رؤية أعمق لا تصرف أحمق!... قراءة في (ثورة) 17 يونيو
من التفاؤل في قضية قيادة المرأة للسيارة أنها لفتت انتباه الرأي العام إلى بدائل أكثر أماناً ، وسلامة للمرأة تنطلق من دراسات علمية وتجارب واقعية أثبتت نجاحها ، وكشفت للمخدوعين بها أنَّ هناك خيوطاً خفية لمن يحركها ويقف وراءها..
تقول البريطانية تانيا هوسو :" كنتُ أقضي في قيادة سيارتي في أمريكا
مايقارب الساعتين يومياً أقوم خلالها بإيصال الأطفال إلى المدرسة
وإعادتهم بعدها ، فقد كانت سعادة لي ألا يتكرر ذلك في الرياض ! ، ففي
الليالي المظلمة لن يصيب المرأة السعودية القلق من مهاجمة أحد وهي في
طريقها إلى السيارة ، والأهم من ذلك كله الأخذ في الحسبان اهتمام
الإسلام بحماية المرأة ، فهل يخاطر أي أحد بإلقاء المرأة لوحدها في
الشارع ؟ ، فالأسطورة الغربية تقول:" إنَّ النساء السعوديات مضطهدات ،
ويخضعن للهيمنة الذكورية " ، وقد دهشتُ أشد الدهشة كيف استمر هذا
المفهوم الغربي غير الدقيق عن المرأة ، لقد آن للسعوديين أن يشرحوا
للعالم مدى احترامهم للمرأة وكيف أن الأسرة لها الأولوية " (المرأة
السعودية رؤى عالمية ، 1429هـ ) .
آثرتُ الاستشهاد بهذه التجربة النسائية الغربية المنصفة ، و غير
المؤدلجة ! ، هذه المرأة الغربية عاشت الواقعين مابين قيادة السيارة
وعدمها ، فاختارت عدم قيادتها وكانت سعيدة لذلك ، موضحةً كيفية
احترامنا للتكوين الأسري بحجر زاويته المرأة السعودية ، في حين أننا
رأينا بعض أبناء بلدنا يحاول تكريس تلك الأسطورة الغربية لتي استشهدتْ
بها " تانيا هوسو " أعلاه عن صورة المرأة السعودية في الغرب ، إضافةً
إلى حصره لحقوق المرأة في قيادتها للسيارة ! ، ولكن هل القضية تتمثل
في مطالبة لحقوق المرأة فقط ؟! ، أم أنَّها ستار لما هو أكبر من ذلك
بكثير ، وامتداد لثورات سابقة حاولت عبثاً أن تهدد أمننا " كثورة حنين
" ؟!
و أذكر في هذا الشأن ماتناقلته وسائل الإعلام من ظهور لبرقيات
دبلوماسية أمريكية سربها موقع ويكيليكس ، تفيد بأن إدارة الرئيس
الأميركي باراك أوباما قد مارست ضغوطاً على الحكومة السعودية للسماح
للمرأة السعودية بقيادة السيارة ، ووصفت المملكة العربية السعودية
بأنها "أكبر سجن للنساء في العالم " ، ونسبت عبارة "أكبر سجن" إلى
الناشطة السعودية وجيهة الحويدر التي كان الدبلوماسيون الأميركيون في
الرياض على اتصال بها ! ( الجزيرة نت ، 25/6/1432هـ ).
وقد صرحت قناة " العالم " الإيرانية أنَّ يوم ( 17 ) يونيو الموافق
15 / رجب ، يوافق يوماً مقدساً لديهم ، ووصفته بأنه يوم لتحرير المرأة
السعودية من السلطة الوهابية ! ( 21/ 6/ 1432هـ ) .
أما صحيفة " نيويورك تايمز " فقد نشرتْ في تغطية لها عن القضية : "
التغييرات التي تجتاح العالم العربي تعد لحظة مناسبة للمرأة لأخذ زمام
المبادرة ! ولكن الحكومة السعودية تحركت بسرعة لإخماد حركة الاحتجاج
في مهدها عن نساء يطالبن بحق قيادة حملة مستوحاة من الانتفاضات في
مختلف أنحاء العالم العربي تطالب بالحريات الجديدة ، والحظر المفروض
على قيادة النساء للسيارات هو علامة على أنَّ الحكومة لا تزال صامدة
في وجه الهجمة الغربية على التقاليد السعودية !( 23 / مايو / 2011م )
.
وقد حجبت إدارة شبكة التواصل الاجتماعي " الفيس بوك " صفحة حملة "
أبي حقوق .. ما أبي أسوق " ، التي قامت عليها مجموعة من المثقفات
السعوديات معلنات رفضهن لقيادة المرأة للسيارة ، ومطالبات بإنشاء شبكة
النقل العام ، وذلك في أول يوم من تدشين الصفحة ! ( صحيفة سبق
الالكترونية ، 26 / مايو / 2011م ) .
أما منظمة " هيومن رايتس ووتش " فقد أدانت القرار ضد قيادة النساء
للسيارات في 17 يونيو ، مؤكدة أنه ينتهك التزامات السعودية بموجب
القانون الدولي ، ولا سيما المادة ( 2 ) من اتفاقية إلغاء كافة مظاهر
التمييز ضد المرأة (سيداو) ، التي صادقت المملكة العربية السعودية في
عام 2000 م ! ، وأنَّ المادة (15 - 4) من الاتفاقية تلزم الدول
بالمساواة بين الرجل والمرأة في ذات الحقوق فيما يتعلق بالقانون
المتصل بحركة الأشخاص ! (23/ مايو / 2011م )
وقد نشرتْ صحيفة " الإندبنت " خبراً بعنوان : اعتقلت إمرأة سعودية
بعد تحديها لقانون حظر القيادة ، مؤكدة أنَّ النساء السعوديات
المطالبات بالقيادة شنوا حملات ضغط على الحكومة ! (23/ مايو / 2011م
)
أما " منظمة العفو الدولية " فقد حثت على الإفراج عن منال الشريف ،
وقال مالكوم سمارت - مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة
العفو الدولية - : "تواجه النساء في المملكة العربية السعودية التمييز
الشديد بسبب نوعهن الاجتماعي ! ، والحظر المفروض على قيادتهن السيارة
يعد جانباً من القيود المفروضة على حرية تنقلهن ، ولم يبقَ خيار أمام
الناشطات النسائيات سوى اللجوء إلى تحدي القيود ! ( 24 / مايو / 2011م
)
هذا بالإضافة إلى عدد من الوكالات الإخبارية العالمية التي أفردت
مساحة واسعة لتغطية القضية ، كوكالة " فرانس برس" ، " بي بي سي " ،
أسوشيتد برس ، " سي إن إن " ، شبكة "بلومبرغ" الأمريكية ، وغيرها
الكثير ، مما يدل على أنَّ هذه المطالبات بقيادة المرأة للسيارة - في
هذا الوقت المصاحب للأحداث السياسية حولنا في المنطقة - إنما هو
محاولة لإشعال الفتنة من الداخل ، ومحاولة عبثية لإحداث انشقاق في صف
الوطن ، وعلى الذين خُدعوا بالمطالبات الخاصة بقيادة المرأة للسيارة
أن يبادروا إلى رفضها في هذا الوقت ، انطلاقاً من المصلحة الوطنية
الكبرى ، لاسيما أنهم تغنوا بالوطنية مراراً ، عبر مقالاتهم ،
ومنابرهم الإعلامية المتعددة ، ووزعوا صكوكاً حصرية لها على من يرغبون
! ، فهذا وقت إثبات وطنيتهم ، فأين هي ؟!
ولو نظرنا من زاوية أخرى ، فالقضية ليست في قيادة المرأة للسيارة ،
بل المشكلة الرئيسة تتمثل في ( تنقل المرأة) ، وقيادتها حل مطروح لتلك
المشكلة ، ولكن ! هل هذا الحل يعد آمناً للمرأة ، ويحل مشكلات تنقلها
فعلاً ؟!
في هذا الشأن أذكر دراسة بريطانية طبقت على عينة من النساء السائقات
توصلت إلى أنّ ( 58 % ) منهن يتوفين قبل الأربعين ، و ( 60% ) منهن
يصبن بأمراض نفسية ، وقالت الدراسة : أنّ قيادة المرأة لا تليق ولا
تتناسب معها (سياقة المرأة تقصر العمر ، صحيفة عكاظ ، 3 / يناير /
2008م ) ، ولو انتقلنا إلى دول الخليج وهي الأقرب لنا ثقافة ،
وتكويناً ، ظهرت لديهم مشكلات كثيرة نتيجة القيادة ، وعلى رأسها
الطلاق ، والتفكك الأسري ، والأبناء غير الشرعيين ، ومن ذلك دراسة
أجريت في الإمارات أكدت على أنَّ نسبة الطلاق ارتفعت بعد قيادة المرأة
للسيارة إلى ( 60% ) ، وذلك نتيجة لشعور المرأة بعدم حاجتها إلى الرجل
، وهذا نمط خطير لعولمة الأسرة ( الاستشاري كمال الصبحي ، قيادة
المرأة للسيارة في السعودية - دراسة تحليلية - ) ، وبالنظر إلى نسبة
الطلاق لدينا في السعودية فقد ارتفعت من ( 19 % ) عام 1422هـ ، إلى (
35 %) عام 1428هـ ، هذا والمرأة السعودية لم تقود بعد ؟!
بل وبحسب بعض الإحصاءات ، فالسعودية الدولة الأولى عربياً وعالمياً
في تسجيل أعلى نسبة وفيات في حوادث الطرق ، وذلك بحسب تقرير منظمة
الصحة العالمية (صحيفة الاقتصادية ، 8/1/ 1432 هـ) ، وقد أكد تقرير
الإدارة العامة للمرور أنَّ المملكة تفقد يومياً (17 ) شخصاً نتيجة
للحوادث المرورية، مضيفاً أنّ معظم الحوادث تقع وقت النهار بنسبة
(%62,04) (صحيفة الاقتصادية، 27/4/2010م ) .
و أطرح هنا تساؤلي بعد لغة الأرقام أعلاه : هل من المنطق أن نضيف
ضحايا جدد على الحوادث المرورية لدينا ؟! ، ولماذا تتجاهل الحلول
الأكثر أماناً وسلامة للمرأة كالنقل العام ؟! إضافة إلى فوائده
الاقتصادية التي أثبتتها عدد من الدراسات كدراسة النقل العام في
أمريكا ( صحيفة الرياض ، 4/6/1430 هـ ) ، والدراسة السويسرية التي
أشار لها مدير دائرة النقل في أبو ظبي (الهاملي 24 /8/2008م ) ، ومن
تلك الفوائد : " تقليل الازدحام المروري ، وتقليل أعداد الحوادث
المرورية ، و خدمة ذوي الدخل المحدود ، وتقليل التلوث البيئي، وزيادة
الإنتاجية في العمل " .
وختاماً : من التفاؤل في قضية قيادة المرأة للسيارة أنها لفتت انتباه
الرأي العام إلى بدائل أكثر أماناً ، وسلامة للمرأة تنطلق من دراسات
علمية وتجارب واقعية أثبتت نجاحها ، وكشفت للمخدوعين بها أنَّ هناك
خيوطاً خفية لمن يحركها ويقف وراءها ، وسقطت شعاراتها الرنانة
المتدثرة بحقوق المرأة ، والمتحدية للنظام الصريح من خلال تصرفات
حمقاء !
* كاتبة وأكاديمية سعودية
[email protected]
27/6/1432 هـ
- التصنيف: