حين غبت عني !

منذ 2011-07-28

انقطع مدد السعادة.. وتبدّل الحال.. واكتست السماء ضباباً منع عني رؤية أي شيءٍ جميل.. تثاقلت خطوات الزمن.. وفَقَد الكون كل ألوانه المُزهِرة.. وتسلّط قلبي على عيني فحرمها النوم!.. ووجدتني أنتظر العودة.. وأنا مُسمّرةٌ هنا.. بَيْن بَيْن!



انقطع مدد السعادة.. وتبدّل الحال.. واكتست السماء ضباباً منع عني رؤية أي شيءٍ جميل.. تثاقلت خطوات الزمن.. وفَقَد الكون كل ألوانه المُزهِرة.. وتسلّط قلبي على عيني فحرمها النوم!.. ووجدتني أنتظر العودة.. وأنا مُسمّرةٌ هنا.. بَيْن بَيْن!

كيف يمكن لإنسانٍ أن يرحل عن ناظري فتلحق به الحياة؟! ويترك الصقيع مغلِّفاً قلبي يفتش عن كوّةٍ يلتمس منها دفئاً.. فلا يجد إلا الذكرى.. وصوتاً قادماً من خلف البحار على هاتف جامد.. يطمئنني عنه.. "وأكذب" عليه لكي لا يُشغل عليّ.. أدّعي أنني بحال جيّدة.. وأنا فاقدة للنبض! فكيف أتنفس وهو عني بعيد؟!


قد قالوا يوماً.. السفر قطعة من العذاب.. فكنت حين أسافر -وغالباً ما يكون السفر إلى مكة والمدينة- أعيش حالة من الارتقاء عن العالم المحيط بي.. فأذكر أهلي بالدعاء.. ولكني لم أكن أشعر بثقل البعاد..إذ أكون بين يدي العبادة! أما حين سافرت أنت.. وبقيت أنا هنا.. ذقتُ مرّ الفراق.. وعشت لهيب الشوق.. ومضغني الأنين ثم لفظني!


أأخبرك كيف كان حال البيت من دونك؟! أأُسِرّ لك كيف كان لونه؟ رائحته؟ جوّه؟ كان متّشِحاً بالسواد.. جدرانه باردة.. كئيباً كان.. كقلبي! صورتك مطبوعة في كل الزوايا والمرايا والحكايا.. إلا أنها بلا روح! ولم يستطع أي أحد أن يملأ فراغك.. فحسبتني مقطوعة من شجرة الوجود حتى العَود! ولم يكسر وحشتي إلا مريم.. فكنتُ أستقي منها معنىً للصمود!

وما كنت أملك من دنياي إلا وجهك المنسوج في شراييني ليعطيني بعض قوة.. فأصبر.. وأرضى.. فما لشوقي من دواء.. "وسائري يحنّ إليّ".. أتمتم كلمات أضمد بها جرحي.. للغربةِ ساعات وترحل!

كنتُ أعلم أنني أعيش فيك كما أنت فيّ.. وأن روحينا تتحافى كما تتحافى أوراق الشجر.. وأن همس الاشتياق المتبادل يصل مسامعنا بالرغم من الأميال التي تفرّقنا.. ومع كل ذلك كنتُ أراني كطفلة تفتش عن يد أمينة تختطفها من عجلة الحياة الموحِشة..

كنت هنا.. معي.. بين الشغاف.. وأردد.. "ومن عجب أني أحنّ إليهم وأسأل عنهم مَن لقيتُ وهم معي.. وتطلبهم عيني وهم في سوادها.. ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي"..


وتساءلتُ.. ما ينفعني كل من حولي إن لم تكوني معي؟! أفتكون ساقية اقتحمها الجفاف كبحرٍ عامر بالماء؟!

مرضتُ في غيابك.. وما دريت.. هل كان ذاك مرضاً.. أم أسقمني الفراق؟!

وحين كان يستبد بي الشوق.. كنت أقف على حافّته.. أغمض عينيّ.. أستعيد مواقف كنت فيها هنا.. ثم أستقر في تلك المحطّات.. وأستسلم للذكرى! أتنشّق عبيرها ملء شراييني.. وأتوه في هلوساتٍ بين اليقظة والحلم!

قرأتُ يوماً عبارةً تقول: "شرفةٌ تبحثُ عن منزلها المهدوم.. هذا هو قلبي".. فكنتُ أشفق على من كتبها محاولة تفهّم صرخته.. أما وقد بعدت عني.. بتُ أعيش ما حاولت فهمه بالأمس!

دخلتُ في غيابك عوالم مفجِعة.. وبرزت أفكار كنتُ قد برعتُ في طمسها.. ولكنها استأسدت عليّ بعد أن تحسست ضعفي في غيابك! ثم ما لبثتُ أن لملمت شعثَ نفسي.. وواجهتها بحزم.. إن رحل العالم كله.. فالله جل وعلا باق! وسيكون معي!


ألفيتني أفلسف الأمور.. أُعلي نبرة صوتي على هلوساتي.. ثم أُخفِضها رأفة بوحدتي.. ثم أبكي! وأبكي! وأبكي!

ضائعةً كنت.. حين غبت عني.. كجريحٍ منعوا الماء عنه خشية أن يموت.. وهو أحوج ما يكون إلى الماء!

مكسورةً كنت.. حين غبت عني.. كثائر رفض الذلّ والهوان للأعداء وتلفّت علّه يجد نصرة الأخ فلم يجد!

محروقة كنت.. حين غاب وهج حنانك.. كيتيمة على موائد اللئام..


أما الآن.. وقد لاح بيرق العودة.. ينبض قلبي بسرعة.. وتهفو عيناي للحظة اللقاء.. ويثور حنيني ليملأ الكون ضجيجاً..

أنتظرك.. يا أنا.. قد فاض كأسي.. فمتى يتبسّمُ العالمُ؟!

أمّاه.. "عودي لي!"
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 3,473
  • ahmedabbas11

      منذ
    من أفضل ما قرأت، جزاكم الله خيرا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً