هل تسوؤك سيئتك؟

منذ 2019-04-19

ومن أقوى الوسائل المعينة على إصلاح النفس، هو محاسبتها والصدق معها، والحديث الذي بين أيديكم من الوسائل الناجحة والمعينة على تغيير السلوك، وإصلاح الخلل في النفس

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: روى أبو أمامة الباهلي أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: ( «إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الإِثْمُ؟ قَالَ: (إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْه» )([1])، وفي رواية عند الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ( «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» ).

هذا الحديث أحد المقاييس والمؤشرات المهمة التي تقيسُ مستوى الإيمان عند المسلم، فكما يحتاج الإنسان إلى قياس مستوى الضغط والسكر وغيرهما من أمراض؛ ليتدارك صحته قبل تدهورها، فإن للإيمان مؤشرات، وعلامات بينتها السنة النبوية ينبغي للمسلم الأخذ بها؛ لكي يتدارك إيمانه قبل أن يتدنى ويضمحل، ومتى ما اضمحل فقد أوقع صاحبه في المهالك وعرّضه للعقاب.

 والإيمان -كما نعلم جميعا- هو تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وأن مجرد تصديق القلب من غير إقرار باللسان لا يحصل به الإيمان، فإن إبليس لا يُسمى مؤمنا بالله، وإن كان مصدقا بوجود الله -عز وجل- وبربوبيته وإيمانه بالبعث والنشور، ألم يقل )رب أنظرني إلى يوم يبعثون(؟ ولا يسمى فرعون مؤمنًا وإن كان عالمًا بأن الله بعث موسى بالتوراة، وقد استيقنتها أنفسهم وجحدوا بها بألسنتهم، فلذلك مجرد التصديق من غير إقرار لا يحصل به الإيمان. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( «إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ» )، أي إذا عملت سيئة ووقع في قلبك حزن واستياء؛ وجلًا من الله وخوفا من العقوبة، فأنت مؤمن، وإذا فعلت حسنة وحصل لك فرح ومسرَّة دون غرور وعجب فأنت مؤمن، لأن المؤمن الكامل يُميزُ بين الطاعة والمعصية، ويحتسب الثواب من الله ، ويعتقد المجازاة عليها يوم القيامة، بخلاف الكافر فإنه لا يفرق بينهما ولا يبالي بفعلهما.

فهل تسوؤك سيئتك؟ سؤال في غاية الأهمية، ينبغي أن تكثر منه في كل شؤون حياتك، فإن كثيرا من الناس لا يعترفون بأنهم مخطئون ومقصرون، ويصرّون على ما يفعلون، وأما المؤمن الحق فهو يعترف في قرارة نفسه بأنه مقصر، ومن صور هذا الاعتراف أنه يستاء من سيئته ويخاف من عقابها.

أيها الأخ الكريم: اسأل نفسك بصدق، واختبر نفسك بنفسك؛ لتعرف هل تسؤك سيئتك وتسرك حسنتك؟ ابحث ذلك في حياتك اليومية، في علاقاتك مع ربك، ومع والديك، مع أسرتك، مع رفاقك، ومع كافة المجتمع، وإذا أردت أن أساعدَك قليلا في ذلك، سأطرحُ عليك بعض الأسئلة فأجب عنها، وأكمل أنت الباقي على منوالها، فأنت أبصر بنفسك:

هل يسُرك أن تسهر كلَّ يوم حتى وقت متأخر من الليل، في ديوانيات واستراحات وجلسات، مهملا أولادك ومضيعًا صلاة الفجر في جماعة وهي واجبة عليك؟ ( «إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ» )، هكذا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 وليسأل الموظف المتسيب عن عمله: هل يسرك تسيبك هذا أم يسوؤك؟

وليسأل الطالب الذي يغش في الامتحان: هل يسرك عملك أم يسوؤك؟

وليسأل الزوج نفسه: هل يسرك تبرج امرأتك وبناتك وتركهن يلبسن ما يشأن من لباس غير ساتر؟ فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ، ولتسأل الفتاةُ نفسها بصدق: هل يسركِ إصراركِ على لبس العباءة المخصرة والملابس الخليعة؟

فإن استحسان القبيح ليس من صفات المؤمنين، قال تعالى:  {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}.

وليسأل رب الأسرة نفسه: هل يسُرك أن تترك أولادك وبناتك يتابعن المواقع الإباحية في القنوات الفضائية وفي الشبكة العنكبوتية؟

وهل يسُرك أن تترك أولادك يحفظون الأغاني ولا يحفظون شيئا من كتاب الله؟

 وليسأل المدخن نفسه: هل يسُرك تدخينك أم يسوؤك؟

 وليسأل البخيل نفسه: هل يسُرك امتناعك عن أداء الزكاة ومصير مالك أن يتمتع به ورثتك من بعد موتك، فيكونَ عليك غُرمه ولهم غُنمه؟

وليسأل المرء الذي يأخذ كمبيالات وتسهيلات بنكية ربوية: هل يسُرك قرضك هذا أم يسوؤك؟  «فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ» .

 وليسأل التاجر نفسه: هل يسُرك غشك للناس وعدم نصحك لهم؟

 وليسأل نفسه كل واحد يضع في جواله النغمات الموسيقية أو المقاطع الغنائية فيدعها ترن وتعزف في بيت الله وأثناء وقوفه أمام الله قائما أو ساجدا، فهل يسرك عملك هذا أم يسوؤك؟

واسأل نفسك: هل يسرك دخولك كل جمعة بعد دخول الإمام فلا يكتب اسمك في صحف الملائكة؟

وليسأل الشاب الذي يفحط بسيارته ويزعج المارة ويروّعهم: هل يسُرك عملك ذلك أم يسوؤك؟ وهل يزيدك فعلك عند الله حسنات أم سيئات؟

وليسأل الشاب نفسه الذي يتأخر دائما عن صلاة الجماعة: هل يسوؤك تأخرك أم يسرك؟  «فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ » .

وليسأل المسلمون أنفسهم: هل يسركم ما يُفعل بالمسلمين في فلسطين والعراق وفي غيرها من بلاد العالم وأنتم في لهو وغفلة عمَّا يُكاد لكم، فلا دعاء لهم ولا تضرع؟

كلها أسئلةٌ تحتاج إلى صدق مع النفس، إن كنا جادين في إصلاح أنفسنا.

ولكن يتبادر هنا سؤال واستفسار: هل يكفي الاعتراف بالتقصير وأن تسوؤك سيئتك ثم تقف عند هذا المستوى مكتوف اليدين؟ كلا، فلا بد أن يتبعَ هذا الاستياء بالسيئة الإقلاع عنها، وإلا يعتبر العبد الذي يعصي الله وهو على بينة من أمره ولا يتوب من المعاندين والمكابرين.

فمن علامات حُزنِك واستياءِك من سيئتك أن تكرهَهَا، ومن ثمَّ تُقلعَ عنها، وتخافَ أن توردك المهالك وتوقعك في عقاب الله -عز وجل-، فمعظم الناس ومعظم العصاة والمقصرين في جنب الله يسوؤهم عملهم وتقصيرهم، ولكنهم لا يقلعون عن معصيتهم، ولا يغيرون من أنفسهم؛ كالمدخن الذي يقر بخطئه وضرر التدخين عليه وعلى من حوله، ولكنه يصر على شربه، فلن ينفعه استياؤه.

واعلم أخي المسلم أنه لن تسوؤك سيئتك، ولن تسرك حسنتك في أغلب الأحوال، إلا إذا خالطت الصالحين وتركت رفقة الطالحين، فإن الرفيق الصالح هو الذي سيعينك على أن تُبصِرَ سيئتَك وتستاءَ منها، وأما غيره من رفاق السوء، فإنهم على خلاف ذلك، فهم سيسهلون عليك المعصية، ويزينوها لك حتى تصلَ إلى مستوى الفرح بها، والمجاهرة بها، وبالتالي عدم الاستياء منها والاستغفار والإقلاع عنها.

 ( «إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ» )، إنه حديث نبوي مهم فاحفظوه، وميزان حساس ونافع فاعملوا به، اسأل نفسك دائما، وخاطب قلبك بصدق عن كل عمل تعمله: هل يرضي الله؟ هل هو في الحقيقة يسُرك أم يسوؤك؟ فإن كان يسوؤك ولا يسرك، فأقلع عنه واستغفر، واستبدل الأدنى بالذي هو خير، فذلك من تمام الإيمان.

ومن علامات الإيمان أن تسُرك حسنتك وتسيئُك سيئتك، فعندما سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم  مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: ( «إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ» ). 

إن إصلاح المجتمع لا يكون إلا بإصلاح أفراده، ومن هنا يأتي أهمية إصلاح الفرد نفسه وقلبه وجوارحه وسلوكه، فصلاح الفرد هو صلاح للأمة، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالبداية تكون من النفس، فإذا كنا غيرَ قادرين على إصلاح أنفسنا، فكيف نطالب غيرنا بإصلاح المجتمع؟

ومن أقوى الوسائل المعينة على إصلاح النفس، هو محاسبتها والصدق معها، والحديث الذي بين أيديكم من الوسائل الناجحة والمعينة على تغيير السلوك، وإصلاح الخلل في النفس، فهو مؤشر دقيق للإيمان، قاله من لا ينطق عن الهوى: (إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ)، هكذا قال لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فهل نعمل بسنته ونهتدي بهديه؟

 أسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح القول والعمل ويجنبنا الزلل، ويجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

 

([1])  رواه الإمام أحمد (22166).

  • 4
  • 0
  • 4,218

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً