المقصود من الفاحشة والفحشاء
قال الآلوسي: (قيل: الفاحشة المعصية الفعلية، وظلم النفس المعصية القولية، وقيل الفاحشة ما يتعدى، ومنه إفشاء الذنب
المقصود بالفحش والفحشاء
تطلق لفظة الفحش والفحشاء على عدة أمور منها:
1- إطلاقها على الزنا:
تطلق كلمة فاحشة على الزنا قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } [الإسراء: 32]، وقال عز من قائل: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] .
(قال ابن بكير: إذا نعتت الفاحشة بمبينة، فهي من باب البذاء باللسان، وإذا لم تنعت وأطلقت فهي الزنى، وقيل إذا كانت الفاحشة بالألف واللام فهي الزنى، واللواط) .
وقال ابن الأثير: (وكثيرًا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا) .
2- وتطلق على البخيل، الفاحش:
قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
يعني: الذي جاوز الحدَّ في البخل، وقال ابن بري: الفاحش، السيئ الخلق، المتشدد البخيل .
3- وتطلق على كل أمر لا يكون موافقًا للحق والقدر:
قال ابن جرير: (وأصل الفحش: القبح، والخروج عن الحد والمقدار في كلِّ شيء. ومنه قيل للطويل المفرط الطول:إنه لفاحش الطول، يراد به: قبيح الطول، خارج عن المقدار المستحسن. ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد:كلام فاحش، وقيل للمتكلم به: أفحش في كلامه، إذا نطق بفُحش) .
4- وتطلق على كلِّ خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال:
قال ابن الجوزي في تفسيره لقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ: (والفاحشة القبيحة، وكل شيء جاوز قدره فهو فاحش، والمراد بها هاهنا قولان أحدهما: أنها الزنى، قاله جابر بن زيد والسدي ومقاتل.
والثاني: أنها كل كبيرة: قاله جماعة من المفسرين) .
وقال الآلوسي: (قيل: الفاحشة المعصية الفعلية، وظلم النفس المعصية القولية، وقيل الفاحشة ما يتعدى، ومنه إفشاء الذنب؛ لأنَّه سبب اجتراء الناس عليه، ووقوعهم فيه، وظلم النفس ما ليس كذلك، وقيل: الفاحشة كلُّ ما يشتد قبحه من المعاصي والذنوب، وتقال لكل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال .
5- وتطلق على الفحش في الكلام:
والفحش في الكلام:
أ- إما أن يكون بمعنى السب والشتم وقول الخنا، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: (( «لم يكن النَّبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا.» ..)).
ب- وإما أن يكون بالتعدي في القول والجواب، كما في حديث عائشة، رضي الله عنها: (( «أنَّ يهودًا أتوا النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله، وغضب الله عليكم. قال: مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش. قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في» )) [البخاري] .
وقال الماوردي: (وما قدح في الأعراض من الكلام نوعان: أحدهما: ما قدح في عرض صاحبه ولم يتجاوزه إلى غيره، وذلك شيئان: الكذب وفحش القول. والثاني: ما تجاوزه إلى غيره، وذلك أربعة أشياء: الغِيبة والنَّمِيمَة والسعاية والسب بقذف أو شتم. وربما كان السب أنكاها للقلوب، وأبلغها أثرًا في النفوس. ولذلك زجر الله عنه بالحدِّ تغليظًا، وبالتفسيق تشديدًا وتصعيبًا. وقد يكون ذلك لأحد شيئين: إما انتقام يصدر عن سفه، أو بذاء يحدث عن لؤم. وقد روى أبو سلمة عن أبي هريرة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم ) . وقال ابن المقفع: الاستطالة لسان الجهال. وكف النفس عن هذه الحال بما يصدها من الزواجر أسلم، وهو بذوي المروءة أجمل) .
ج- وإمَّا بالتعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة:
بعض الناس يستخدم عبارات يقبح استخدامها، حتى لو كانت هذه العبارات مطابقة للواقع ينبغي تجنبها، وعليه أن يستعمل الكناية، وأن لا يصرح به، ويعبر عنه بكلام يفهم منه المقصود، قال النووي: (قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيى من ذكرها بصريح اسمها، الكنايات المفهمة، فيكني عن جماع المرأة؛ بالإفضاء، والدخول، والمعاشرة، والوقاع، ونحوها... وكذلك يكني عن البول والتغوط، بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرح بالخراءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكر العيوب؛ كالبرص، والبخر، والصنان، وغيرها، يعبر عنها بعبارات جميلة يفهم منها الغرض، ويلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه. واعلم أنَّ هذا كلَّه إذا لم تدع حاجة إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعت حاجة لغرض البيان والتعليم، وخيف أن المخاطب لا يفهم المجاز، أو يفهم غير المراد، صُرِّح حينئذ باسمه الصريح ليحصل الإفهام الحقيقي، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من التصريح بمثل هذا، فإنَّ ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا، فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة مجرد الأدب) .
وقال الغزالي: (فإنَّ لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها فيه، وأهل الصلاح يتحاشون عنها بل يكنون عنها، ويدلون عليها بالرموز، فيذكرون ما يقرِّبها ويتعلق بها، وقال ابن عباس: إنَّ الله حي كريم، يعفو ويكنو، كنى باللمس عن الجماع، فالمسيس واللمس، والدخول والصحبة، كنايات عن الوقاع وليست بفاحشة، وهناك عبارات فاحشة، يستقبح ذكرها ويستعمل أكثرها في الشتم والتعيير، وهذه العبارات متفاوتة في الفحش، وبعضها أفحش من بعض، وربما اختلف ذلك بعادة البلاد، وأوائلها مكروهة وأواخرها محظورة وبينهما درجات يتردد فيها، وليس يختص هذا بالوقاع، بل بالكناية بقضاء الحاجة عن البول والغائط أولى من لفظ التغوط والخراء وغيرهما، فإنَّ هذا أيضًا ما يخفى، وكل ما يخفى يستحيا منه فلا ينبغي أن يذكر ألفاظه الصريحة فإنَّه فحش، وكذلك يستحسن في العادة الكناية عن النساء، فلا يقال قالت زوجتك كذا، بل يقال: قيل في الحجرة، أو من وراء الستر، أو قالت أم الأولاد، فالتلطف في هذه الألفاظ محمود، والتصريح فيها يفضي إلى الفحش، وكذلك من به عيوب يستحيا منها، فلا ينبغي أن يعبر عنها بصريح لفظها كالبرص، والقرع، والبواسير، بل يقال: العارض الذي يشكوه وما يجري مجراه، فالتصريح بذلك داخل في الفحش، وجميع ذلك من آفات اللسان)
- التصنيف:
- المصدر: