مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - ولقد جاء آل فرعون النذر
وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ * أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ
{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} :
مثلما أرسل الله رسله إلى الأمم أرسل إلى فرعون رسوله العظيم موسى عليه السلام وأيده بالمعجزات الباهرة , فلم يزدد فرعون ومن تبعه إلا عناداً واستكباراً عن الانقياد لشريعة الله ولم تزدهم مهلة الله إلا كفراً على كفرهم فأهلكهم الله بعدما أراهم الآية العظيمة بأعينهم يوم انفلق البحر لنجاة موسى فلم يرجعوا ولم يسلموا أمرهم لله فكان البحر الذي انشق لنجاة موسى هو نفسه الذي انضم مرة أخرى لهلاكهم وإغراقهم.
فهل كل كافر معاند من أمتك يا محمد في مأمن مما أدرك هؤلاء من هلاك؟؟؟ هل كل رافض لشريعة الله مستكبر على الإيمان ببعيد عما جرى للسابقين من دعوة ثم مهلة ثم إهلاك؟ أم يظن هؤلاء أن عندهم من أسباب القوة والمنعة ما يتكفل لهم بالنصر على الله ورسله وأوليائه؟؟؟
بل سنة الله في كونه أن المجرم مهزوم مهما طالت به المهلة ما لم يحدث توبة وإيمان , ثم سيجمع الله الأولين والآخرين ليسألهم عن كل كبير وصغير.
قال تعالى :
{ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ * أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر 41-46]
قال السعدي في تفسيره :
أي: { { وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ } } أي: فرعون وقومه { {النُّذُرُ} } فأرسل الله إليهم موسى الكليم، وأيده بالآيات الباهرات، والمعجزات القاهرات وأشهدهم من العبر ما لم يشهد عليه أحدا غيرهم فكذبوا بآيات الله كلها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فأغرقهم في اليم هو وجنوده والمراد من ذكر هذه القصص تحذير الناس و المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: { { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} } أي: هؤلاء الذين كذبوا أفضل الرسل، خير من أولئك المكذبين، الذين ذكر الله هلاكهم وما جرى عليهم؟ فإن كانوا خيرا منهم، أمكن أن ينجوا من العذاب، ولم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار، وليس الأمر كذلك، فإنهم إن لم يكونوا شرا منهم، فليسوا بخير منهم، { { أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } } أي: أم أعطاكم الله عهدا وميثاقا في الكتب التي أنزلها على الأنبياء، فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار الله ووعده؟ وهذا غير واقع، بل غير ممكن عقلا وشرعا، أن تكتب براءتهم في الكتب الإلهية المتضمنة للعدل والحكمة، فليس من الحكمة نجاة أمثال هؤلاء المعاندين المكذبين، لأفضل الرسل وأكرمهم على الله، فلم يبق إلا أن يكون بهم قوة ينتصرون بها،
فأخبر تعالى أنهم يقولون: { {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} } قال تعالى مبينا لضعفهم، وأنهم مهزومون: { {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } } فوقع كما أخبر، هزم الله جمعهم الأكبر يوم بدر، وقتل من صناديدهم وكبرائهم ما ذلوا به ونصر الله دينه ونبيه وحزبه المؤمنين.
ومع ذلك، فلهم موعد يجمع به أولهم وآخرهم، ومن أصيب في الدنيا منهم، ومن متع بلذاته، ولهذا قال: { {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} } الذي يحازون به، ويؤخذ منهم الحق بالقسط، { {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } } أي: أعظم وأشق، وأكبر من كل ما يتوهم، أو يدور بالبال
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: