التوكل على الله وأهميته
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً» )
الحمد لله رب العالمين، لا يخيب من توكل عليه، والصلاة والسلام على سيد المتوكلين، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أيها الأحبة: إننا في زمن كثر فيه الاعتماد على الماديات، وقل فيه التوكل على الله تبارك وتعالى.
إن كثيراً من الناس عندما يبتلون بمرض أو فقر أو أي شيء تجدهم يذهبون إلى الناس ويقرعون أبوابهم من أجل أن يعينونهم في مصيبتهم، ولو لجؤوا إلى الله، وقرعوا بابه لوجدوه كريماً رحيماً رؤوفاً بعباده.
لقد جعل الله تعالى التوكل من أخص خصائص المؤمنين فقال: { {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} }[الأنفال: 2]، وقال: { {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} }[النحل: 41، 42]. ثقتهم بالله وحده لا شريك له، وأخبر سبحانه أن الشيطان ليس له سلطان على عباد الله المؤمنين المتوكلين { {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} }[النحل: 99].
ووعد عباده المتوكلين بخير الجزاء في جنة عرضها الأرض والسماء قال –تعالى-: { {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} }[العنكبوت: 58، 59]. وقال -تعالى-: { {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} }[الشورى: 36].
وهذا سيد المتوكلين يبين لنا حقيقة التوكل، كما في الحديث الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً» )1.
أيها الأحبة: إن هناك أناساً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب، قال عليه الصلاة والسلام: (.. «فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب» ) ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، ولم يشركوا بالله، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما الذي تخوضون فيه؟) فأخبروه، فقال: ( «هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون» )2.
ما هو التوكل؟
التوكل هو: صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وكِلَةُ الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه3، وقال الجرجاني: التوكل هو الثقة بما عند الله، واليأس عما في أيدي الناس4.
أيها الأحبة: قد يفهم بعض الناس أن التوكل الاعتماد على الله دون الأخذ بالأسباب، وفي الحقيقة أن هذا تواكل وليس توكل.
قال ابن القيم رحمه الله: التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب, ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم مع التوكل. ولكن من تمام التوكل: عدم الركون إلى الأسباب وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها.
فالأسباب محل حكمة الله وأمره ونهيه. والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية الأسباب إلا على ساق التوكل، ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية5.
قال سعيد بن جبير: التوكل على الله عز وجل جماع الإيمان.
وقال الإمام أحمد: صدق المتوكل على الله أن يتوكل على الله، ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء؛ فإذا كان كذلك كان الله يرزقه وكان متوكلاً6.
وقال ابن القيم: التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق، وظلمهم وعدوانهم7.
أسأل الله أن يجعلنا من المتوكلين، إنه سميعٌ قريب مجيب الدعاء، والحمد لله رب العالمين..
- التصنيف:
- المصدر: