الشتاء ورقة قلب المؤمن
وفي فصل الشتاء أيضاً - تشتد حاجة بعض الأسر التي قد ضعف عائلها عن التكسب ، وقلة حيلته في تأمين قوت أهله ، فيأتي أصحاب القلوب الرقيقة لسد حاجة المعوزين والمحتاجين
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
 
الحمد لله الرحيم الرحمن ، والصلاة والسلام على أرحم الخلق بالخلق سيد ولد عندنا  ، وبعد..
فمن رحمة الله بعبده أن يجعل قلبه رقيقاً رحيماً بالعباد ، يُؤلمه ما يُؤلمهم ، ويشعر بضعفهم وحاجتهم للمعونة ، وصاحب القلب الرحيم من أهل الجنّة ، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام :
" « أهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ - وذكر منهم - وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ» .." رواه مسلم .
🌱يأتي الشتاءُ ببرده وزمهريره ليتذكر الموسِر حاجة الفقير لغطاء وكساء ودفء ومؤنة .
فلئن كان فئام من النّاس يعيشون رغد العيش من أكسية تكسو أجسادهم ، وأغطية تدفيء صقيع أبدانهم ، ففي النّاس من يئن تحت برده ، وصقيع منزله الذي لا يواري عنه برودة الجو والمكان .
لقد ذكر الله عباده المؤمنين بأنّهم :
(  {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}  )
فتأمّل - إنفاقهم المال على حبه - فهم مع حاجتهم لهذا الطعام يؤثرون غيرهم عليهم ، فكيف بمن عنده من أغطية البرد ، ومؤنة الشتاء ماتكفي العشرات من عباد الله !
 إخوتي...
إنّما يحمل المتصدقون والباذلون لإخوانهم في الشتاء - الرحمةُ التي سكنت قلوبهم - فأصبحوا لا يقرّ لهم قرارٌ إلا بكفاية إخوانهم ، فهم رحماء ويرغبون في نيل الرحمة من الرحيم الرحمن .
وفي الحديث :
"  «إنّما يرحم اللهُ من عباده الرحماء » "
و"  «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْض يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ » " .
 وفي فصل الشتاء أيضاً - تشتد حاجة بعض الأسر التي قد ضعف عائلها عن التكسب ، وقلة حيلته في تأمين قوت أهله ، فيأتي أصحاب القلوب الرقيقة لسد حاجة المعوزين والمحتاجين يحملهم على ذلك إرادة الأجر والثواب ، ففي نصوص الكتاب والسنة مايدعو النفوس لتسارع في هذا الباب .
المتصدقون والمحسنون هم أصحاب الميمنة ، الفائزون بالجنّة والدرجات العلى ، فقد رقت قلوبُهم في أيام المسغبة والشدة والحاجة ، قال تعالى :
{ {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ؛ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ؛ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ؛ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ؛ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} } 
فهم يريدون هذه الجنّة التي وعدهم الله دخولها بسلام .
فمن ( أطعم الطعام ، دخل جنّة ربه بسلام ) كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويحملهم الخوف من النار ، ويوقنون أنّ في الإطعام حجاب منها ومن لظاها ، ففي الحديث :
"  «اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة»  "  [رواه البخارى ومسلم]  .
ونفوسهم تتوق لئن يصيروا من خير النّاس ، ففي الحديث :
يقول صلى الله عليه وسلم :
"  «خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ » "  [رواه أحمد]  .
ويخاف أحدُهم أن يكون ببخله قد بلغ مبلغاً عظيماً من الذم فهرب من هذا ، ففي الحديث :
يقول صلى الله عليه وسلم :
" مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِه " رواه الطبراني .
لقد أحب هؤلاء المتصدقون المنفقون الأجرَ من الله ، وانتظروا العوِض منه ، فسارعوا لكل عمل يرضى به اللهُ عنهم ، ولم يتأخروا عن سد حاجة إخوانهم المعوزين ( تجارةً مع ربهم )
فاللهم أخلف عليهم خيراً ، وبارك لهم في أموالهم وصحتهم وذرياتهم .
كتبه / 
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
- التصنيف:
- المصدر:
 
                            