انتظار الفَرَج..!
قد كان دأب أولياء الله، حسن الظن به والثقة في موعودة بمجيء الفرج بعد الشدة، ولحسن ظنهم بربهم كان دائما عند ظنهم..
الدلائل كثيرة على أن أعداء المسلمين داخلون على مراحل طويلة من الصدامات وتصفية الحسابات.. وذلك على الأصعدة العالمية والإقليمية والمحلية.. فالخلافات الجارية على أعلى المستويات في أمريكا تسرِّع من وتيرة ضعف عادٍ الثانية وانعزالها.. وصعود الروس وحلفائهم على حساب الأمريكيين وأدواتهم؛ يقسم العالم من جديد إلى شركاء متشاكسين، كحاله قبل الحربين العالميتين.. والخلافات الداخلية في صفوف كيانات النفاق العلمانية في أكثر البلدان العربية والإسلامية.. ستتطور إلى مشكلات ومشاحنات فيما بينهم، لتشغلهم بأنفسهم وترخي قبضتهم، فمهما حسبناهم جميعا فقلوبهم شتى، يحسبون كل صيحة عليهم..
ولِحكمة بالغة أمر الله المسلمين أن يتربصوا بأعدائهم المتربصين، فقال سبحانه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة/٥٢].. والتربص معناه انتظار الشيء المرغوب.. وشتان بين رغبةٍ ورغبة.. فالمعادون للدين يرغبون في ضياع أهله، ويودون دوام قهرهم وعنتهم.. وأهل الدعوة يريدون الفرح بنصر الله، والفرج بمعونته لمن والاه، فعمل لنصرة دينه وسنة مصطفاه.. و الرب جل وعلا فوق الجميع يريد أن يوقن أولياؤه أنهم ليسوا وحدهم، فهو معهم ويده فوق أيديهم، وهو نصيرهم في حال صبرهم ومصابرتهم ومرابطتهم، واستقامتهم على الحق الذي معهم.
هذه المعاني ليست أوهامًا وتمنيات، بل هي من الحقائق المحكمات التي علمها أمين السماء لأمين الأرض، فأخبرنا بها في قوله صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر، وإنَّ الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا» [رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٤٩٦/٥] وهذا يشهد له قول الله عز وجل: «وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ» [الشورى/28] وقد قال سبحانه عن خير البشر وهم الأنبياء: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف/١١٠] وقال عن خير الأنبياء وخير الأصحاب: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة/٢١٤]
التربص بأعداء الإسلام مع القيام بالواجبات والمهام؛ هو نوع من العبادة.. ولا يمنع من كون (انتظار الفرج عبادة) ضعف إسناد الحديث المروي بذلك اللفظ عند الترمذي وغيره.. فمعناه صحيح، كما قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله. ولقد كان دأب أولياء الله، حسن الظن به والثقة في موعودة بمجيء الفرج بعد الشدة، ولحسن ظنهم بربهم كان دائما عند ظنهم، كما قال تعالى حاكياً عن يعقوب أنَّه قال لبنيه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ}[ يوسف/ ٨٧] ثم قصَّ عَقيبَ ذلك قصة اجتماعهم على غير توقع منهم.. وكم قصَّ الله من قصص تفريجِ همومِ أنبيائه عند تناهي كَرْبهم واستحكام بلائهم، كإنجاء نوح ومَنْ معه في الفُلك، وإنقاذه إبراهيم من النار، وفدائه لولده الذي أُمر بذبحه، وإنجاء الله موسى وقومه من اليمِّ مع إغراق عدوِّهم، وما كان مع أيوب ويونس، وما جرى لمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من إنجائه من كل أعدائه، كشأنه في الغار، ويوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، ويوم حنين، وغير ذلك.
ومن عجيب خبر الوحي في موضوعنا؛ قول نبيينا عليه الصلاة والسلام: «عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ [أي تغييره لأحوالهم] ينظر إليكم أزلين قنطين [أي واقعين في الشدة يائسين من الفرج] فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب [رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن].. لستم إذن وحدكم أيها المكروبون المحزونون.. {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون} [النحل].
- التصنيف: