اعترافات الليل

منذ 2018-01-23

ينبغي أن تكون تلك اللحظات الغالية أصلا راسخا لدى كل مسلم وأن يكون ديدنه وطريقة حياته الاعتراف لمولاه والبكاء والتضرع بين يديه وحينئذ فليستعد لتلقي العطاءات عطاءات الليل واعترافات الليل.

اعترافات الليل

كلهم اعترفوا:

خير البشر اعترفوا.. الأنبياء والمرسلون اعترفوا الصالحون والصديقون اعترفوا لم يتأخر أحدهم عن الاعتراف حين استشعر أن الحاجة إليه قد أزفت آدم عليه السلام وزوجه لم يتأخرا وقالا {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}[الأعراف: 23].

واعترفا.. ولم يتأخر نبي الله يونس عليه السلام فقال {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: 87].

واعترف.. ولم يتوان نبي الله موسى عليه السلام فقال{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ}[القصص: 16].

ولم يستنكف رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يعترف فكان يناجي ربه قائلا: «ظلمت نفسي واعترفت بذنبي» صحيح مسلم

 

تخيل!:

الرسول نفسه يعترف لربه.. إذن فهو شرع وشعيرة وقربى.. أن تعترف .. وتقر بأنك قد زللت أو غفلت.. قد ضعفت أو ظلمت.. وليكن هذا الاعتراف الآن .. وأنت لم تزل هنا في الدنيا.. البديل أن تتأخر.. أن تعترف لا محالة لكن يحدث ذلك بعد أن يكون الأوان قد فات {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ‌ * فَاعْتَرَ‌فُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ‌}[الملك: 11].

تأمل الكلمة..{فَاعْتَرَ‌فُوا}.. في النهاية اعترفوا.. لكن بما سينفعهم اعتراف في قعر جهنم.. ينظر الواحد منهم حوله فيجد رفاقه المتأخرين مثله كل يعذب بما يناسب معصيته.. ثم يحين وقت الاستغاثات.. استغاثات تنضح منها الاعترافات لكنها كالعادة اعترافات متأخرة {قَالُوا رَ‌بَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَ‌فْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُ‌وجٍ مِّن سَبِيلٍ}..

 

مرة أخرى تأتي الكلمة {فَاعْتَرَ‌فْنَا}.. ءالآن؟!

ما قيمة الاعتراف الآن وقد تأخرتم وفات الأوان..

فلتستمر الاستغاثات دون جدوى..

- {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}[المنافقون: 10] ..

- {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ}إبراهيم: 44]..

- {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}الأعراف: 53]..

{ربَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}[السجدة: 12]..

وسيصرخون بعد حين {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 44]..

وسيجأرون حين يجدون أنفسهم حبيسي ما قد رهبوا منه طويلا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ.. أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن َّصِيرٍ}..

ثم سيخفت صوتهم و يضرعون مع من يضرع قائلا: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ *رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون: 106].

 

لكن كل هذا ستطيشه كلمة واحدة..

كلا!..

أتدرى لماذا؟..

لأن ما يقولونه تأخر..

تأخر حتى صار مجرد كلمة بلا قيمة..

ما يقولونه مجرد صياح عند الاضطرار، {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[الأنعام: 28].. نعم كاذبون ولو صدقوا لقالوها مبكرا لقالوها حال صحتهم وقوتهم وبأسهم ولا اعترفوا بينما لا يزالون فيها لكنها عادتهم أقوال لا أفعال و شعارات بغير أعمال وليصفعهم الرد الماحق {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف: 77].

 

لا فائدة، لا رجوع، لا عودة، ولا تخفيف..

فقط دونهم السداد، سداد ثمن تأخرهم عن الإجابة سداد ثمن سخريتهم و تعاليهم  وتأخرهم.. تأخرهم عن الاعتراف.. فلماذا إذا نتأخر؟ لماذا لا نسارع لهذه الشعيرة الاعتراف في ديننا اليسر الأمر سهل لا يحتاج الاعتراف في ملتنا إلى حواجز يجلس من خلفها كاهن يستمع اعترافك ولا يحتاج الأمر إلى فضائح علنية أو برامج إذاعية ليلية فقط يحتاج الأمر إلى خلوة إلى جلسة أنس بربك..

 

اعتراف للخالق وليس المخلوق:

المخلوق قد يستغل ضعفك وقد يتاجر بألمك ويتكسب باعترافاتك وربما يفضحك ويسخر من ذنبك أما الخالق فهو يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم حالك يعلم من نفسك ما لا تعلمه أنت عنها ويحب سماع نجواك واعترافات ويرأف بأنينك المذنب ويرحم دمعاتك النادمة ويشفي جراحك النازفة جراح الذنوب والخطايا..

 

نعم للذنوب والخطايا جراح تمزق القلب وتؤلم الروح ربما لا يشعر بتلك الجراح من علا قلوبهم الران وغشاها السواد فصارت كجلد الأجرب لا ترتاح إلى بمزيد من الحك العنيف حتى تدمى أما القلب السليم فلا يطيق هذه الجراح النازفة ويسارع إلى الاستشفاء منها في مشفى الليل وهذا هو أنسب الأوقات الهدوء والسكينة يعلوان الكون والصمت يغشى البيوت النائمة هذا أوان الخلوة وساعة الأنس بالله الساعة الأخيرة حين يتنزل الملك جل وعلا نزولا يليق بجلاله وكماله فيسأل عنك..

 

يطلبك.. يدعوك.. ليعطيك.. ويحبوك.. ويغفر لك..

لكن ذلك لا يكون إلا بعده.. بعد الاعتراف..

تلك الاعترافات الليلية منهج حياة..

 

ينبغي أن تكون تلك اللحظات الغالية أصلا راسخا لدى كل مسلم وأن يكون ديدنه وطريقة حياته الاعتراف لمولاه والبكاء والتضرع بين يديه وحينئذ فليستعد لتلقي العطاءات عطاءات الليل واعترافات الليل.

  • 6
  • 0
  • 6,628

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً