توحيد الألوهية - (16) أهداف الدعوة إلى الله
الدعوة إلى الله: وهي واجبة على كل أحد بحسَب قدرته - كما ذكرتُ - إما بنفسه، وإما بمُعاوَنة القادرين الآخَرين، أو بأمر القادِرين ونُصحِهم بالدعوة على بصيرة - علْم ويَقين - وبالحكمة والموعظة الحسنة..
وإني؛ إذ أُلحُّ على وجوب الدعوة إلى الله تعالى، أرى لزامًا عليَّ أن أبيِّن لكل مسلم - تهفو نفسه للدعوة - الهدفَ مِن هذه الدَّعوة؛ حتى يكون على وعْي مِن مَنهجِه، فلا يَحزن لعدم الثمرة المرئية، ولا ييئس، فأقول وبالله التوفيق: إننا نهدف من وراء دعوتنا إلى تحقيق بعض الأمور - وهي مُستنبَطة من السِّيرة - ومن أهمِّها:
1- إيمان الفرد المسلم الحقيقي، الذي يَصلُح بعد ذلك أن يكون لَبِنة المستقبل في بناء الأمة الشامخ، الذي يَصمُد للفتن، ويَنشُر هذا الدِّين، وهذا هو فعل النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقد اهتم بالصَّحابة الأُوَل، حتى بلغوا الأربعين في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وربَّاهم على قيام الليل والعقيدة الصحيحة، وحبِّ الله والخوف منه، ومعرفة اليوم الآخِر والحساب والجنة والنار، حتى أصبحوا - بحقٍّ - قادِرين على دعوتهم ونصرتها، والصبر على إيذاء المشركين، وهذا الفرد الذي نُريده له سماتٌ لا بدَّ أن تتحقق، ومنها:
• العلم: وثمرته: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخِر، والقدرِ خيره وشرِّه، والإيمان بالله يَشمَل الإيمانَ بأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيَّته، وأنَّ الحكْم له وحده، وعدم الخضوع لحُكمِ غيره، وصرف معاني الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من الشِّرك، وكذلك الاعتقاد في الصَّحابة، والإيمان والكفر، وغير ذلك من مسائل العقيدة التي ينبغي معرفتها.
• العمل بذلك العلم: وهو العبادة والقيام بالفرائض، وإتْباعها بالنوافِل، وتعلُّمُ فقْهِ هذه العبادات.
• المعامَلات: أن تكون فيما بيننا كما شرع الله، ليس فيها غشٌّ، ولا رِبًا، ولا غير ذلك من أنواع المضارَبات الفاسدة.
• الأخلاق السامية: كبِرِّ الوالدَين، والحياء، والعفَّة، والصدقة، والوفاء بالعهد، والأمانة، والعفو عند المَقدِرة.
• الدعوة إلى الله: وهي واجبة على كل أحد بحسَب قدرته - كما ذكرتُ - إما بنفسه، وإما بمُعاوَنة القادرين الآخَرين، أو بأمر القادِرين ونُصحِهم بالدعوة على بصيرة - علْم ويَقين - وبالحكمة والموعظة الحسنة، والأسلوب الطيِّب، والدعوةُ بالسمْت الطيِّب والالتزام أبلغُ في التأثير من الكلام؛ فهذا الدِّين دِيننا، وليس غيرنا يَحمِل أمانةَ تبليغه إلى الناس، فليكن شعارك: أصلِحْ نفسَك، وادْعُ غيرَك.
فلتجتهدْ - أخي - في إصلاح نفسك بالعلم النافع والعمل الصالح، وفي الدعوة إلى الله -تعالى- بإخلاص وعلى بصيرة.
2- إيجاد الطائفة المؤمنة والمجتمع المسلم الذي يطبِّق شرعَ الله وحُكمَه، ويقوم على الفروض الكفائية، فيكون نواةً للدولة المسلمة، والخلافة الإسلامية الراشِدة؛ فبدعوة الأسرة والجيران والأقارب، تقوم الأسرة المسلمة، والحيُّ المسلم، والمجتمع المسلم الذي يَعيش بالإسلام وللإسلام.
3- إقامة الحجة على العباد؛ لقوله -تعالى-: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165]، فالحجَّة قامت على العباد؛ لتبليغ قول الله وحُكمِه، وقول رسوله إلى الناس، فلا عُذرَ لهم، ولا حُجَّة عند الله يوم القيامة.
4- الإعذار أمام الله بأداء الأمانة؛ لقوله -تعالى- في سورة الأعراف: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164]، فنحن - إن فعلنا ذلك - نكونُ قد وجَدْنا لأنفسنا عذرًا أمام الله يوم القيامة.
متى لا تؤتي الدعوة الفردية ثمارَها المرجوة منها؟
إن هذا السؤال يَكثُر طرحه عندما تمضي أوقات - قد تكون سنين - والمدعو لم يستفدْ فائدةً حقيقية، ولم يَنتقل النقْلة المرجوَّة، بل كل ما يَستفيده مَظاهر - لا أُهوِّن من شأنها - ولكنها غير كافية لتحصينِه من فتن هذا الزمان.
والجواب قد تتعدَّد أشكاله؛ فقد يكون السبب في شخصية الداعية، أو الخلل في نيَّته، أو العلَّة في منهجه الذي يستقي منه، ولكني سأفترض أن كل تلك الأسباب ليستْ هي العقبةَ أمام تحقيق هدف الدعوة في التغيير، إذا افترضْنا أن شخصية الداعية مؤثِّرة، ونيَّته صادقة، ومنهجه سليم، فأين يَكمُن الخلل؟!
إن الخلل في تلك الحالة سيكون في الفوضويَّة في الدعوة الفردية، وتتمثَّل هذه الفوضوية فيما يأتي:
1- عدم وضوح الهدف الذي هو التغيير؛ فإذا بدأْتَ في دعوة فرد ما وأنت لم تحدِّد هدفك من وراء دعوته، فسوف تمضي السنون دون تحصيل الهدف الذي هو تغيير هذا الفرد فكريًّا وسلوكيًّا وتعبُّديًّا؛ ليكون على ما كان عليه النبي وصحابته، ولن يتمَّ هذا كله إلا إذا ضُبط عقائديًّا، وقد قال بعضهم: إنه يَكفي سنَتان حتى تصل بالدعوة إلى قمَّة عالية في هذه النواحي جميعًا.
2- قول الداعية: "لا أدري ماذا أقول"، وهذه الكلمة تدلُّ دَلالةً مُباشِرة على فوضويَّة الدعوة؛ مما يَنتُج عنه العشوائية والتخبُّط في اختيار الموضوعات، وأحسن الأحوال أن تَخطر على بال الداعية قصَّة أو فكرة، فيقولها دون أن تكون مُنتظِمة في إطار منسَّق مع غيرها من الأفكار والقصص.
3- قول الداعية: "ماذا أعطيه؟"، إذا سألتَه: ماذا أعطيتَ المدعو ليقرأه ويسمعه؟ فتجده خليطًا عجيبًا مِن العناوين، وتجد أشياء لا تُناسب المستوى الفكريَّ أو الإيمانيَّ، أو العلميَّ لدى المدعو، ولكن القاعدة أن هذا هو المتوفِّر لدينا؛ "هو ده اللي عندي".
4- عدم التكامل التربوي: وهذه صورة سيئة من صور الفوضويَّة في الدعوة، وظاهرة خطيرة في التربية؛ فتَجد أن الداعية الذي تميَّز في الجانب الإيماني يَغترف من بضاعته للمدعو، فيُغرقه بالإيمانيات، ويُهمِل جوانب لا تقلُّ أهميةً عن الجانب الإيماني؛ كمعرفة الواقع المُحيط بالدعوة، ومُتابعة الأخبار، وفهم المذاهب الفكريَّة المُعاصِرة، واكتساب المهارات العملية الدعوية، وقراءة الكتابات الفكرية المُنضبطة، وتحصيل الثقافة العامة التي يَستطيع الفرد من خلالها مُعايَشة الواقع في ظلِّ إيمانه وعقيدته، والعكس تجده عند مَن تميَّز في تلك الجوانب؛ يُغرق المدعو في بحر الفكْر والتحليل والثقافة والمُعاصَرة، على حين أنه لم يَصحَبْه إلى زيارة القبور مرَّةً، ولم يفكِّر أن يُصلِّي معه ركعتَي قيام، هذا إذا لم يُهوِّن له من شأن تلك الأمور، وهكذا تُصبح لدينا في النهاية تضخُّمات لجوانبَ مُعيَّنة على حساب جوانب أخرى.
ويمكن لنا أن نتَفادى جميع هذه المَظاهِر الفوضوية إذا ما اتَّبعنا خطوات ومراحل الدعوة الفردية بطريقة منظَّمة ومُسلسَلة؛ بحيث لا نتخطَّى أي مرحلة إلا بعد تمامها، وتحقيق هدفها ومقصودها.
- التصنيف:
- المصدر: