الإسلام والوطنية
وكل محبة في الله تبقى على الحالين من فرج وضيق وكل محبة فيما عداه فكالحلفاء في لهب الحريق
والإسلام وإن كان لا يمنع حب الشخص لوطنه لكنه يوجب ملاحظة أمور لابد أن تكون في حسبان المسلم وأن يلاحظها بدقة فلا يوالي ويعادي من أجل الوطن بل يجعل الولاء أولا لله تعالى عليه يوالي وعليه يعادي فلا يقدم محبة الوطن أو أهل الوطن على محبة الله تعالى ومحبة من يحبه عز وجل كذلك يجب أن لا يكون حب الوطن ينشأ عن عصبية جاهلية أو على طريقة الجاهلين انصر أخاك ظالما أو مظلوما بمعنى الوقوف إلى جانبه سواء كان على حق أو على باطل بحجة أنه أخاه في الوطن بل عليه أن يراعي الأخوة الإسلامية قبل أخوة الوطن فإن أخوة العقيدة أثبت وأنفع من أخوة الوطن على طريقة خاطئة.
وكل محبة في الله تبقى
على الحالين من فرج وضيق
وكل محبة فيما عداه
فكالحلفاء في لهب الحريق
ومما لا مجال للشك فيه أن المسلمين ما ضعفوا وما استكانوا إلا يوم قدموا الوطنية وافتخر كل أهل وطن بوطنهم ولم يهتم بعضهم بالبعض الآخر فكان الجميع لقمة سائغة لأعدائهم فانفردوا بإذلال أهل كل وطن كما هو الوضع الآن وانتشرت مع الأسف دعوات جاهلية صار يرددها الكبير والصغير والمرأة والرجل وهو شعار التضحية في سبيل الوطن أو بذل الدم من أجل تراب الوطن ونحو ذلك من الكلمات التي أثمرت التخاذل حتى عن الدفاع الجاد عن أوطان المسلمين وأعراضهم ونصرة المظلومين وإرجاع الحق لأهله بعد أن ماتت هممهم وغيرتهم وتوزعتهم الأهواء وأثخنت فيهم الدعايات الجاهلية.
إن دعاة الوطنية لم يقفوا بها عند حد فقد قدسوا الوطنية إلى حد العبادة من دون الله تعالى وأحلوها محل الدين وصاروا لا يدعون إلا إلى تقديسها ونسيان كل أهل وطن ممن عداهم من أوطان المسلمين الأخرى ونشأ عن تلك الدعوات الفخر والخيلاء والاستكبار بغير الحق والتعالي والغطرسة الكاذبة بل وركن أهل كل وطن على قومهم في وطنهم في كل شيء حتى في الانتصار على الأعداء فقد نسوا أن النصر من عند الله تعالى فصاروا يمتدحون بأن الوطن سيمنحهم الشجاعة والنصر والعيش الكريم وأن وطن كل طائفة سيصبح مقبرة للغزاة والطامعين ولكنها جعجعة ولا ترى طحنا وعنترة جوفاء فضحتها الوقائع القائمة.
وقد بلغ من تقديس الأوطان عند دعاة الوطنية الجاهلية أن يطلبوا إلى كل شخص أن يقدس وطنه على كل الممل والأديان وأن يضحي بكل ما لديه لوطنه:
بلادك قدسها على كل ملة
ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
بل وقال:
سلام على كفر يوحد بيننا
وأهلا وسهلا بعده بجهنم
وإذا وصل الإنسان في حب وطنه إلى هذا الحد فماذا سيبقى لحب الله وللمحبة في الله مادام حب الوطن هو كل شيء في حياة الإنسان عليه يحيا وعليه يموت وعليه يوالي وعليه يعادي وبه يفاخر وإياه يقدس إلى حد أن الأوطان أصبحت وكأنها أوثان تعبد من دون الله تعالى وكل صاحب وطن يدعي أن وطنه هو أفضل الأوطان وتربته أفضل تربة وأنه وطن معطاء يكفي من تمسك بحبه كل مكروه ويفتخر برجاله وبعطائهم اللا محدود – هكذا – و في المقابل لابد وأن يحتقر البلدان الأخرى وجهود الرجال الآخرين من بلدان المسلمين ورجالاته في رد فعل سواء شعر بذلك أم لم يشعر به.
فلا حرج في دين الوطنية أن يفتخر الشخص برجال وطنه ويقدم حبهم على من سواهم حتى وإن كان أولئك غير مسلمين فالوطنية دين الجميع. ومعلوم أن هذه المبالغة لا يقرها الإسلام الذي يدعو أتباعه إلى أن ينصروا كلهم في بوتقة الإسلام، ويدعو أتباعه لأن يكونوا في هذه الأرض كأنهم جسم واحد و في وطن واحد ويوجب على كل مسلم أن يدافع عن كل شبر من أوطان المسلمين وأن يغار عليها حتى لو أدى ذلك إلى قتله فإنه يكون شهيدا مقاتلا في سبيل الله تعالى فإن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم وقد ذكر بعض العقلاء أنه من ضيق الأفق تقوقع الإنسان في مكان واحد وصبره فيه على كل ما يصيبه من أنواع المكاره حبا لذلك المكان.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيما ينسب إليه:
إني رأيت وقوف الماء يفسدهإن يجر طاب وإن لم يجر لم يطب
ووطن العاقل هو المكان الذي يتهيأ له فيه عبادة الله تعالى ويقوم بدينه ويصون نفسه وعقيدته من الانحراف آمنا مطمئنا على نفسه ودينه وعرضه.
- التصنيف:
- المصدر: