مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت 34 - 35]
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} :
لا تستوي الحسنات و الطاعات مع السيئات عن الله ولا عند الخلق , فإذا كنت من أهل الإحسان فاحمل نفسك على مقابلة الإساءة بالإحسان و العداوة بالسماحة و الدفع بالتي هي أحسن فإن ذلك من أكبر عوامل تغيير مواقف الأعداء و المسيئين , و إن كان المطلوب صعباً على النفس فإن المقابل عظيم والأجر جزيل , فهذه المرتبة لا يلقاها إلا أهل الصبر والمراتب العلا .
وسبيل الوصول إلى المراتب الأعلى في الآخرة تغيير النفس وهضمها ومخالفة الهوى وتقديم أمر الله من أجل الوصول إلى مرضاة الله.
قال تعالى:
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت 34 - 35]
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى: { {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} } أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها { {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} }
ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: { {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} } أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.
{ {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} } أي: كأنه قريب شفيق.
{ {وَمَا يُلَقَّاهَا} } أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة { {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} } نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟".
فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع للّه رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك، متلذذًا مستحليًا له.
{ {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } } لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: