقين، وهم مسلمون في الظاهر، فلو أنَّ ذميًّا يهوديًّا أو نصرانيًّا نطَق الشهادتين، ودخل الإسلام، ثم قال بعد ذلك: إنه عند قوله لهما لَم يكن صادقًا، أو لَم يكن محبًّا لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- لَم يُقبل قوله ذلك؛ حتى يجعلَ ذميًّا يُقِر بالجزْيَة كما كان، بل هو مُرتدٌّ لا يُقبل منه إلاَّ الإسلام أو السيف.

 

4- لا يَلزم المسلمَ حفْظ هذه الشروط وعدُّها، بل المقصود وجودُها في قلبه، ووجود كمالها الواجب في قلبه ولسانه وجوارحه - كما سبَق في معنى استكمالها.

محمود العشري

كاتب له عدد من الكتابات في المواقع الإسلامية

  • 37
  • 6
  • 146,712
المقال السابق
(7) فضل لا إله إلا الله
المقال التالي
(9) فضل الشهادتين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً