مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - تبصرة وذكرى لكل عبد منيب

منذ 2018-11-29

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ

 

{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} :

قبل أن يستكبر الإنسان عن أمر الله أو يعرض أو يتكاسل أويعادي شريعة الله وأوليائه أو يصد عن سبيله , أفلا تفكر في كل ما حوله من مخلوقات علوية وأرضية لتتجلى له قدرة الله وأحقيته في العبادة والتشريع والطاعة وحده دون ما سواه.

السماوات و ما فيها من عجائب وأجرام لا يعلم إلا الله مدى أبعادها وأحجامها في كون مترامي الأطراف لم يقف الإنسان على منتهاه ولا يزال في اتساع لا يتوقف.

والأرض وما فيها من عجائب وتنوع للكائنات والنباتات والثمار, وإحياء الله للأرض الميتة بإنزال المطر لتثمر من ألوان الحياة وعلى هذا المثال يبعث الله الخلق بعد موتهم.

                   
قال تعالى: {
{ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } } [ق  6-11]

قال السعدي في تفسيره:

لما ذكر تعالى حالة المكذبين، وما ذمهم به، دعاهم إلى النظر في آياته  الأفقية، كي يعتبروا، ويستدلوا بها، على ما جعلت أدلة عليه فقال: { { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ} } أي: لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل، بل هو في غاية السهولة، فينظرون { {كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } } قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، مزينة بالنجوم الخنس، والجوار الكنس، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، لا ترى فيها عيبًا، ولا فروجًا، ولا خلالًا، ولا إخلالاً.

قد جعلها الله سقفًا لأهل الأرض، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع.

{ {و} } إلى { {الأرض كيف مَدَدْنَاهَا } } ووسعناها، حتى أمكن كل حيوان السكون فيها والاستقرار  والاستعداد لجميع مصالحه، وأرساها بالجبال، لتستقر من التزلزل، والتموج، { {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} } أي: من كل صنف من أصناف النبات، التي تسر ناظرها، وتعجب مبصرها، وتقر عين رامقها، لأكل بني آدم، وأكل بهائمهم ومنافعهم، وخص من تلك المنافع بالذكر، الجنات المشتملة على الفواكه اللذيذة، من العنب والرمان والأترج والتفاح، وغير ذلك، من أصناف الفواكه، ومن النخيل الباسقات، أي: الطوال، التي يطول  نفعها، وترتفع إلى السماء، حتى تبلغ مبلغًا، لا يبلغه كثير من الأشجار، فتخرج من الطلع النضيد، في قنوانها، ما هو رزق للعباد، قوتًا وأدمًا وفاكهة، يأكلون منه ويدخرون، هم ومواشيهم وكذلك ما يخرج الله بالمطر، وما هو أثره من الأنهار، التي على وجه الأرض، والتي تحتها من حب الحصيد، أي: من الزرع المحصود، من بر وشعير، وذرة، وأرز، ودخن وغيره.

فإن في النظر في هذه الأشياء { { تَبْصِرَةً} } يتبصر بها، من عمى الجهل، { {وَذِكْرَى} } يتذكر بها، ما ينفع في الدين والدنيا، ويتذكر بها ما أخبر الله به، وأخبرت به رسله، وليس ذلك لكل أحد، بل { {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} } إلى الله أي: مقبل عليه بالحب والخوف والرجاء، وإجابة داعيه، وأما المكذب والمعرض، فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون.

وحاصل هذا، أن ما فيها من الخلق الباهر، والشدة والقوة، دليل على كمال قدرة الله تعالى، وما فيها من الحسن والإتقان، وبديع الصنعة، وبديع الخلقة  دليل على أن الله أحكم الحاكمين، وأنه بكل شيء عليم، وما فيها من المنافع والمصالح للعباد، دليل على رحمة الله، التي وسعت كل شيء، وجوده، الذي عم كل حي، وما فيها من عظم الخلقة، وبديع النظام، دليل على أن الله تعالى، هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، ولم يكن له كفوًا أحد، وأنه الذي لا تنبغي العبادة، والذل والحب إلا له تعالى.

وما فيها من إحياء الأرض بعد موتها، دليل على إحياء الله الموتى، ليجازيهم بأعمالهم، ولهذا قال: { { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} }

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 4
  • 1
  • 16,113
المقال السابق
فهم في أمر مريج
المقال التالي
كُلٌّ كذب الرسل فحق وعيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً