الهدف من ذكي إلى أحمق!

منذ 2019-01-31

وهذه الكلمة الجامعة مفيدة، وتضبط المسيرة نحو تحقيق الأهداف، وقد تكون ملتصقة بالإدارة أكثر من القيادة والزّعامة

علم الإدارة من العلوم الاجتماعيّة المهمّة للأفراد، والمنظّمات، والمجتمعات، والحكومات، ولذلك تتكاثر كلّيات الإدارة، ويطبع سنويًا أعداد ضخمة من كتب الإدارة ومجلّاتها، ويحرص المهنيون على الاستزادة من هذا العلم بالقراءة، أو الدّراسة، أو التّدريب؛ ولا يمنع هذا من وجود سمات إداريّة بالفطرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ومع الإدارة ترتبط عمليّة التّخطيط، وما يسبقها ويرافقها ويلحقها، وضمن التّخطيط تبرز الأهداف، وكيفيّة بنائها، وما يؤثر عليها من رسالة ورؤية وقيم وغير ذلك مما هو متداول ومعروف، ولا يخلو أيّ عمل إداري من تخطيط؛ وكلّ تخطيط متعلّق بأهداف ولابدّ.

وتجمع خصائص الهدف في أوائل حروف كلمة(SMART) ([1])، وسوف أعبّر عنها بالكلمة الأولى، وتترجم إلى ذكي، دون أن يكون لها علاقة لازمة بالذّكاء، وإنّما هي مثل كلمة (يرملون) في علم التّجويد، وتعني حروف الكلمة الأولى أن يكون الهدف محدّدًا، قابلًا للقياس، ممكنًا، مناسبًا، ومقيّدًا بزمن، على اجتهادات مختلفة في تفسير بعضها.

وهذه الكلمة الجامعة مفيدة، وتضبط المسيرة نحو تحقيق الأهداف، وقد تكون ملتصقة بالإدارة أكثر من القيادة والزّعامة، لما فيها من ترتيب، وتنظيم دقيق، وواقعيّة، ومحدوديّة، وهذه صفات لا تعاب؛ بل هي مطلوبة، بيد أنّ بعض الأفراد، والأعمال، يتطلّعون إلى ما هو أبعد وأجرأ منها!

وهذا ما أشار إليه محاضر أمريكي، وربّما أنّه أستاذ إدارة، اسمه بِرندون بورتشارد، حيث يرى أنّ الاكتفاء بالكلمة الأولى فيه تقزيم الطّموحات، وقتل الهمّة، وإبطاء سبل التّقدم، وعثار التّغيير الإيجابي، ولا تناسب الإنسان المقدام، ومن يرغب في تجاوز المرحليّة أو تسريع خطواتها.

ولذا يقترح كلمة بديلة هي(DUMB) ([2])التي تترجم إلى أحمق، وهي الكلمة الثّانية، ومن البديهي ألّا يكون لها ارتباط بالحمق المذموم، وإنّما هو تركيب حروف وافق هذه اللفظة، وقد يتقاطع مقتضاها مع الحمق؛ من حيث كثرة ناقديه، والخوف الشّديد من عواقبه، وسمته المستعجلة، مع عدم منح التّبعات المتوقعة حجمًا كبيرًا.

وترمز حروفها إلى كلمات تعني أن ينطلق الهدف من حلم يجعل للحياة معنى، وتذوب في سبيله المتاعب وتهون المصاعب؛ فلا شيء يحول دون بلوغه إّلا الموت، ويتزامن مع الحلم تغيير كبير يحفّز على العمل، ويشابه الإقلاع وليس مجرّد نقلة صغيرة، ويمتلك القائد نماذج منهجيّة للعمل، ويحيط تفاصيل أعماله بسلوك دقيق، وتأتلف هذه الأربعة معًا لتحقيق الحلم الكبير الذي يتجاوز ذكاء الهدف العادي، ومن الطّبيعي أن تنصرف همّة صاحب الحلم إلى معالي الأمور، وقممها، ويتشامخ عن الدّنايا، وما يستطيعه كلّ أحد.

وتحتاج الكلمة الثّانية إلى خدمتها بأبحاث، ودراسات، وتطبيقات، ونماذج؛ كي تغدو مثل أختها، مشتهرة في الأروقة العلميّة، وقاعات التّدريب، وعالم التّأليف، وإلّا أصبحت صرعة تطفو على السّطح فترة زمنيّة، ثمّ تنغمس إلى قاع سحيق كأن لم تكن شيئًا مذكورًا.

وتجتمع الكلمتان في سير الزّعماء التّاريخيين الذين صنعوا فرقًا في الحضارة، أو نهضوا بدولهم ومجتمعاتهم، فقد استخدموا الأولى في مواضعها الملائمة، وبقيت معهم ولم يستغنوا عنها البتة، ففيها الرّشد، والرّزانة، والأناة، وهذه معاني سامية؛ لا تنقضي الحاجة إليها.

ثمّ جعلوا نصيبًا كبيرًا من مجهودهم ووقتهم لاستثمار دلائل الثّانية، فالتّطوير الكبير يستلزم وجود حلم يسعى إليه المرء وفريقه، وهذا الحلم يتّطلب انطلاقة أسرع من المشي، والجري، والقفز، والوثب، إذ لابدّ له من إقلاع يلحق به من أدركه؛ وقد يفوت على آخرين، أو يلامسون هواءه!

ومع الحلم والإقلاع، تتوافر مناهج عمل متينة، ونماذج محكمة تضبط الإجراء، وتحول دون الخلل، وتكتمل المنظومة بسلوك يصف الحيويّة، والصّدق، والشّفافيّة، والأمانة، مع مراعاة الجوانب الإنسانيّة، فالبشر، والمجتمعات، لهم سمات يحسن التّعاطي معها بما يضعهم داخل المعادلة لا خارجها، ومن نافلة القول أنّ صاحب هذه الطّريقة لا يأسره التّزلف الكاذب، ولا تبهره المدائح الممجوجة.

ويمكن بلوغ المنى بقوة قلب، ومضاء لا يلين، وعزم لا يصيبه خور، مع تحطيم السّقوف الوهميّة، والتّفاعل الحصيف مع الأسقف الحقيقيّة، فليس شيء يمنع من لذّة الحلم الجميل، وحدوده تبلغ عنان السّماء؛ ثمّ تتطامن هناك لجلال الله وعزته؛ ولا تنازع ربّنا في شيء من أمره أو نهيه، وفي ذلكم نجاح دنيوي، ونجاة أخرويّة.

وفيما قرأت عن الأمم والبلاد التي خرجت من قيعان الظّلم، والانكسار، والتّبعيّة، والتّخلف، لاحظت اعتزازاً كبيرا من غالبهم بثقافتهم، وموروثهم، وحضارتهم، فلم ينقلبوا عليها، ولم يجعلوها حاجزًا دون الاقتباس من الآخرين، وكم في المصالح الشّرعيّة، والمقاصد الكبرى، من توفيق لمن ينشد التّوفيق؛ فأخلص، ونصح، واجتهد، وتواضع للحقّ، واستعلى على الباطل.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

  • 1
  • 1
  • 5,255

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً