سوريا : الدهشة الهشّة
لقد فتكت روسيا وإيران ببلادنا وأهلنا، فأحالتها إلى خراب ودمار، خاوية على عروشها
فراس السقّال
أدى صدور قرار توسيع صلاحيات وزير الأوقاف في سورية، إلى استهجان ومعارضة واسعة النطاق، من جماعة التصفيق في مجلس الشعب، خوفاً على علمانية نظامهم. فهل لهذه الدهشة مكان عند سيدهم؟ وإجابة هذا السؤال تبلورت قبل خمسين سنة تقريباً.
النظام الأسدي يمكّن حكمه:
تقبع سورية منذ ثمان وأربعين سنة في ظل نظام استبدادي خانق، استطاع خلال حكمه المتسلط إيجاد أو اكتشاف مجسمات مشيخية Mannequin)) تُجذّر حكمه، وتنشر فكره، أسلمت عقولها لصانعها فملأها بما يشتهي، ألبسها عمائم حيكت من أراء حزبه، وجُبباً سترت جرائمه، ولحى خضراء الدمن نبتت في المنبت السوء.
أهل الشام:
لقد وُصف أهل الشام منذ القِدم بعذوبتهم وبساطتهم ووسطيتهم، وحبهم وإعظامهم للدين والتدين، فلم يستطع أحد عبر التاريخ من سياسيين وعسكريين وحاقدين تغيير فكر الشاميين وتدينهم، حتى جاء حافظ الأسد، الذي عرف وترهم الحساس، فأخذ يدندن عليه، فقرب إليه الشيخ كفتارو الذي كان له اليد الطولى في اعتلاء الأسد عرش سورية، ومن ذلك اليوم بدأت تلك الماكينة الكفتارية بتهجين جيش عرمرم من نسخة شيخهم المدلل لدى الأسد.
المنبر الأمني:
لقد كان للمنبر المدعوم من أجهزة الأمن قبل ثورة الحرية دور فعال في قمع فكر التحرر، وامتد دوره أثناء الثورة في تحطيم الوعي لدى الشعب وإحباط عزيمتهم، فكان منهجه قديماً حصرَ فكر الناس بين أحكام الجنابة والحيض وطرق الاستنجاء (وحاشا التقليل من أهمية تلك الأحكام) بهدف تقزيم عقلية الشعب، وقصر التدين على تلك الأحكام وما شابهها، وحجبها عما يتعلق بالمجتمع والدولة والسياسة والفكر والحكم.
وبعد إغلاق جميع السبل أمام الشعب، فتح قناة واحدة يسلكها المواطن دون غيرها، مآلها إلى أسواق النخاسة، وبورصات الرقيق، ومتاجر الاستعباد، وتولى كبر ذلك التسليم المدقع عمائم مُسيرة، لم تلبث أن تحولت مع مرور الزمن إلى ظواهر عمّت المجتمع السوري.
ولهذه الظواهر أشكال وشخصيات وأساليب عدة فمنها:
الكفترة والضفدعة:
لقد تفشت في هذه الفترة ظاهرة ساعدت في قلب الأحداث لصالح ميليشيات الأسد في الغوطة الشرقية، إنها ظاهرة الضفدعة التي حمل تبعيتها الشيخ بسام ضفدع، وهي خليفة ظاهرة الكفترة التي سعى في تبنيها الشيخ كفتارو مفتي الجمهورية، فالظاهرتان هدفهما واحد، وهو إرضاء النظام البعثي، ولكن تختلفان من حيث الشكل والأسلوب، واليوم لا تخلُ منطقة أعاد النظام الأسدي استعمارها إلا وتسمع نقيق ضفدعها، الذي يوجه دفّة عقول الناس نحو التنازل والتصالح مع المجرم والانقياد له، وترك الحقوق، وإظهار الطاعة العمياء له، وتمجيده وشكره على كل جرائمه وبوائقه.
وإن كثيراً مما يسمى المصالحات اليوم هي نتاج تلك الظاهرتين، فقد استطاعت العمائم المنتشرة في كل المناطق المحررة استمالة فئة من الشعب، بعد حقنهم بجرعات دسمة من اليأس والإحباط، وتناغمت تلك الجرعات مع التهديد الأسدي بالكيماوي، وقصف الطائرات الروسية، وأحلام الناس بالسلامة والأمن والراحة والخلاص، والوعود الكاذبة بإخراج المعتقلين.
دور سلاح موظف الأوقاف:
لقد فتكت روسيا وإيران ببلادنا وأهلنا، فأحالتها إلى خراب ودمار، خاوية على عروشها، وتزامن ذلك مع قيام شيوخ النظام بالفتك بأفكار العباد وعواطفهم وألبابهم، فسلاح شيوخه الأمنين لا يقل بلاء عن سلاح روسيا وإيران، فكما أن لروسيا الدور الكبير في احتلال الكثير من المناطق المحررة، فإن للموظفين في وزارة الأوقاف سلاحاً فعالاً في تسميم الأفكار، وتخدير العقول، وتعبيد الشعب وإذلاله لظالمه. ولا أظن أن يتوقف تدفق تلك الظواهر الداعمة للمستبد، فهناك الكثير من المجسمات المعممة تجهز نفسها لتطفو وتأخذ زمام سلفها في قيادة العبيد، للطواف حول مستبدها ومستعبدها.
وبعد كل تلك الإنجازات التي قامت بها وزارة الأوقاف في سبيل بقاء الأسد في الحكم، يحق لذلك الطاغية أن يكافئ المؤسسة المشيخية بالمزيد من الصلاحيات الواسعة، فلن يجد عميلُ إسرائيل أوفى من تلك المشيخات، التي لم تدخر جهداً شيطانياً إلا واستنفذته، ولا خبثاً بلون الحكمة إلا وبذلته، ولا نفاقاً بلباس الحمية والوطنية إلا وقدمته، في سبيل ترسيخ قواعد حكم سيدها.
ولذلك سيُكلل توسيع مهام تلك الوزارة الداعم الأول لجميع الفروع الأمنية بالنجاح، فالمواجهة المباشرة غالباً ما تفشل، أما المواجهات المنافقة هي الرابحة في عالم السياسة السورية.
وأما تلك الصيحات المعارضة في جنبات مجلس الشعب، ما هي إلا دهشة هشّة لا معنى لها، أو مسرحية فاشلة، ستتلاشى مع إبداع خطباء فرع الأمن السياسي في الدعاء لسيدهم ربيب روسيا.
فراس السقّال
- التصنيف: