مع القرآن - إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب
ذكر الله الكواكب كونها زينة للسماء، إذ لولاها، لكانت السماء جرما مظلما لا ضوء فيها، ولكن زينها فيها لتستنير أرجاؤها، وتحسن صورتها، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر.
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}:
من مخلوقات الله العظيمة تلك الأجرام السماوية المختلفة الأحجام و الصفات كالكواكب و النجوم و الشهب و النيازك وغيرها,في فضاء متسع لملايين ملايين الكائنات بملايين ملايين السنوات الضوئية و أحجام لا يستطيع العقل البشري لها وصفاً ولا وصولاً , وصفها خالقها بأنها زينة للفضاء الخارجي حفظاً للأرض من الشرور , يقذف الله بها مردة الشياطين حتى يفصل بينهم و بين استماع الملأ الأعلى ويدحرهم بها سبحانه.
فهل خلق الإنسان أصعب وأشد على الله من خلق هذا الكون الهائل؟؟
سبحان الله وتعالى عما يقول الكافرون المنكرون علوا كبيراً.
قال تعالى:
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات 6-11].
قال السعدي في تفسيره:
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى}
ذكر اللّه في الكواكب هاتين الفائدتين العظيمتين:
إحداهما: كونها زينة للسماء، إذ لولاها، لكانت السماء جرما مظلما لا ضوء فيها، ولكن زينها فيها لتستنير أرجاؤها، وتحسن صورتها، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ويحصل فيها من المصالح ما يحصل.
والثانية: حراسة السماء عن كل شيطان مارد، يصل بتمرده إلى استماع الملأ الأعلى، وهم الملائكة، فإذا استمعت قذفتها بالشهب الثواقب {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} طردا لهم، وإبعادا عن استماع ما يقول الملأ الأعلى.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أي: دائم، معد لهم، لتمردهم عن طاعة ربهم.
ولولا أنه تعالى استثنى، لكان ذلك دليلا على أنهم لا يستمعون شيئا أصلا، ولكن قال: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} أي: إلا من تلقف من الشياطين المردة، الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} تارة يدركه قبل أن يوصلها إلى أوليائه، فينقطع خبر السماء، وتارة يخبر بها قبل أن يدركه الشهاب، فيكذبون معها مائة كذبة يروجونها بسبب الكلمة التي سمعت من السماء.
ولما بين هذه المخلوقات العظيمة قال: {فَاسْتَفْتِهِمْ} أي: اسأل منكري خلقهم بعد موتهم. {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} أي: إيجادهم بعد موتهم، أشد خلقا وأشق؟. {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} من هذه المخلوقات؟ فلا بد أن يقروا أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس.
فيلزمهم إذا الإقرار بالبعث، بل لو رجعوا إلى أنفسهم وفكروا فيها، لعلموا أن ابتداء خلقهم من طين لازب، أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم، ولهذا قال: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} أي: قوي شديد كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: