النقاط البيضاء في الثوب الأسود
فالمؤمن يخاف الله ويطيعه، ويخالف نفسه ويعصى هواه، ويقًدم الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، هذا في تعامله مع الله تعالى، أما مع الناس فهو مفتاح خير، ودلال معروف، وسفير هداية، ورسول صلاح
ما أحوجنا إلى الرحمة في عصر القسوة واللين في زمن العنف والرأفة في وقت الغلظة ، بدت البغضاء والشحناء في البيوت زاد العنف والقذف في الشوارع والأسواق ، تضاعف السب واللعن في والملاعب والأندية، وغير ذلك من الأماكن العامة والخاصة…
هل لذلك من دواء ؟! هل لذلك من شفاء ؟!
ما أحسنَ الإيمان يزينُه العلم! وما أحسَن العلم يزينه العمَل! وما أحسن العمَل يزينه الرحمة والألفة ! وما أضيفَ شيء إلى شيء مثل حِلم إلى عِلم، ومَن حَلُم ساد، ومَن تفهَّم وتأنَّ ازداد، ومن زرَع شجرةَ الرفق واللين حصَد ثمرة العلامة و السلامة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « ألاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ » ، [أخرجه الترمذي والطبراني] .
فعلى المسلم أن يكون رفيقاً بإخوانه، رحيماً بهم، يغفر زلاتهم، ويعفو عن إساءتهم، يرحم ضعيفهم، ويوقر كبيرهم، ولا يشق عليهم...
فاذا تكالبت الاحزاب وزاد الحراب وكثر الخراب وسُدَّت الأبواب، وزُلزِلت القلوب حتى توارت بالحجاب، تجد الواثق بربه، المستعين به، المتوجه إليه، المتوكل عليه - لا يعدِم الأسباب، ولا يترك الأبواب، ولا يهجر ربَّ الأرباب ، بل يستقي الرحمة من الرحيم والرأفة من الرؤوف .
عندها يتكالب الأَكَلة، ويطمع القتَلة تجد وَحْي السماء، متضمنًا قصص الأنبياء؛ ليكون نبراسًا للأمة إذا تعدَّى الأعداء وكثر البلاء.
في قلب البلاء تجد أولياء وفي عمق الشقاء تجد رحماء وفي مركز الظلماء تجد روح وضاء …
هناك مفاتيح للخير مغاليق للشر ..
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنَّ من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه»
والعمل الصالح يرفعه ، والكلمة الطيبة صدقة فالمؤمن يخاف الله ويطيعه، ويخالف نفسه ويعصى هواه، ويقًدم الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، هذا في تعامله مع الله تعالى، أما مع الناس فهو مفتاح خير، ودلال معروف، وسفير هداية، ورسول صلاح .. مغلاق شرِّ، ودافع بلاء، ومانع نقمة، وصمام أمان من غضب الرحمن ، يواسي الحزين ويريح المكلوم ويطمئن الخائف ويعيين المقهور إذا سدت الأبواب وضاعت الاسباب وزلزلت الألباب فإن الله عز وجل له باب لا يغلق ابدا اذا داومت على طرقه سيفتح لك يوما ما .
احيانا تجد القلوب وقد بلغت الحناجر من الضيق والضجر من أحوال المجتمع المتقلبة من الشدائد والمكائد من الضغوط الحياتية والمعيشية من المكر السيء من الشر المحدق من مكر الأعداء وخيانة الاصدقاء في هذا الجو القاتم تجد مصابيح متوهجة تجد شموع موقدة تجد قلوب صافيه وصدور راضيه ونفوس راقيه ربما يمتصون الحزن الذي ألم بك ولو بالكلمة الطيبة ربما يقذفون في قلبك الدفء والحنان ، في المؤسسات والهيئات ، في الطرق والمواصلات ، في النوادي والبوادي ، يستقبلونك بابتسامة مشرقة ويبادر نك بكلمة طيبة ، يسهلون الطريق لقضاء حاجتك ، يطمئنون قلبك وقت شدتك ، هؤلاء نقاط بيضاء في الثوب الأسود ، بعد عسرك وكربك تجد الانفراجة ، كيف لا و أشد ساعات الليل سوادا تلك التي تسبق بزوغ الفجر ، وأشد لحظات السماء غيوم تلك التي تسبق كل المطر، و أشد لحظات المرأة إيلاما التي تسبق نزول الولد والله سبحانه و تعالى يقول فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ولن يغلب عسر واحد يسرين وهكذا الحياه تمضي يوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسر و القوي لا لا يبقى قوي طول العمر والضعيف لا يظل ضعيفه أبد الدهر وإنما الله تعالى يجعل من بعد القوة من بعد ضعف قوة ومن بعد الفقر غنى ومن بعد المرض صحه ومن بعد ليس من بعد العسر يسر
فما أحوج المسلم إلى صاحب الرفق واللين في قوله والرحمة والرأفة في فعله، في سلوكه ومعاملته، مع أهله وأقاربه، مع أصدقائه وأحبابه، مع الصغار والكبار، مع الذكور والإناث، مع الإنسان ومع سائر الكائنات...
قال ابن القيم رحمه الله في "الوابل الصيب": من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به، ومن رحمَهمْ رحمَه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه .
وفي [صحيح مسلم] عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «منْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ»
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
" «من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير» ".
الرحمة كانت نبراسا لان يجتمع الصحابة حول حبيبهم صلي الله عليه وسلم قال تعالى: " {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } "
فالناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة وإلى ود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم .. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء ...وهكذا كان قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهكذا كانت حياته مع الناس.
وهذا لا يتمتع به إلا أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس التقنية
أمر إلهي لمحمد بن عبد الله وهو يقود ويسود " { واخفض لمن اتبعك من المؤمنين } " [ الشعراء]
أنه اللين والتواضع ، أنه الرفق والرحمة ، أنه الرأفة في صورة حسية مجسمة، صورة خفض الجناح كما يخفض الطائر جناحيه حين يهم بالهبوط .
اللهم ارزقنا الرحمة في قلوبنا والرأفة في صدورنا والتقويم في نفوسنا ..
وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا الكريم وعلى اهله وصحبه وسلم
خميس النقيب
معلم خبير
- التصنيف: