طريق الثبات

منذ 2018-06-05

لو بحثنا عن أسباب الثبات في مواقف الشِّدة، لم نجدها في قوة البدن أو كثرة العلم أو كثرة الدروس والمحاضرات..

تمر بالإنسان -أحيانًا كثيرة- لحظات تخور معها عزيمة الرجال الأشداء؛ فلا يثبتون في مواقف الشدة، حتى إن من كان يُنظَر إليه على أنه من الثابتين الذين يُثبِّتون الناس ويدفعونهم في طريق الرِّباط قد خارت قواه؛ فلم يقوَ على مواصلة السير، ولم يقتصر أمره على الوقوف وإنما تراجع القهقرى، في مسلك يُحيِّر العقلاء والمتابعين.

ولو بحثنا عن أسباب الثبات في مواقف الشِّدة، لم نجدها في قوة البدن أو كثرة العلم أو كثرة الدروس والمحاضرات، ولكنها في تثبيت الله للمؤمن، حتى إنك لَتَجِد بعض من تظنه من العوام وأنه غير حَريٍّ بالثبات عند المحن، فإذا جاءت المحنة كان أثبت من الجبال الراسيات.

وتثبيت الله لمن يثبِّته إنما هو بسبب رصيده الإيماني الذي يلازمه في كل أحيانه.
قال الله-تعالى-: {يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم من الآية:27]؛ فالتثبيت للمؤمنين، وهو شامل لحال المؤمن في الدنيا كما في الآخرة، والقول الثابت هو قول الحق فلا يُغيَّر ولا يُبدَّل تحت طغيان الإغراء بالشهوات أو التهديد بالعقوبات، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من عجيب التثبيت ما ذكره عمَّن كان قبلنا، فقال: «كان الرجلُ فيمن قبلكم يُحْفَرُ لهُ في الأرضِ، فيُجْعَلُ فيهِ، فيُجاءُ بالمنشارِ فيُوضَعُ على رأسِهِ فيُشَقُّ باثنتيْنِ، وما يصدُّهُ ذلك عن دِينِهِ. ويُمْشَطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دونَ لحمِهِ من عظمٍ أو عصبٍ، وما يصدُّهُ ذلك عن دِينِهِ»، ثم أردف قائلاً: «واللهِ ليُتِمَّنَ هذا الأمرُ، حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموت، لا يخافُ إلا اللهَ، أو الذئبَ على غنمِهِ، ولكنكم تستعجلونَ» (صحيح البخاري [3612]) مبَيِّنًا أن هذا الدين منصور وظاهر، وأن على المسلم التمسك به والثبات عليه ولا يستعجل؛ فإن العاقبة للمؤمنين.

ومن عجيب التثبيت للمؤمن أن يُقيّض الله من العوام مَنْ يُثبِّت العلماء.
قال أحمد بن حنبل في محنة خَلْق القرآن: "ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلَّمني بها في "رحبة طوق" (*)، قال: "يا أحمد! إن يقتلك الحق مُتَّ شهيدًا، وإن عِشْتَ عِشْتَ حميدًا"، فقَوِي قلبي".

وفي ظل غربة الإسلام؛ فإن الدعاة إلى الله مِنْ أكثر مَنْ يحتاجون للتثبيت لتعرُّضهم للمحن الشديدة، وليس وراء الإيمان والعمل الصالح طريق آخر إلى الثبات.

 

(*) بلدة بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات.

الكاتب: قـلـم تحـرير مجلة البيان.

  • 6
  • 0
  • 13,306

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً