يا أصحاب السمرة
والسمرة هي الشجرة التي بايع تحتها الصحب الكرام نبيهم على الثبات وعدم الفرار إذا ما لاقوا قريش عند الحديبية- ، وبمجرد أن سمعوا النداء، حول الصحابة المعنيون بالنداء وجوه دوابهم من الفرار إلى الهجوم
كتب علي خيري :
الرسول وصحابته الكرام، يدخلون إلى وادي حنين، وفجأة تنهال عليهم السهام والرماح من كل جانب، فيرتبك الجيش ويسعى إلى الفرار، إلا ثلة قليلة لا تزيد على الثلاثة عشر رجل على رأسهم الرسول أشجع الخلق صلى الله عليه وسلم، يتأزم الموقف فالرسول في تلك الثلة يقابل الألاف من جيش العدو كلهم يستهدف روحة الشريفة. عندئذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " «يا عبّاس نادِ يا أصحاب السَّمُرة". قال عباس: "وكنتُ رجلاً صَيّتًا فقلتُ بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لَكَأنّ عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي عَطْفَة البقر على أولادهم فقالوا: يا لبّيْكَ يا لبّيْك» ".
-والسمرة هي الشجرة التي بايع تحتها الصحب الكرام نبيهم على الثبات وعدم الفرار إذا ما لاقوا قريش عند الحديبية- ، وبمجرد أن سمعوا النداء، حول الصحابة المعنيون بالنداء وجوه دوابهم من الفرار إلى الهجوم، إلى حيث ثبت سيد الشجعان صلى الله عليه وسلم، حتى أنهم كانوا ينزلون من على الدواب عندما يتعثر عليهم السير عكس تيار الفرار الذي اجتاح الجيش الكبير، وعلى هؤلاء الأوفياء الشجعان الكرام قام نصر حنين العظيم. وسبب اختيار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لهذه الفئة سنرجع إليه في وقت لاحق، لكن دعونا نقف الآن مع استجابة أصحاب بيعة الرضوان لهذا النداء، هذه الاستجابة التي جاءت في ظرف يذهل الإنسان فيه عن كل شئ، ولكي نفهم معنى أن يرجع الفار لنداء سمعه، يجب علينا أن نسمع لقصة تتعلق هي الأخرى بغزوة حنين أظن أنها ستعرفنا قيمة هذا النداء عند الصحابة الذين رجعوا بمجرد سماعهم له.
كان الفارس الشاعر دريد بن الصمة مع الكفار يوم حنين ولكنه كان شيخا هرما فقد بصره ويحمل في هودج لكي ينتفع قومه برأيه، فلما توقف الركب، سأل: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل! لا حزن ضرس، ولا سهل دهس، فما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: فأين مالك؟ قيل: هذا مالك ودعي له، فقال: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم. قال: ولم ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله، ليقاتل عنهم. فرد عليه قائلا: راعي ضأن والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك.
ومن هذه القصة أردت الاستشهاد بقول الخبير العسكري دريد بن الصمة الذي زاد عمره وقتها على المائة عام عندما قال مستنكرا: وهل يرد المنهزم شيء؟، فالإنسان إذا فر يصيبه العمى عن كل شئ إلا عما ينقذ حياته، فلحظة الفرار هي لحظة هزيمة نفسية وتحطم معنوي وشلل فكري وعاطفي، يترك فيها الرجل أعز الناس إلى قلبه وأقربهم منه رحما، وهنا فقط ندرك قيمة النداء الذي أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم على لسان عمه العباس جهوري الصوت، ذلك النداء الذي انتشل الصحابة من بئر الفرار السحيق، ليستردوا عزيمتهم، ويتحولوا في لحظة من الفرار والانهزام، إلى أسود مزمجرة تهجم على الكفار وتمزقهم كل ممزق.
وهنا نأتي إلى السؤال الصعب، ما هو النداء الذي إذا سمعته وأنت مستغرق في دنياك، منغمسا في حياتك يردك في ثوان معدودة إلى الاهتمام بأمر دينك ودعوتك، هل يوجد في حياتك أصلا شيئا يعادل هذا النداء كما كان عند الصحابة، أم أنك بعدما بحثت -بصدق- لم تجد في حياتك ما يستحق؟
إذا لم تجد نداء أو شعار تستطيع أن تضحي بحياتك في سبيل إعلائه فعليك أن تقف مع نفسك وقفة طويلة، وتراجع سبب حياتك وجدك واجتهادك، وإني أعظك وأعظ نفسي أن يكون النداء الذي تجيبه نداءا يدعو إلى سفاسف الأمور.
دعنا نقف مع أنفسنا لنبحث ما هو عن نداء الذي لو سمعته ترى أنه من الواجب عليك ترك كل ما في يديك وتذهب مسرعا لإجابته وأنت تقول يا لبيك يا لبيك.
- التصنيف: