الاقتصاد وأبواب الخير!
وليس الاقتصاد علماً وممارسة مالية صرفة، ففيه من جوانب التَّفاعل الإنساني، والتَّشابك مع كافة المجالات والشُّؤون، ما يجعل أهميته رفيعة، ودراسته، مع ممارسته بإبداع وإتقان، واجب لا مفر من قيام بعض الأمّة به بما يكفي، ويغني، ويفيد
مهما استطاع النَّاس والمجتمعات تقليص حاجاتهم، والتَّفاعل مع الأحوال المتغيرة، فلن يستغنوا عن البيع، والشِّراء، وأعمال التِّجارة، والمقايضة، والعوض بمختلف أشكالها، وطرائقها المختلفة، فللفرد، والدَّولة، والمجتمع، ضرورات لا انفكاك من تلبيتها.
وفي الأحوال الطبيعيّة يمثّل الاقتصاد رئة المجتمع، وهو يؤثر ويتأثر، ويدخل ويتداخل، وعلاقاته تبادليّة مع السّياسة، والاجتماع، والإعلام، بل ومع الثَّقافة والتَّعليم أيضاً. وهو عامل مؤثر بقوة في حياة الفرد والأسرة؛ وبحسن إدارته ينجو الإنسان وعائلته من غوائل الحاجة، وحبال الفقر.
ومكانته أعظم عند الدَّول، فهو الذي يرفع من قدرها، ويتناسب حضور الدَّولة في المحافل العالميّة طردياً مع قوة اقتصادها. وداخلياً يزيد من ولاء الجبهة الداخليّة وتماسكها، ويعطي للدَّولة قدرة على تشييد البنى التَّحتية، وابتداء المشاريع المنتجة، وتمتين القوة العسكرية، وتطوير قطاع الخدمات الواسع. ومن كثرة ملفات الاقتصاد في حقيبة السِّياسي، يبدو كالتَّاجر في بعض أحواله، وسلوكياته، وقراراته.
ولا يوجد تخطيط حكومي طموح دون جوانب اقتصاديّة بارزة، وكم من إجراء أو نظام تلجأ إليه الحكومات بدوافع وحجج اقتصادية، فالمنفعة مطلب الكافة، والمصالح العامة راية مرفوعة يجتمع حولها العقلاء. ولهذا وغيره فلا مناص من إيلاء هذا الجانب عناية فائقة في الاهتمام، والتّخطيط، والعمل، والحذر من “الاقتصاد” والزُّهد في النَّظر نحو الاقتصاد.
فالاقتصاد مدخل أساسي في العمل التَّنموي، وفي نفع النَّاس، والمجتمع، والحكومات، ومن خلاله يمكن التَّأثير في مسيرة أي بلد وتوجهاته، كما يمكن بتقويته وتنويعه حماية الدِّين والدِّيار من تدخلات الأعادي وعبثهم، ومن شروطهم الجائرة.
وإذا كان الكلام ينصرف إلى الاقتصاد دونما تخصيص، شريطة ألاّ يكون في أصله محرماً، أو في عملياته ما هو حرام بدليل شرعي، فإنَّ لفت النَّظر إلى العناية الزَّائدة بما يسمى “الاقتصاد الحلال” أمر تقتضيه الحاجة والإقبال العالمي على هذا النَّوع، بمبالغ ضخمة جداً، وهي مرشحة للتَّزايد؛ ومن الغبن أن تذهب أمواله إلى غير المسلمين.
كما أنَّ الدُّخول عبر بوابة الاقتصاد في مشاريع تعليمية، وتقنية، وإعلامية، وإدارية، وسياحية، وترويحية، يمكِّن من الإصلاح النَّاعم المتدرج، فكم من دعوة سرت من خلال الاقتصاد، وكم من فكرة حملها التُّجار معهم في مشارق الأرض ومغاربها، وكم من شرور أزيلت بالمال والأعمال!
وليس الاقتصاد علماً وممارسة مالية صرفة، ففيه من جوانب التَّفاعل الإنساني، والتَّشابك مع كافة المجالات والشُّؤون، ما يجعل أهميته رفيعة، ودراسته، مع ممارسته بإبداع وإتقان، واجب لا مفر من قيام بعض الأمّة به بما يكفي، ويغني، ويفيد، وهو فرع قمين بأن تنفر له فئة من خيار المسلمين؛ كي لا يأثم الجميع.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
مدونة: أحمد بن عبد المحسن العسَّاف
- التصنيف: